قوله تعالى : وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه بعث
[ ص: 227 ] أصحاب الكهف من نومتهم الطويلة ليتساءلوا بينهم ، أي ليسأل بعضهم بعضا عن
مدة لبثهم في الكهف في تلك النومة ، وأن بعضهم قال إنهم لبثوا يوما أو بعض يوم ، وبعضهم رد علم ذلك إلى الله جل وعلا .
ولم يبين هنا قدر المدة التي تساءلوا عنها في نفس الأمر ، ولكنه بين في موضع آخر أنها ثلاثمائة سنة بحساب السنة الشمسية ، وثلاثمائة سنة وتسع سنين بحساب السنة القمرية ، وذلك في قوله تعالى :
ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا [ 18 \ 25 ] كما تقدم .
قوله تعالى :
فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه .
في قوله في هذه الآية " أزكى " قولان للعلماء .
أحدهما أن المراد بكونه " أزكى " أطيب لكونه حلالا ليس مما فيه حرام ولا شبهة .
والثاني أن المراد بكونه أزكى أنه أكثر ، كقولهم : زكا الزرع : إذا كثر ، وكقول الشاعر :
قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة وللسبع أزكى من ثلاث وأطيب
أي أكثر من ثلاثة .
والقول الأول هو الذي يدل له القرآن ; لأن
أكل الحلال والعمل الصالح أمر الله به المؤمنين كما أمر المرسلين ، قال :
ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا الآية [ 23 \ 51 ] ، وقال :
ياأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون [ 2 \ 172 ] ، ويكثر في القرآن إطلاق مادة الزكاة على الطهارة ; كقوله :
قد أفلح من تزكى الآية [ 17 \ 14 ] ، وقوله :
قد أفلح من زكاها الآية [ 91 \ 9 ] ، وقوله :
ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا [ 24 \ 21 ] ، وقوله :
فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما [ 18 \ 81 ] ، وقوله :
أقتلت نفسا زكية بغير نفس الآية [ 18 \ 74 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
فالزكاة في هذه الآيات ونحوها : يراد بها الطهارة من أدناس الذنوب والمعاصي ، فاللائق بحال هؤلاء الفتية الأخيار المتقين أن يكون مطلبهم في مأكلهم الحلبة والطهارة ، لا الكثرة . وقد قال بعض العلماء : إن عهدهم بالمدينة فيها مؤمنون يخفون إيمانهم ،
[ ص: 228 ] وكافرون ، وأنهم يريدون الشراء من طعام المؤمنين دون الكافرين ، وأن ذلك هو مرادهم بالزكاة في قوله :
أزكى طعاما ، وقيل : كان فيها أهل كتاب
ومجوس ، والعلم عند الله تعالى .
والورق في
قوله تعالى : فابعثوا أحدكم بورقكم [ 18 \ 19 ] الفضة ، وأخذ
علماء المالكية وغيرهم من هذه الآية الكريمة مسائل من مسائل الفقه :
المسألة الأولى :
جواز الوكالة وصحتها ; لأن قولهم :
فابعثوا أحدكم بورقكم الآية ، يدل على توكيلهم لهذا المبعوث لشراء الطعام . وقال بعض العلماء : لا تدل الآية على جواز التوكيل مطلقا بل مع التقية والخوف ، لأنهم لو خرجوا كلهم لشراء حاجتهم لعلم بهم أعداؤهم في ظنهم فهم معذورون ، فالآية تدل على توكيل المعذور دون غيره ، وإلى هذا ذهب
أبو حنيفة ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون من
أصحاب مالك في التوكيل على الخصام .
قال
ابن العربي : وكأن
سحنونا تلقاه من
nindex.php?page=showalam&ids=12311أسد بن الفرات ، فحكم به أيام قضائه ، ولعله كان يفعل ذلك لأهل الظلم والجبروت إنصافا منهم وإذلالا لهم ، وهو الحق ، فإن
الوكالة معونة ولا تكون لأهل الباطل . اهـ .
وقال
القرطبي : كلام
ابن العربي هذا حسن ، فأما أهل الدين والفضل فلهم أن يوكلوا وإن كانوا حاضرين أصحاء ، والدليل على صحة
جواز الوكالة للشاهد الصحيح ، ما أخرجه الصحيحان وغيرهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008088كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم سن من الإبل ، فجاء يتقاضاه ، فقال : " أعطوه " فطلبوا سنه فلم يجدوا إلا سنا فوقها ، فقال " أعطوه " فقال : أوفيتني أوفى الله لك ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن خيركم أحسنكم قضاء " لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
فدل هذا الحديث مع صحته على جواز توكيل الحاضر الصحيح البدن ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم : أمر أصحابه أن يعطوا عنه السن التي عليه وذلك توكيل منه لهم على ذلك ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم مريضا ولا مسافرا ، وهذا يرد قول
أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=15968وسحنون في قولهما : إنه لا يجوز توكيل الحاضر الصحيح إلا برضا خصمه " ، وهذا الحديث خلاف قولهما . اهـ كلام
القرطبي .
ولا يخفى ما فيه ; لأن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة وسحنونا إنما خالفا في
الوكالة على المخاصمة بغير إذن الخصم فقط ، ولم يخالفا في الوكالة في دفع الحق .
[ ص: 229 ] وبهذه المناسبة سنذكر إن شاء الله الأدلة من الكتاب والسنة على صحة الوكالة وجوازها ، وبعض المسائل المحتاج إليها من ذلك ، تنبيها بها على غيرها .
