تنبيه
اعلم أن رواية
سعيد بن عبيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15547بشير بن يسار ، عن
سهل بن أبي حثمة التي فيها :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008052أن النبي صلى الله عليه وسلم " لما سأل أولياء المقتول هل لهم بينة " وأخبروه بأنهم ليس لهم بينة ، قال : " يحلفون " يعني
اليهود المدعى عليهم ، وليس فيها ذكر حلف أولياء المقتول أصلا - لا دليل فيها لمن نفى القود بالقسامة ; لأن
سعيد بن عبيد وهم فيها ، فأسقط من السياق تبرئة المدعين باليمين ، لكونه لم يذكر في روايته رد اليمين . ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=15547بشير بن يسار ، فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض الأيمان أولا على أولياء المقتول ، فلما أبوا عرض عليهم رد الأيمان على المدعى عليهم . فاشتملت رواية
nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد على زيادة
[ ص: 135 ] من ثقة حافظ فوجب قبولها . وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري رحمه الله رواية
سعيد بن عبيد ( في باب القسامة ) وذكر رواية
nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد ( في باب الموادعة والمصالحة مع المشركين ) وفيها : " تحلفون وتستحقون قاتلكم " أو صاحبكم . . . الحديث . والخطاب في قوله " تحلفون وتستحقون " لأولياء المقتول .
وجزم بما ذكرنا من تقديم رواية
nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد المذكورة على رواية
سعيد بن عبيد -
ابن حجر في الفتح وغير واحد ، لأنها زيادة من ثقة حافظ لم يعارضها غيرها فيجب قبولها ; كما هو مقرر في علم الحديث وعلم الأصول .
وقال
القرطبي في تفسيره في الكلام على قوله تعالى :
فقلنا اضربوه ببعضها الآية [ 2 \ 73 ] ، وقد أسند حديث
سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالمدعين -
nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16008وابن عيينة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15743وحماد بن زيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16503وعبد الوهاب الثقفي ،
وعيسى بن حماد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15535وبشر بن المفضل ، فهؤلاء سبعة . وإن كان أرسله
مالك ، فقد وصله جماعة الحفاظ ، وهو أصح من حديث
سعيد بن عبيد .
وقال
مالك رحمه الله ( في الموطأ ) بعد أن ساق رواية
nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد المذكورة : الأمر المجتمع عليه عندنا ، والذي سمعته ممن أرضى في القسامة ، والذي اجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث : أن يبدأ بالأيمان المدعون في القسامة فيحلفون . اهـ محل الغرض منه .
واعلم أن العلماء أجمعوا على أن القسامة يشترط لها لوث ، ولكنهم اختلفوا في
تعيين اللوث الذي تحلف معه أيمان القسامة ، فذهب
مالك رحمه الله إلى أنه أحد أمرين :
الأول : أن
يقول المقتول : دمي عند فلان . وهل يكفي شاهد واحد على قوله ذلك ، أو لا بد من اثنين ؟ خلاف عندهم .
والثاني : أن تشهد بذلك بينة لا يثبت بها القتل كاثنين غير عدلين .
قال
مالك في الموطأ : الأمر المجتمع عليه عندنا ، والذي سمعته ممن أرضى في القسامة ، والذي اجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث أن يبدأ بالأيمان المدعون في القسامة فيحلفون ، وأن القسامة لا تجب إلا بأحد أمرين : إما أن يقول المقتول دمي عند فلان ، أو يأتي ولاة الدم بلوث من بينة وإن لم تكن قاطعة على الذي يدعى عليه الدم ، فهذا يوجب القسامة لمدعي الدم على من ادعوه عليه ، ولا تجب القسامة عندنا إلا بأحد هذين
[ ص: 136 ] الوجهين . اهـ محل الغرض منه ، هكذا قال في الموطأ ، وستأتي زيادة عليه إن شاء الله .
واعلم أن كثيرا من أهل العلم أنكروا على
مالك رحمه الله إيجابه القسامة بقول المقتول : قتلني فلان .
