المسألة السادسة : اختلف العلماء في
تعيين ولي المقتول الذي جعل الله له هذا السلطان المذكور في هذه الآية الكريمة في قوله :
ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا الآية [ 17 \ 33 ] .
فذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المراد بالولي في الآية : الورثة من ذوي الأنساب والأسباب ، والرجال والنساء ، والصغار والكبار ; فإن عفا من له ذلك منهم صح عفوه وسقط به القصاص ، وتعينت الدية لمن لم يعف .
وهذا مذهب الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، والإمام
أبي حنيفة والإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمهم الله تعالى .
[ ص: 121 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " : هذا قول أكثر أهل العلم ; منهم
عطاء ،
والنخعي ،
والحكم ،
وحماد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
وأبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وروي معنى ذلك عن
عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ، وقال
الحسن ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ،
nindex.php?page=showalam&ids=16438وابن شبرمة ،
والليث ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي : ليس للنساء عفو ; أي : فهن لا يدخلن عندهم في اسم الولي الذي له السلطان في الآية .
ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة : والمشهور عن
مالك أنه موروث للعصبات خاصة ، وهو وجه لأصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
قال مقيده عفا الله عنه : مذهب
مالك في هذه المسألة فيه تفصيل : فالولي الذي له السلطان المذكور في الآية الذي هو استيفاء القصاص أو العفو عنده هو أقرب الورثة العصبة الذكور ، والجد والإخوة في ذلك سواء . وهذا هو معنى قول
خليل في مختصره :
والاستيفاء للعاصب كالولاء ، إلا الجد والأخوة فسيان
اه .
وليس للزوجين عنده حق في القصاص ولا العفو ، وكذلك النساء غير الوارثات : كالعمات ، وبنات الإخوة ، وبنات العم .
أما النساء الوارثات : كالبنات ، والأخوات ، والأمهات فلهن القصاص ، وهذا فيما إذا لم يوجد عاصب مساو لهن في الدرجة ، وهذا هو معنى قول
خليل في مختصره :
وللنساء إن ورثن ولم يساوهن عاصب
فمفهوم قوله : " إن ورثن " أن غير الوارثات لا حق لهن ، وهو كذلك .
ومفهوم قوله : " ولم يساوهن عاصب " أنهن إن ساواهن عاصب : كبنين ، وبنات ، وإخوة وأخوات ، فلا كلام للإناث مع الذكور . وأما إن كان معهن عاصب غير مساو لهن : كبنات ، وإخوة ; فثالث الأقوال هو مذهب المدونة : أن لكل منهما القصاص ولا يصح العفو عنه إلا باجتماع الجميع ; أعني ولو عفا بعض هؤلاء ، وبعض هؤلاء . وهذا هو معنى قول
خليل في مختصره :
ولكل القتل ولا عفو إلا باجتماعهم
; يعني : ولو بعض هؤلاء وبعض هؤلاء .
قال مقيده عفا الله عنه : الذي يقتضي الدليل رجحانه عندي في هذه المسألة : أن الولي في هذه الآية هم الورثة ذكورا كانوا أو إناثا ، ولا مانع من إطلاق الولي على الأنثى ; لأن المراد جنس الولي الشامل لكل من انعقد بينه وبين غيره سبب يجعل كلا منهما يوالي
[ ص: 122 ] الآخر ; كقوله تعالى :
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض [ 9 \ 71 ] ، وقوله :
وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض الآية [ 8 \ 75 ] .
والدليل على شمول الولي في الآية للوارثات من النساء ولو بالزوجية الحديث الوارد بذلك ، قال
أبو داود في سننه : ( باب عفو النساء عن الدم ) : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15856داود بن رشيد ، ثنا
الوليد عن
الأزواعي : أنه سمع
حصنا ، أنه سمع
أبا سلمة يخبر عن
عائشة رضي الله عنها ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008033على المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول ، وإن كانت امرأة " .
قال
أبو داود : بلغني أن
عفو النساء في القتل جائز إذا كانت إحدى الأولياء ، وبلغني عن
أبي عبيدة في قوله : " ينحجزوا " يكفوا عن القود .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي رحمه الله في سننه : أخبرنا
إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثنا
الوليد بن الأوزاعي ، قال : حدثني
حصن ، قال : حدثني
أبو سلمة ( ح ) . وأنبأنا
nindex.php?page=showalam&ids=14128الحسين بن حريث ، قال : حدثنا
الوليد ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، قال : حدثني
حصين : أنه سمع
أبا سلمة يحدث عن
عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008033وعلى المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول ، وإن كانت امرأة " اه .
وهذا الإسناد مقارب ; لأن رجاله صالحون للاحتجاج ، إلا
حصنا المذكور فيه ففيه كلام .
فطبقته الأولى عند
أبي داود : هي
nindex.php?page=showalam&ids=15856داود بن رشيد الهاشمي مولاهم الخوارزمي نزيل
بغداد ، وهو ثقة . وعند
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=14128حسين بن حريث ،
وإسحاق بن إبراهيم ،
nindex.php?page=showalam&ids=14128وحسين بن حريث الخزاعي مولاهم أبو عمار المروزي ثقة .
والطبقة الثانية عندهما : هي
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم القرشي مولاهم أبو العباس الدمشقي ثقة ، لكنه كثير التدليس والتسوية ، وهو من رجال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم وباقي الجماعة .
والطبقة الثالثة عندهما : هي الإمام
الأوزاعي وهو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو أبو [ عمرو ] الأوزاعي ، وهو الإمام الفقيه المشهور ، ثقة جليل .
والطبقة الرابعة عندهما : هي
حصن المذكور وهو ابن عبد الرحمن ، أو ابن محصن التراغمي أبو حذيفة الدمشقي ، قال فيه
ابن حجر في " التقريب " : مقبول . وقال فيه في " تهذيب التهذيب " : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني شيخ يعتبر به ، له عند
أبي داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي حديث
[ ص: 123 ] واحد "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008033على المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول وإن كانت امرأة " ، قلت : وذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في الثقات . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان : لا يعرف حاله ( ا ه ) وتوثيق
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان له لم يعارضه شيء مانع من قبوله ; لأن من اطلع على أنه ثقة حفظ ما لم يحفظه مدع أنه مجهول لا يعرف حاله . وذكر
ابن حجر في " تهذيب التهذيب " عن
أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=14909ويعقوب بن سفيان أنهما قالا : لا نعلم أحدا روى عنه غير
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي .
والطبقة الخامسة عندهما :
nindex.php?page=showalam&ids=12031أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، وهو ثقة مشهور .
والطبقة السادسة عندهما :
عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد رأيت أن
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان رحمه الله ذكر
حصنا المذكور في الثقات ، وأن بقية طبقات السند كلها صالح للاحتجاج ، والعلم عند الله تعالى .