اعلم أولا أن الكتاب والسنة والإجماع كلها دل على جواز الوكالة وصحتها في الجملة ، فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى هنا :
فابعثوا أحدكم بورقكم هذه الآية ، وقوله تعالى :
والعاملين عليها الآية [ 9 \ 60 ] ، فإن عملهم عليها توكيل لهم على أخذها .
واستدل لذلك بعض العلماء أيضا بقوله :
اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي الآية [ 12 \ 93 ] ، فإنه توكيل لهم من
يوسف على إلقائهم قميصه على وجه أبيه ليرتد بصيرا .
واستدل بعضهم لذلك أيضا بقوله تعالى عن
يوسف :
قال اجعلني على خزائن الأرض الآية [ 12 \ 55 ] ، فإنه توكيل على ما في خزائن الأرض .
وأما السنة فقد
دلت أحاديث كثيرة على جواز الوكالة وصحتها ، من ذلك حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة المتقدم في كلام
القرطبي ، الدال على التوكيل في قضاء الدين ، وهو حديث متفق عليه ، وأخرج الجماعة إلا
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث
أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه .
ومنها حديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008089عروة بن أبي الجعد البارقي : أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا ليشتري به له شاة ، فاشترى له به شاتين : فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة ، فدعا له بالبركة في بيعه ، فكان لو اشترى التراب لربح فيه ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ، وفيه التوكيل على الشراء .
ومنها حديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008090 nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : أردت الخروج إلى خيبر ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إني أردت الخروج إلى خيبر . فقال : " إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا ، فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته " أخرجه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ، وفيه التصريح منه صلى الله عليه وسلم بأن له وكيلا .
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008091 " واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " ، وهو صريح في
التوكيل في إقامة الحدود .
ومنها حديث
علي رضي الله عنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008092 " أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها ، وألا أعطي الجازر منها شيئا ، وقال : نحن نعطيه من [ ص: 230 ] عندنا " متفق عليه . وفيه التوكيل على القيام على البدن والتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها ، وعدم إعطاء الجازر شيئا منها .
ومنها حديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008093 nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه غنما يقسمها على أصحابه فبقي عتود ، فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال " ضح أنت به " متفق عليه أيضا . وفيه الوكالة في تقسيم الضحايا ، والأحاديث بمثل ذلك كثيرة ، وقد أخرج الشيخان في صحيحيهما طرفا كافيا منها ، ذكرنا بعضه هنا .
وقد قال
ابن حجر في فتح الباري في كتاب الوكالة ما نصه : اشتمل كتاب الوكالة - يعني من صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - على ستة وعشرين حديثا ، المعلق منها ستة ، والبقية موصولة ، المكرر منها فيه وفيما مضى اثنا عشر حديثا ، والبقية خالصة ، وافقه
مسلم على تخريجها سوى حديث
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف في قتل
أمية بن خلف ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك في الشاة المذبوحة ، وحديث
وفد هوازن من طريقيه ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في حفظ زكاة رمضان ، وحديث
عقبة بن الحارث في قصة النعيمان ، وفيه من الآثار عن الصحابة وغيرهم ستة آثار ، والله أعلم . انتهى من فتح الباري . وكل تلك الأحاديث دالة على جواز الوكالة وصحتها .
وأما الإجماع فقد أجمع المسلمون على جواز الوكالة وصحتها في الجملة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في المغني : وأجمعت الأمة على جواز الوكالة في الجملة ، ولأن الحاجة داعية إلى ذلك ، فإنه لا يمكن كل أحد فعل ما يحتاج إليه ، فدعت الحاجة إليها ، انتهى منه . وهذا مما لا نزاع فيه .
فروع تتعلق بمسألة الوكالة
الفرع الأول :
لا يجوز التوكيل إلا في شيء تصح النيابة فيه ، فلا تصح في فعل محرم ; لأن التوكيل من التعاون ، والله يقول :
ولا تعاونوا على الإثم والعدوان الآية [ 5 \ 2 ] .
ولا تصح في عبادة محضة كالصلاة والصوم ونحوهما ; لأن ذلك مطلوب من كل أحد بعينه ، فلا ينوب فيه أحد من أحد ; لأن الله يقول :
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون الآية [ 51 \ 56 ] .
أما
الحج عن الميت والمعضوب ،
والصوم عن الميت فقد دلت أدلة أخر على
[ ص: 231 ] النيابة في ذلك ، وإن خالف كثير من العلماء في الصوم عن الميت ; لأن العبرة بالدليل الصحيح من الوحي لا بآراء العلماء ، إلا عند عدم النص من الوحي .
الفرع الثاني : ويجوز
التوكيل في المطالبة بالحقوق وإثباتها والمحاكمة فيها ، سواء كان الموكل حاضرا أو غائبا ، صحيحا أو مريضا . وهذا قول جمهور العلماء ، منهم
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى ،
وأبو يوسف ،
ومحمد ، وغيرهم . وقال
أبو حنيفة : للخصم أن يمتنع من محاكمة الوكيل إذا كان الموكل حاضرا غير معذور ; لأن حضوره مجلس الحكم ومخاصمته حق لخصمه عليه فلم يكن له نقله إلى غيره بغير رضا خصمه ، وقد قدمنا في كلام
القرطبي أن هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون أيضا من
أصحاب مالك ، واحتج الجمهور بظواهر النصوص ; لأن الخصومة أمر لا مانع من الاستنابة فيه .