قالوا : هذا قتل مؤمن بالأيمان على دعوى مجردة .
واحتج
مالك رحمه الله بأمرين :
الأول : أن المعروف من طبع الناس عند حضور الموت : الإنابة والتوبة والندم على ما سلف من العمل السيئ ، وقد دلت على ذلك آيات قرآنية ; كقوله :
وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين [ 63 \ 10 ] ، وقوله :
حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن [ 4 \ 18 ] ، وقوله :
فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين [ 40 \ 84 ] إلى غير ذلك من الآيات .
فهذا معهود من طبع الإنسان ، ولا يعلم من عادته أن يدع قاتله ويعدل إلى غيره ، وما خرج عن هذا نادر في الناس لا حكم له .
الأمر الثاني : أن قصة قتيل
بني إسرائيل تدل على اعتبار قول المقتول : دمي عند فلان .
فقد استدل
مالك بقصة القتيل المذكور على صحة القول بالقسامة بقوله : قتلني فلان ، أو : دمي عند فلان ، في رواية
ابن وهب وابن القاسم .
ورد المخالفون هذا الاستدلال بأن إحياء القتيل معجزة لنبي الله
موسى ، وقد أخبر الله تعالى أنه يحييه ، وذلك يتضمن الإخبار بقاتله خبرا جازما لا يدخله احتمال ، فافترقا .
ورد
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي المالكي هذا الاعتراض بأن المعجزة إنما كانت في إحياء المقتول ، فلما صار حيا كان كلامه كسائر كلام الناس كلهم في القبول والرد .
قال : وهذا فن دقيق من العلم لم يتفطن له إلا
مالك ، وليس في القرآن أنه إذا أخبر وجب صدقه ، فلعله أمرهم بالقسامة معه . اهـ كلام
ابن العربي . وهو غير ظاهر عندي ; لأن سياق القرآن يقتضي أن القتيل إذا ضرب ببعض البقرة وحيي أخبرهم بقاتله ، فانقطع بذلك النزاع المذكور في قوله تعالى :
وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها [ 2 \ 72 ] . فالغرض الأساسي من ذبح البقرة قطع النزاع بمعرفة القاتل بإخبار المقتول إذا ضرب ببعضها فحيي ، والله تعالى أعلم . والشاهد العدل لوث عند
مالك في رواية
ابن القاسم ، وروى
أشهب عن
مالك : أنه
[ ص: 137 ] يقسم مع الشاهد غير العدل ومع المرأة ، وروى
ابن وهب : أن شهادة النساء لوث . وذكر
محمد عن
ابن القاسم : أن شهادة المرأتين لوث ، دون شهادة المرأة الواحدة .
وقال القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=12815أبو بكر بن العربي : اختلف في اللوث اختلافا كثيرا . ومشهور مذهب
مالك : أنه الشاهد العدل . وقال
محمد : هو أحب إلي ، قال : وأخذ به
ابن القاسم وابن عبد الحكم .
وممن أوجب القسامة بقوله : دمي عند فلان :
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان .
والذين قالوا بالقسامة بقول المقتول : دمي عند فلان ، منهم من يقول : يشترط في ذلك أن يكون به جراح ، ومنهم من أطلق .
والذي به الحكم وعليه العمل عند المالكية : أنه لا بد في ذلك من أثر جرح أو ضرب بالمقتول ، ولا يقبل قوله بدون وجود أثر الضرب .
واعلم أنه بقيت صورتان من صور القسامة عند
مالك .
الأولى : أن يشهد عدلان بالضرب ، ثم يعيش المضروب بعده أياما ، ثم يموت منه من غير تخلل إفاقة . وبه قال
الليث أيضا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يجب في هذه الصورة القصاص بتلك الشهادة على الضرب ، وهو مروي أيضا عن
أبي حنيفة .
