قال مقيده عفا الله عنه : لا شك في جواز إطلاق الإحصار على ما كان من العدو كما سترى تحقيقه إن شاء الله ، هذا حاصل كلام أهل العربية في معنى الإحصار . وأما المراد به في الآية الكريمة فقد اختلف فيه العلماء على ثلاثة أقوال : الأول : أن المراد به حصر العدو خاصة دون المرض ونحوه ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر وأنس وابن الزبير وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير - رضي الله عنهم - وبه قال
مروان ،
وإسحاق وهو الرواية المشهورة الصحيحة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، وهو مذهب
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي رحمهم الله .
وعلى هذا القول أن المراد بالإحصار ما كان من العدو خاصة ، فمن أحصر بمرض ونحوه لا يجوز له التحلل حتى يبرأ من مرضه ، ويطوف بالبيت ويسعى ، فيكون متحللا بعمرة ، وحجة هذا القول متركبة من أمرين : الأول : أن الآية الكريمة التي هي قوله تعالى : (
فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) [ 2 \ 196 ] نزلت في صد المشركين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وهم محرمون بعمرة عام
الحديبية عام ست بإطباق العلماء .
وقد تقرر في الأصول أن صورة سبب النزول قطعية الدخول فلا يمكن إخراجها بمخصص ، فشمول الآية الكريمة لإحصار العدو ، الذي هو سبب نزولها قطعي ، فلا يمكن إخراجه من الآية بوجه ، وروي عن
مالك - رحمه الله - أن صورة سبب النزول ظنية الدخول لا قطعيته ، وهو خلاف قول الجمهور وإليه أشار في " مراقي السعود " بقوله : [ الرجز ]
واجزم بإدخال ذوات السبب وارو عن الإمام ظنا تصب
وبهذا تعلم أن إطلاق الإحصار بصيغة الرباعي على ما كان من عدو صحيح في اللغة العربية بلا شك كما ترى ، وأنه نزل به القرآن العظيم الذي هو في أعلى درجات الفصاحة والإعجاز .
الأمر الثاني : ما ورد من الآثار في أن
المحصر بمرض ونحوه لا يتحلل إلا بالطواف والسعي ، فمن ذلك ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في " مسنده "
والبيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : لا حصر إلا حصر العدو .
[ ص: 78 ] قال
النووي في " شرح المهذب " : إسناده صحيح على شرط
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم ، وصححه أيضا
ابن حجر ، ومن ذلك ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه كان يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007094أليس حسبكم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت ، وبالصفا والمروة ، ثم يحل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا " ومن ذلك ما رواه
مالك في " الموطأ " ،
والبيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه قال : " المحصر بمرض لا يحل حتى يطوف بالبيت ، ويسعى بين
الصفا والمروة ، فإذا اضطر إلى لبس شيء من الثياب التي لا بد له منها أو الدواء صنع ذلك وافتدى " ومن ذلك ما رواه
مالك في " الموطأ "
والبيهقي أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب السختياني ، عن رجل من
أهل البصرة كان قديما أنه قال : خرجت إلى
مكة حتى إذا كنت ببعض الطريق كسرت فخذي ، فأرسلت إلى
مكة وبها
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر ، والناس فلم يرخص لي أحد أن أحل ، فأقمت على ذلك الماء سبعة أشهر حتى أحللت بعمرة . والرجل البصري المذكور الذي أبهمه
مالك قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : هو
nindex.php?page=showalam&ids=12134أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي شيخ
أيوب ، ومعلمه كما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد ، عن
أيوب ، عن
أبي قلابة ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير من طرق ، وسمى الرجل
nindex.php?page=showalam&ids=17366يزيد بن عبد الله بن الشخير .
ومن ذلك ما رواه
مالك في " الموطأ "
والبيهقي أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار : " أن
سعيد بن حزابة المخزومي صرع ببعض طريق
مكة وهو محرم ، فسأل على الماء الذي كان عليه عن العلماء ، فوجد
عبد الله بن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16414وعبد الله بن الزبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=17065ومروان بن الحكم ، فذكر لهم الذي عرض له فكلهم أمره أن يتداوى بما لا بد له منه ، ويفتدي فإذا صح اعتمر فحل من إحرامه ، ثم عليه حج قابل ، ويهدي ما استيسر من الهدي " .
قال
مالك : وعلى هذا الأمر عندنا
فيمن أحصر بغير عدو ، وقد أمر
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=50أبا أيوب الأنصاري وهبار بن الأسود حين فاتهما الحج وأتيا يوم النحر أن يحلا بعمرة ثم يرجعا حلالا ، ثم يحجان عاما قابلا ويهديان ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجع إلى أهله .
ومن ذلك ما رواه
مالك في " الموطأ "
والبيهقي أيضا عن
عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت تقول : " المحرم لا يحله إلا البيت " والظاهر أنها تعني غير المحصر بعدو ، كما جزم به
الزرقاني في " شرح الموطأ " هذا هو حاصل أدلة القول بأن المراد بالإحصار في الآية هو ما كان من خصوص العدو دون ما كان من مرض ونحوه .