قال مقيده عفا الله عنه : الذي يظهر لي والله تعالى أعلم في مسألة التوكيل على الخصام والمحاكمة : أن الصواب فيها التفصيل .
فإن كان الموكل ممن عرف بالظلم والجبروت والادعاء بالباطل فلا يقبل منه التوكيل لظاهر قوله تعالى :
ولا تكن للخائنين خصيما [ 4 \ 105 ] . وإن كان معروفا بغير ذلك فلا مانع من توكيله على الخصومة ، والعلم عند الله تعالى .
الفرع الثالث : ويجوز
التوكيل بجعل وبدون جعل ، والدليل على التوكيل بغير جعل أنه صلى الله عليه وسلم وكل
أنيسا في إقامة الحد على المرأة ،
وعروة البارقي في شراء الشاة من غير جعل . ومثال ذلك كثير في الأحاديث التي ذكرنا وغيرها .
والدليل على التوكيل بجعل قوله تعالى :
والعاملين عليها [ 9 \ 60 ] فإنه توكيل على جباية الزكاة وتفريقها بجعل منها كما ترى .
الفرع الرابع : إذا
عزل الموكل وكيله في غيبته وتصرف الوكيل بعد العزل وقبل العلم به ، أو مات موكله وتصرف بعد موته وقبل العلم به ، فهل يمضي تصرفه نظرا لاعتقاده ، أو لا يمضي نظرا للواقع في نفس الأمر ، في ذلك خلاف معروف بين أهل العلم مبني على قاعدة أصولية ، وهي :
هل يستقل الحكم بمطلق وروده وإن لم يبلغ المكلف ، أو لا يكون ذلك إلا بعد بلوغه للمكلف . ويبنى على الخلاف في هذه القاعدة الاختلاف في خمس وأربعين صلاة التي نسخت من الخمسين بعد فرضها ليلة الإسراء ، هل يسمى ذلك نسخا في حق الأمة
[ ص: 232 ] لوروده ، أو لا يسمى نسخا في حقهم ; لأنه وقع قبل بلوغ التكليف بالمنسوخ لهم ، وإلى هذه المسألة أشار في مراقي السعود بقوله :
هل يستقل الحكم بالورود أو ببلوغه إلى الموجود
فالعزل بالموت أو العزل عرض كذا قضاء جاهل للمفترض
ومسائل الوكالة معروفة مفصلة في كتب فروع المذاهب الأربعة ، ومقصودنا ذكر أدلة ثبوتها بالكتاب والسنة والإجماع ، وذكر أمثلة من فروعها تنبيها بها على غيرها ; لأنها باب كبير من أبواب الفقه .
المسألة الثانية : أخذ بعض علماء المالكية من هذه الآية الكريمة
جواز الشركة ; لأنهم كانوا مشتركين في الورق التي أرسلوها ليشتري لهم طعاما بها .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي المالكي : لا دليل في هذه الآية على الشركة ، لاحتمال أن يكون كل واحد منهم أرسل معه نصيبه منفردا ليشتري له به طعامه منفردا ، وهذا الذي ذكره
ابن العربي متجه كما ترى ، وقد دلت أدلة أخرى على جواز الشركة ، وسنذكر إن شاء الله بهذه المناسبة أدلة ذلك ، وبعض مسائله المحتاج إليها ، وأقوال العلماء في ذلك .
اعلم أولا : أن
الشركة جائزة في الجملة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين .
أما الكتاب فقد دلت على ذلك منه آيات في الجملة ، كقوله تعالى :
فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث [ 4 \ 12 ] ، وقوله تعالى :
وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض [ 38 \ 24 ] ، عند من يقول : إن الخلطاء : الشركاء ، وقوله تعالى :
واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه الآية [ 8 \ 41 ] ، وهي تدل على الاشتراك من جهتين .