الثانية : أن يوجد مقتول وعنده أو بالقرب منه من بيده آلة القتل ، وعليه أثر الدم مثلا ، ولا يوجد غيره فتشرع القسامة عند
مالك . وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . ويلحق بهذا أن تفترق جماعة عن قتيل ، وفي رواية عن
مالك في القتيل يوجد بين طائفتين مقتتلتين : أن القسامة على الطائفة التي ليس منها القتيل إن كان من إحدى الطائفتين .
أما إن كان من غيرهما فالقسامة عليهما ، والجمهور على أن القسامة عليهما معا مطلقا . قاله
ابن حجر في الفتح .
وأما اللوث الذي تجب به القسامة عند الإمام
أبي حنيفة ، فهو أن يوجد قتيل في محلة أو قبيلة لم يدر قاتله ، فيحلف خمسون رجلا من أهل تلك المحلة التي وجد بها القتيل يتخيرهم الولي : ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا ، ثم إذا حلفوا غرم أهل المحلة الدية ، ولا يحلف الولي ، وليس في مذهب
أبي حنيفة رحمه الله قسامة إلا بهذه الصورة .
وممن قال بأن وجود القتيل بمحلة لوث يوجب القسامة :
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي .
[ ص: 138 ] وشرط هذا عند القائلين به إلا الحنفية : أن يوجد بالقتيل أثر . وجمهور أهل العلم على أن وجود القتيل بمحلة لا يوجب القسامة ، بل يكون هدرا ; لأنه قد يقتل ويلقى في المحلة لتلصق بهم التهمة ، وهذا ما لم يكونوا أعداء للمقتول ولم يخالطهم غيرهم وإلا وجبت القسامة ; كقصة
اليهود مع الأنصاري .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله ، فإن القسامة تجب عنده بشهادة من لا يثبت القتل بشهادته ; كالواحد أو جماعة غير عدول . وكذلك تجب عنده بوجود المقتول يتشحط في دمه ، وعنده أو بالقرب منه من بيده آلة القتل وعليه أثر الدم مثلا ، ولا يوجد غيره ، ويلحق به افتراق الجماعة عن قتيل .
وقد قدمنا قول الجمهور في القتيل يوجد بين الطائفتين المقتتلتين ، والذي يظهر لي أنه إن كان من إحدى الطائفتين المقتتلتين : أن القسامة فيه تكون على الطائفة الأخرى دون طائفته التي هو منها ، وكذلك تجب عنده فيما كان كقصة اليهودي مع الأنصاري .
وأما الإمام
أحمد ، فاللوث الذي تجب به القسامة عنده ، فيه روايتان .
الأولى : أن اللوث هو العداوة الظاهرة بين المقتول والمدعى عليه ، كنحو ما كان بين
الأنصار واليهود ، وما بين القبائل والأحياء وأهل القرى الذين بينهم الدماء والحروب ، وما جرى مجرى ذلك . ولا يشترط عنده على الصحيح ألا يخالطهم غيرهم ، نص على ذلك الإمام
أحمد في رواية
مهنأ . واشترط القاضي ألا يخالطهم غيرهم كمذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ; قاله في المغني .
والرواية الثانية عن
أحمد رحمه الله أن اللوث هو ما يغلب به على الظن صدق المدعي ، وذلك من وجوه :
أحدها : العداوة المذكورة .
والثاني : أن يتفرق جماعة عن قتيل فيكون ذلك لوثا في حق كل واحد منهم ، فإن ادعى الولي على واحد فأنكر كونه مع الجماعة فالقول قوله مع يمينه ، ذكره القاضي ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
والثالث : أن يوجد المقتول ويوجد بقربه رجل معه سكين أو سيف ملطخ بالدم ، ولا يوجد غيره .
الرابع : أن تقتتل فئتان فيفترقوا عن قتيل من إحداهما ، فاللوث على الأخرى .
[ ص: 139 ] ذكره القاضي ، فإن كانوا بحيث لا تصل سهام بعضهم بعضا ، فاللوث على طائفة القتيل ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وروي عن
أحمد : أن عقل القتيل على الذين نازعوهم فيما إذا اقتتلت الفئتان إلا أن يدعوا على واحد بعينه ، وهذا قول
مالك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى : على الفريقين جميعا ، لأنه يحتمل أنه مات من فعل أصحابه فاستوى الجميع فيه ، وقد قدمنا عن
ابن حجر أن هذا قول الجمهور .
