قوله تعالى :
وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن .
التحقيق في معنى هذه الآية الكريمة : أن الله جل وعلا جعل ما أراه نبيه صلى الله عليه وسلم من الغرائب والعجائب ليلة الإسراء والمعراج فتنة للناس ; لأن عقول بعضهم ضاقت عن قبول ذلك ، معتقدة أنه لا يمكن أن يكون حقا ، قالوا : كيف يصلي ببيت المقدس ، ويخترق السبع الطباق ، ويرى ما رأى في ليلة واحدة ، ويصبح في محله بمكة ؟ هذا محال ، فكان هذا الأمر فتنة لهم لعدم تصديقهم به ، واعتقادهم أنه لا يمكن ، وأنه جل وعلا جعل الشجرة الملعونة في القرآن التي هي شجرة الزقوم فتنة للناس ، لأنهم لما سمعوه صلى الله عليه وسلم يقرأ :
إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم الآية [ 37 \ 64 ] ، قالوا : ظهر كذبه ; لأن الشجر لا ينبت في الأرض اليابسة ، فكيف ينبت في أصل النار ؟ فصار ذلك فتنة . وبين أن هذا هو المراد من كون الشجرة المذكورة فتنة لهم بقوله :
أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمين إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم الآية [ 37 \ 62 - 64 ] وهو واضح كما ترى . وأشار في موضع آخر إلى الرؤيا التي جعلها فتنة لهم ، وهو قوله :
أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى [ 53 \ 12 - 18 ] ، وقد قدمنا إيضاح هذا في أول هذه السورة الكريمة . وبهذا التحقيق الذي ذكرنا تعلم
[ ص: 166 ] أن قول من قال : إن الرؤيا التي أراه الله إياها هي رؤياه في المنام
بني أمية على منبره ، وإن المراد بالشجرة الملعونة في القرآن
بنو أمية - لا يعول عليه ; إذ لا أساس له من الصحة ، والحديث الوارد بذلك ضعيف لا تقوم به حجة ، وإنما وصف الشجرة باللعن لأنها في أصل النار ، وأصل النار بعيد من رحمة الله ، واللعن : الإبعاد عن رحمة الله ، أو لخبث صفاتها التي وصفت بها في القرآن ، أو للعن الذين يطعمونها . والعلم عند الله تعالى .