وأما السنة فقد دلت على جواز الشركة أحاديث كثيرة سنذكر هنا إن شاء الله طرفا منها ، فمن ذلك ما أخرجه الشيخان عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007369 " من أعتق شركا له في عبد ، وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم ، وإلا فقد عتق عليه ما عتق " . وقد ثبت نحوه في الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه التصريح منه صلى الله عليه وسلم بالاشتراك في الرقيق ، وقد ترجم
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري رحمه الله في صحيحه لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة المذكورين بقوله : ( باب الشركة في الرقيق ) ، ومن ذلك ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري رحمهما الله
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008094عن أبي المنهال ، قال :
اشتريت أنا [ ص: 233 ] وشريك لي شيئا يدا بيد ونسيئة ، فجاءنا nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب فسألناه فقال : فعلت أنا وشريكي nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم وسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : " ما كان يدا بيد فخذوه ، وما كان نسيئة فذروه " . وفيه إقراره صلى الله عليه وسلم
البراء وزيدا المذكورين على ذلك الاشتراك ، وترجم
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري رحمه الله لهذا الحديث في كتاب الشركة بقوله : ( باب الاشتراك في الذهب والفضة وما يكون فيه الصرف ) ، ومن ذلك إعطاؤه صلى الله عليه وسلم
أرض خيبر لليهود ليعملوا فيها ويزرعوها ، على أن لهم شطر ما يخرج من ذلك ، وهو اشتراك في الغلة الخارجة منها ، وقد ترجم
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري رحمه الله لهذا الحديث في كتاب الشركة بقوله ( باب مشاركة الذميين والمشركين في المزارعة ) ومن ذلك ما أخرجه
أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري عن
جابر رضي الله عنه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008095أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة . وترجم
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لهذا الحديث في كتاب الشركة بقوله : ( باب الشركة في الأرضين وغيرها ) ثم ساق الحديث بسند آخر ، وترجم له أيضا بقوله ( باب إذا قسم الشركاء الدور وغيرها ، فليس لهم رجوع ولا شفعة ) ومن ذلك ما رواه
أبو داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008096إن الله يقول : " أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه ، فإذا خانه خرجت من بينهما " قال العلامة
الشوكاني رحمه الله تعالى في نيل الأوطار في هذا الحديث : صححه
الحاكم وأعله
nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان بالجهل بحال
سعيد بن حيان . وقد ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في الثقات ، وأعله أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان بالإرسال ، فلم يذكر فيه
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة وقال إنه الصواب . ولم يسنده غير
أبي همام محمد بن الزبرقان وسكت
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي على هذا الحديث ، وأخرج نحوه
أبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب عن
nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام . انتهى منه . ومن المعروف عن
أبي داود رحمه الله أنه لا يسكت عن الكلام في حديث إلا وهو يعتقد صلاحيته للاحتجاج . والسند الذي أخرجه به
أبو داود الظاهر منه أنه صالح للاحتجاج ، فإنه قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16860محمد بن سليمان المصيصي ، ثنا
محمد بن الزبرقان عن
أبي حيان التيمي ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رحمه الله - رفعه ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008097إن الله يقول : " أنا ثالث الشريكين " . إلى آخر الحديث .
فالطبقة الأولى من هذا الإسناد هي
محمد بن سليمان ، وهو أبو جعفر العلاف الكوفي ، ثم المصيصي لقبه " لوين " بالتصغير ، وهو ثقة .
والطبقة الثانية منه :
محمد بن الزبرقان أبو همام الأهوازي ، وهو من رجال
[ ص: 234 ] الصحيحين ، وقال في التقريب : صدوق ، ربما وهم .
والطبقة الثالثة منه هي
أبو حيان التيمي ، وهو يحيى بن سعيد بن حيان الكوفي ، وهو ثقة .
والطبقة الرابعة منه هي أبوه
سعيد بن حيان المذكور الذي قدمنا في كلام
الشوكاني : أن
nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان أعل هذا الحديث بأنه مجهول ، ورد ذلك بأن
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان قد ذكره في الثقات ، وقال
ابن حجر ( في التقريب ) : إنه وثقه
العجلي أيضا .
والطبقة الخامسة منه
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة ، رفعه .
فهذا إسناد صالح كما ترى ، وإعلال الحديث بأنه روي موقوفا من جهة أخرى ، يقال فيه : إن الرفع زيادة ، وزيادة العدول مقبولة كما تقرر في الأصول وعلوم الحديث ، ويؤيده كونه جاء من طريق أخرى عن
nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام كما ذكرناه في كلام
الشوكاني آنفا .
ومن ذلك حديث
السائب بن أبي السائب أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : كنت شريكي في الجاهلية فكنت خير شريك ، لا تداريني ولا تماريني ، أخرجه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، ولفظه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008098كنت شريكي ونعم الشريك ، كنت لا تداري ولا تماري ، وأخرجه أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي والحاكم وصححه ، وفيه إقرار النبي صلى الله عليه وسلم له على كونه كان شريكا له ، والأحاديث الدالة على الشركة كثيرة جدا .
وقد قال
ابن حجر في فتح الباري في آخر كتاب الشركة ما نصه : اشتمل كتاب الشركة ( يعني من صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ) من الأحاديث المرفوعة على سبعة وعشرين حديثا ، المعلق منها واحد ، والبقية موصولة ، المكرر منها فيه وفيما مضى ثلاثة عشر حديثا ، والخالص أربعة عشر ، وافقه
مسلم على تخريجها سوى حديث
النعمان :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008099 " مثل القائم على حدود الله " ، وحديثي
nindex.php?page=showalam&ids=16471عبد الله بن هشام ، وحديثي
عبد الله بن عمر ، وحديث
عبد الله بن الزبير في قصته ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس الأخير ، وفيه من الآثار أثر واحد ، والله أعلم . انتهى كلام
ابن حجر ، وبهذا تعلم كثرة الأحاديث الدالة على الشركة في الجملة .
وأما الإجماع فقد أجمع جميع علماء المسلمين على جواز أنواع من أنواع الشركات ، وإنما الخلاف بينهم في بعض أنواعها .
اعلم أولا أن
الشركة قسمان : شركة أملاك ، وشركة عقود .
فشركة الأملاك أن يملك عينا اثنان أو أكثر بإرث أو شراء أو هبة ونحو ذلك ، وهي المعروفة عند المالكية بالشركة الأعمية .
[ ص: 235 ] وشركة العقود تنقسم إلى شركة مفاوضة ، وشركة عنان ، وشركة وجوه ، وشركة أبدان ، وشركة مضاربة ، وقد تتداخل هذه الأنواع فيجتمع بعضها مع بعض .
أما شركة الأملاك فقد جاء القرآن الكريم بها في قوله تعالى :
فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث [ 4 \ 12 ] ، ولا خلاف فيها بين العلماء .