الخامس : أن يشهد بالقتل عبيد ونساء ; فعن
أحمد هو لوث ، لأنه يغلب على الظن صدق المدعي ، وعنه : ليس بلوث ، لأنها شهادة مردودة فلم يكن لها أثر .
فأما
القتيل الذي يوجد في الزحام كالذي يموت من الزحام يوم الجمعة أو عند الجمرة ، فظاهر كلام
أحمد أن ذلك ليس بلوث ، فإنه قال في من مات بالزحام يوم الجمعة : ديته في بيت المال . وهذا قول
إسحاق ، وروي عن
عمر وعلي ، فإن
سعيدا روى في سننه عن
إبراهيم قال : قتل رجل في زحام الناس بعرفة . فجاء أهله إلى
عمر ، فقال : بينتكم على من قتله . فقال
علي : يا أمير المؤمنين ، لا يطل دم امرئ مسلم ، إن علمت قاتله وإلا فأعطهم ديته من بيت المال . انتهى من المغني .
وقد قال
ابن حجر في الفتح ( في باب إذا مات في الزحام أو قتل به ) في الكلام على قتل المسلمين يوم أحد
اليمان والد حذيفة رضي الله عنهما ما نصه : وحجته ( يعني إعطاء ديته من بيت المال ) ما ورد في بعض طرق قصة
حذيفة ، وهو ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14474أبو العباس السراج في تاريخه من طريق
عكرمة :
أن والد حذيفة قتل يوم أحد ، قتله بعض المسلمين يظن أنه من المشركين ، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد تقدم له شاهد مرسل أيضا ( في باب العفو عن الخطأ ) وروى
مسدد في مسنده من طريق
يزيد بن مذكور : أن رجلا زحم يوم الجمعة فمات ، فوداه
علي من بيت المال .
وفي المسألة مذاهب أخرى ( منها ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : أن ديته تجب على جميع من حضر ، وهو أخص من الذي قبله . وتوجيهه : أنه مات بفعلهم فلا يتعداهم إلى غيرهم . ( ومنها ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن تبعه : أنه يقال لوليه ادع على من شئت واحلف ، فإن حلفت استحققت الدية ، وإن نكلت حلف المدعى عليه على النفي وسقطت المطالبة . وتوجيهه : أن الدم لا يجب إلا بالطلب .
( ومنها ) قول
مالك : دمه هدر . وتوجيهه : أنه إذا لم يعلم قاتله بعينه استحال أن يؤخذ به أحد . وقد تقدمت الإشارة إلى الراجح من هذه المذاهب ( في باب العفو عن الخطأ ) انتهى
[ ص: 140 ] كلام
ابن حجر رحمه الله .
والترجيح السابق الذي أشار له هو قوله في قول
حذيفة رضي الله عنه مخاطبا للمسلمين الذين قتلوا أباه خطأ : " غفر الله لكم " استدل به من قال : إن ديته وجبت على من حضر ; لأن معنى قوله : " غفر الله لكم " ، عفوت عنكم ، وهو لا يعفو إلا عن شيء استحق أن يطالب به . انتهى محل الغرض منه . فكأن
ابن حجر يميل إلى ترجيح قول
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري رحمه الله .
قال مقيده عفا الله عنه : أظهر الأقوال عندي في اللوث الذي تجب القسامة به : أنه كل ما يغلب به على الظن صدق أولياء المقتول في دعواهم ; لأن جانبهم يترجح بذلك فيحلفون معه ، وقد تقرر في الأصول " أن المعتبر في الروايات والشهادات ما تحصل به غلبة الظن " وعقده صاحب مراقي السعود بقوله في شروط الراوي :
بغالب الظن يدور المعتبر فاعتبر الإسلام كل من غبر
، إلخ