وأما أنواع شركة العقود فسنذكر إن شاء الله هنا معانيها وكلام العلماء فيها ، وأمثلة للجائز منها تنبيها بها على غيرها ، وما ورد من الأدلة في ذلك .
اعلم أن
شركة المفاوضة مشتقة من التفويض ; لأن كل واحد منهما يفوض أمر التصرف في مال الشركة إلى الآخر ، ومن هذا قوله تعالى عن
مؤمن آل فرعون :
وأفوض أمري إلى الله الآية [ 40 \ 44 ] .
وقيل : أصلها من المساواة ، لاستواء الشريكين فيها في التصرف والضمان ، وعلى هذا فهي من الفوضى بمعنى التساوي ، ومنه قول
الأفوه الأودي :
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا
إذا تولى سراة الناس أمرهم نما على ذاك أمر القوم وازدادوا
فقوله : " لا يصلح الناس فوضى " أي لا تصلح أمورهم في حال كونهم فوضى ، أي متساوين لا أشراف لهم يأمرونهم وينهونهم ، والقول الأول هو الصواب ، هذا هو أصلها في اللغة .
وأما
شركة العنان فقد اختلف في أصل اشتقاقها اللغوي ، فقيل : أصلها من عن الأمر يعن - بالكسر والضم - عنا وعنونا : إذا عرض ، ومنه قول
امرئ القيس :
فعن لنا سرب كأن نعاجه عذارى دوار في ملاء مذيل
قال
ابن منظور في اللسان : وشرك العنان وشركة العنان : شركة في شيء خاص دون سائر أموالهما ، كأنه عن لهما شيء فاشترياه واشتركا فيه ، واستشهد لذلك بقول
nindex.php?page=showalam&ids=8572النابغة الجعدي :
فشاركنا قريشا في تقاها وفي أحسابها شرك العنان
بما ولدت نساء بني هلال وما ولدت نساء بني أبان
وبهذا تعلم أن شركة العنان معروفة في كلام العرب ، وأن قول
ابن القاسم من
[ ص: 436 ] أصحاب مالك : إنه لا يعرف شركة العنان عن
مالك ، وأنه لم ير أحدا من
أهل الحجاز يعرفها ، وإنما يروى عن
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي من أنهما لم يطلقا هذا الاسم على هذه الشركة ، وأنهما قالا :
هي كلمة تطرق بها
أهل الكوفة ليمكنهم التمييز بين الشركة العامة والخاصة من غير أن يكون مستعملا في كلام العرب - كل ذلك فيه نظر لما عرفت أن كان ثابتا عنهم .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له :
اعلم أن مراد
النابغة في بيتيه المذكورين : بما ولدت
نساء بني هلال ابن عامر بن صعصعة ، وأن منهم
لبابة الكبرى ،
ولبابة الصغرى ، وهما أختان ، ابنتا
الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال ، وهما أختا
nindex.php?page=showalam&ids=156ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم .
أما
لبابة الكبرى فهي زوج
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وهي أم أبنائه :
عبد الله ،
وعبيد الله ،
والفضل وبه كانت تكنى ، وفيها يقول الراجز :
ما ولدت نجيبة من فحل كستة من بطن أم الفضل
وأما
لبابة الصغرى فهي
أم خالد بن الوليد رضي الله عنه ، وعمتهما
صفية بنت حزن هي أم أبي سفيان بن حرب ، وهذا مراده :
بما ولدت نساء بني هلال
وأما نساء
بني أبان فإنه يعني أن
أبا العاص ،
والعاص ،
وأبا العيص ،
والعيص أبناء
أمية بن عبد شمس ، أمهم
آمنة بنت أبان بن كليب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، فهذه الأرحام المختلطة بين
العامريين وبين
قريش هي مراد
النابغة بمشاركتهم لهم في الحسب والتقى شرك العنان .
وقيل : إن
شركة العنان أصلها من عنان الفرس ، كما يأتي إيضاحه إن شاء الله ، وهو المشهور عند العلماء .
وقيل هي من المعاناة بمعنى المعارضة ، يقال : عاننته : إذا عارضته بمثل ماله أو فعاله ، فكل واحد من الشريكين يعارض الآخر بماله وفعاله .
وهي بكسر العين على الصحيح خلافا لمن زعم فتحها ، ويروى عن
عياض وغيره ، وادعاء أن أصلها من عنان السماء بعيد جدا كما ترى .
[ ص: 337 ] وأما
شركة الوجوه فأصلها من الوجاهة ، لأن الوجيه تتبع ذمته بالدين ، وإذا باع شيئا باعه بأكثر مما يبيع به الخامل .
وأما
شركة الأبدان فأصلها اللغوي واضح ; لأنهما يشتركان بعمل أبدانهما ، ولذا تسمى شركة العمل ، إذ ليس الاشتراك فيها بالمال ، وإنما هو بعمل البدن .
وأما
شركة المضاربة وهي القراض فأصلها من الضرب في الأرض ; لأن التاجر يسافر في طلب الربح ، والسفر يكنى عنه بالضرب في الأرض ، كما في قوله تعالى :
وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله الآية [ 73 \ 20 ] ، وقوله :
وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة الآية [ 4 \ 101 ] .
فإذا عرفت معاني أنواع الشركة في اللغة ، فسنذكر لك إن شاء الله تعالى هنا معانيها المرادة بها في الاصطلاح عند الأئمة الأربعة وأصحابهم ، وأحكامها ; لأنهم مختلفون في المراد بها اصطلاحا ، وفي بعض أحكامها .
أما مذهب
مالك في أنواع الشركة وأحكامها فهذا تفصيله :
اعلم أن
شركة المفاوضة جائزة عند
مالك وأصحابه ، والمراد بشركة المفاوضة عندهم هو أن يطلق كل واحد منهما التصرف لصاحبه في المال الذي اشتركا فيه غيبة وحضورا ، وبيعا وشراء ، وضمانا وتوكيلا ، وكفالة وقراضا ، فما فعل أحدهما من ذلك لزم صاحبه إذا كان عائدا على شركتهما .
ولا يكونان شريكين إلا فيما يعقدان عليه الشركة من أموالهما ، دون ما ينفرد به كل واحد منهما من ماله ، وسواء اشتركا في كل ما يملكانه أو في بعض أموالهما ، وتكون يد كل منهما كيد صاحبه ، وتصرفه كتصرفه ما لم يتبرع بشيء ليس في مصلحة الشركة .
وسواء كانت المفاوضة بينهما في جميع أنواع المتاجر أو في نوع واحد منها ، كرقيق يتفاوضان في التجارة فيه فقط ، ولكل واحد منهما أن يبيع بالدين ويشتري فيه ويلزم ذلك صاحبه وهذا هو الصواب ، خلافا
لخليل في مختصره في الشراء بالدين .
وقد أشار
خليل في مختصره إلى جواز شركة المفاوضة في مذهب
مالك مع تعريفها ، وما يستلزمه عقدها من الأحكام بالنسبة إلى الشريكين بقوله : ثم إن أطلقا التصرف وإن بنوع فمفاوضة ، ولا يفسدها انفراد أحدهما بشيء وله أن يتبرع إن استألف به أوخف كإعارة آلة ودفع كسرة ويبضع ويقارد ويودع لعذر وإلا ضمن ، ويشارك في معين ويقبل ويولي ويقبل
[ ص: 338 ] المعيب وإن أبى الآخر ، ويقر بدين لمن لا يتهم عليه ، ويبيع بالدين لا الشراء به ، ككتابة وعتق على مال ، وإذن لعبد في تجارة ومفاوضة . وقد قدمنا أن الشراء بالدين كالبيع به ، فللشريك فعله بغير إذن شريكه على الصحيح من مذهب
مالك خلافا
لخليل . وأما الكتابة والعتق على المال وما عطف عليه فلا يجوز شيء منه إلا بإذن الشريك .
واعلم أن شركة المفاوضة هذه في مذهب
مالك لا تتضمن شيئا من أنواع الغرر التي حرمت من أجلها شركة المفاوضة عند الشافعية ومن وافقهم ; لأن ما استفاده أحد الشريكين المتفاوضين من طريق أخرى كالهبة والإرث ، واكتساب مباح كاصطياد واحتطاب ونحو ذلك لا يكون شيء منه لشريكه ، كما أن ما لزمه غرمه خارجا عن الشركة كأرش جناية ، وثمن مغصوب ونحو ذلك ، لا شيء منه على شريكه ، بل يقتصر كل ما بينهما على ما كان متعلقا بمال الشركة ، فكل منهما وكيل عن صاحبه ، وكفيل عليه في جميع ما يتعلق بمال الشركة ، وهكذا اقتضاه العقد الذي تعاقدا عليه ، فلا موجب للمنع ولا غرر في هذه الشركة عند المالكية ; لأنهم لا يجعلون المتفاوضين شريكين في كل ما اكتسبا جميعا حتى يحصل الغرر بذلك ، ولا متضامنين في كل ما جنيا حتى يحصل الغرر بذلك ، بل هو عقد على أن كل واحد منهما نائب عن الآخر في كل التصرفات في مال الشركة ، وضامن عليه في كل ما يتعلق بالشركة ، وهذا لا مانع منه كما ترى ، وبه تعلم أن اختلاف المالكية والشافعية في شركة المفاوضة خلاف في حال ، لا في حقيقة .
وأما
شركة العنان فهي جائزة عند الأئمة الأربعة ، مع اختلافهم في تفسيرها ، وفي معناها في مذهب
مالك قولان ، وهي جائزة على كلا القولين : الأول وهو المشهور أنها هي الشركة التي يشترط كل واحد من الشريكين فيها على صاحبه ألا يتصرف في مال الشركة إلا بحضرته وموافقته ، وعلى هذا درج
خليل في مختصره بقوله : وإن اشترطا نفي الاستبداد فعنان ، وهي على هذا القول من عنان الفرس ; لأن عنان كل واحد من الشريكين بيد الآخر فلا يستطيع الاستقلال دونه بعمل ، كالفرس التي يأخذ راكبها بعنانها فإنها لا تستطيع الذهاب إلى جهة بغير رضاه .
والقول الثاني عند المالكية : أن شركة العنان هي الاشتراك في شيء خاص ، وبهذا جزم
ابن رشد ونقله عند
المواق في شرح قول
خليل : وإن اشترطا نفي الاستبداد إلخ ، وهذا المعنى الأخير أقرب للمعروف في اللغة كما قدمنا عن
ابن منظور في اللسان .
وأما
شركة الوجوه فلها عند العلماء معان :
[ ص: 239 ] الأول منها هو أن يشترك الوجيهان عند الناس بلا مال ولا صنعة ، بل ليشتري كل واحد منهما بمؤجل في ذمته لهما معا ، فإذا باعا كان الربح الفاضل عن الأثمان بينهما .
وهذا النوع من شركة الوجوه هو المعروف عند المالكية بشركة الذمم ، وهو فاسد عند المالكية والشافعية ، خلافا للحنفية
والحنابلة ، ووجه فساده ظاهر ، لما فيه من الغرر ، لاحتمال أن يخسر هذا ويربح هذا كالعكس ، وإلى فساد هذا النوع من الشركة أشار
ابن عاصم المالكي في تحفته بقوله :
وفسخها إن وقعت على الذمم ويقسمان الربح حكم ملتزم
المعنى الثاني من معانيها أن يبيع وجيه مال خامل بزيادة ربح ، على أن يكون له بعض الربح الذي حصل في المبيع بسبب وجاهته ; لأن الخامل لو كان هو البائع لما حصل ذلك الربح ، وهذا النوع أيضا فاسد ; لأنه عوض جاه ، كما قاله غير واحد من أهل العلم .
والمعنى الثالث أن يتفق وجيه وخامل على أن يشتري الوجيه في الذمة ويبيع الخامل ويكون الربح بينهما ، وهذا النوع أيضا فاسد عند المالكية والشافعية ، لما ذكرنا من الغرر سابقا .
وأما
شركة الأبدان عند المالكية فهي جائزة بشروط ، وهي أن يكون عمل الشريكين متحدا كخياطين ، أو متلازما كأن يغزل أحدهما وينسج الآخر ; لأن النسج لا بد له من الغزل ، وأن يتساويا في العمل جودة ورداءة وبطأ وسرعة ، أو يتقاربا في ذلك ، وأن يحصل التعاون بينهما ، وإلى جواز هذا النوع من الشركة بشروطه أشار
خليل في مختصره بقوله :
وجازت بالعمل إن اتحد أو تلازم وتساويا فيه ، أو تقاربا وحصل التعاون ، وإن بمكانين ، وفي جواز إخراج كل آلة واستئجاره من الآخر ، أو لا بد من ملك أو كراء - تأويلان ، كطبيبين اشتركا في الدواء ، وصائدين في البازين ، [ وهل وإن افترقا رويت عليهما وحافرين بكركاز ومعدن ، ولم يستحق وارثه بقيته وأقطعه الإمام ، وقيد بما لم يبد ، ولزمه ما يقبله صاحبه وإن تفاصلا وألغي مرض كيومين إلخ ] وبهذا تعلم أن شركة الأبدان جائزة عند المالكية في جميع أنواع العمل : من صناعات بأنواعها ، وطب واكتساب مباح ، كالاصطياد والاحتشاش والاحتطاب ، وغير ذلك بالشروط المذكورة ، وقال
ابن عاصم في تحفته :
شركة بمال أو بعمل أو بهما تجوز لا لأجل
[ ص: 240 ] وبقي نوع معروف عند المالكية من أنواع الشركة يسمى في الاصطلاح بـ "
شركة الجبر " وكثير من العلماء يخالفهم في هذا النوع الذي هو " شركة الجبر " .
وشركة الجبر : هي أن يشتري شخص سلعة بسوقها المعهود لها ، ليتجر بها بحضرة بعض تجار جنس تلك السلعة الذين يتجرون فيها ، ولم يتكلم أولئك التجار الحاضرون ، فإن لهم إن أرادوا الاشتراك في تلك السلعة مع ذلك المشتري أن يجبروه على ذلك ، ويكونون شركاءه في تلك السلعة شاء أو أبى .
وشركتهم هذه معه جبرا عليه هي " شركة الجبر " المذكورة ، فإن كان اشتراها ليقتنيها لا ليتجر بها ، أو اشتراها ليسافر بها إلى محل آخر ولو للتجارة بها فيه - فلا جبر لهم عليه ، وأشار
خليل في مختصره إلى " شركة الجبر " بقوله : وأجبر عليها إن اشترى شيئا بسوقه لا لكفر أو قنية ، وغيره حاضر لم يتكلم من تجاره ، وهل في الزقاق لا كبيته قولان ، وأما شركة المضاربة فهي القراض ، وهو أن يدفع شخص إلى آخر مالا ليتجر به على جزء من ربحه يتفقان عليه ، وهذا النوع جائز بالإجماع إذا استوفى الشروط كما سيأتي إن شاء الله دليله .
وأما
أنواع الشركة في مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله فهي أربعة : ثلاثة منها باطلة في مذهبه ، والرابع صحيح .
وأما الثلاثة الباطلة فالأول منها " شركة الأبدان " كشركة الحمالين ، وسائر المحترفين : كالخياطين ، والنجارين ، والدلالين ، ونحو ذلك ، ليكون بينهما كسبهما متساويا أو متفاوتا مع اتفاق الصنعة أو اختلافها .
فاتفاق الصنعة كشركة خياطين ، واختلافها كشركة خياط ونجار ونحو ذلك ، كل ذلك باطل في مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، ولا تصح عنده الشركة إلا بالمال فقط لا بالعمل .
ووجه
بطلان شركة الأبدان عند الشافعية هو أنها شركة لا مال فيها ، وأن فيها غررا ; لأن كل واحد منهما لا يدري أيكتسب صاحبه شيئا أم لا ، ولأن كل واحد منهما متميز ببدنه ومنافعه فيختص بفوائده ، كما لو اشتركا في ماشيتهما وهي متميزة على أن يكون النسل والدر بينهما ، وقياما على الاحتطاب والاصطياد ، هكذا توجيه الشافعية للمنع في هذا النوع من الشركة .
وقد علمت فيما مر شروط جواز هذا النوع عند المالكية ، إذ بتوفر الشروط المذكورة
[ ص: 241 ] ينتفي الغرر .
والثاني
من الأنواع الباطلة عند الشافعية هو شركة المفاوضة ، وهي عندهم أن يشتركا على أن يكون بينهما جميع كسبهما بأموالهما وأبدانهما ، وعليهما جميع ما يعرض لكل واحد منهما من غرم ، سواء كان بغصب أو إتلاف أو بيع فاسد أو غير ذلك ، ولا شك أن هذا النوع مشتمل على أنواع من الغرر فبطلانه واضح ، وهو ممنوع عند المالكية ، ولا يجيزون هذا ولا يعنونه بـ " شركة المفاوضة " كما قدمنا .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله في هذا النوع : إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة ، فلا باطل أعرفه في الدنيا . يشير إلى كثرة الغرر والجهالات فيها ، لاحتمال أن يكسب كل واحد منهما كسبا دون الآخر ، وأن تلزم كل واحد منهما غرامات دون الآخر ، فالغرر ظاهر في هذا النوع جدا .
والثالث
من الأنواع الباطلة عند الشافعية : هو " شركة الوجوه " وهي عندهم أن يشتري الوجيهان ليبتاع كل واحد منهما بمؤجل في ذمته لهما معا ، فإذا باعا كان الفاضل من الأثمان بينهما ، وهذا النوع هو المعروف عند المالكية بـ " شركة الذمم " ، ووجه فساده ظاهر ، لما فيه من الغرر ; لأن كلا منهما يشتري في ذمته ويجعل كل منهما للآخر نصيبا من ربح ما اشترى في ذمته ، مقابل نصيب من ربح ما اشترى الآخر في ذمته ، والغرر في مثل هذا ظاهر جدا ، وبقية أنواع " شركة الوجوه " ذكرناه في الكلام عليها في مذهب
مالك ، وكلها ممنوعة في مذهب مالك ومذهب الشافعي ، ولذا اكتفينا بما قدمنا عن الكلام على بقية أنواعها في مذهب الشافعي .
أما النوع الرابع من أنواع الشركة الذي هو صحيح عند الشافعية فهو " شركة العنان " وهي : أن يشتركا في مال لهما ليتجرا فيه ، ويشترط فيها عندهم صيغة تدل على الإذن في التصرف في مال الشركة ، فلو اقتصرا على لفظ " اشتركنا " لم يكف على الأصح عندهم .
ويشترط في الشريكين أهلية التوكيل والتوكل ، وهذا الشرط مجمع عليه ، وتصح " شركة العنان " عند الشافعية في المثليات مطلقا دون المقومات وقيل : تختص بالنقد المضروب .
ويشترط عندهم فيها خلط المالين ، بحيث لا يتميز أحدهما من الآخر ، والحيلة عندهم في الشركة في العروض هي أن يبيع كل واحد بعض عرضه ببعض عرض الآخر
[ ص: 241 ] ويأذن له في التصرف ، ولا يشترط عندهم تساوي المالين ، والربح والخسران على قدر المالين ، سواء تساويا في العمل أو تفاوتا ، وإن شرطا خلاف ذلك فسد العقد ، ويرجع كل واحد منهما على الآخر بأجرة عمله في ماله .
عقد الشركة المذكورة يسلط كل واحد منهما على التصرف في مال الشركة بلا ضرر ، فلا يبيع بنسيئة ، ولا بغبن فاحش ، ولا يبضعه بغير إذن شريكه ، ولكل منهما فسخها متى شاء .
وأما تفصيل
أنواع الشركة في مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله فهو أن الشركة تنقسم إلى ضربين :
شركة ملك ، وشركة عقد .
فشركة الملك واضحة ، كأن يملكا شيئا بإرث أو هبة ونحو ذلك كما تقدم ، وشركة العقد عندهم تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
شركة بالمال ، وشركة بالأعمال ، وشركة بالوجوه ، وكل قسم من هذه الأقسام الثلاثة عندهم ينقسم قسمين : مفاوضة ، وعنان ، فالمجموع ستة أقسام .
أما
شركة المفاوضة عندهم فهي جائزة إن توفرت شروطها ، وهي عندهم الشركة التي تتضمن وكالة كل من الشريكين للآخر ، وكفالة كل منهما الآخر ، ولابد فيها من
مساواة الشريكين في المال والدين والتصرف .
فبتضمنها الوكالة يصح تصرف كل منهما في نصيب الآخر .
وبتضمنها الكفالة يطلب كل منهما بما لزم الآخر .
وبمساواتهما في المال يمتنع أن يستبد أحدهما بشيء تصح الشركة فيه دون الآخر ، ولذا لو ورث بعد العقد شيئا تصح الشركة فيه كالنقد بطلت المفاوضة ، ورجعت الشركة شركة عنان .
وبتضمنها المساواة في الدين تمتنع بين مسلم وكافر .
وبتضمنها المساواة في التصرف تمتنع بين بالغ وصبي ، وبين حر وعبد ، وكل ما اشتراه واحد من شريكي المفاوضة فهو بينهما ، إلا طعام أهله وكسوتهم ، وكل دين لزم أحدهما بتجارة وغصب وكفالة لزم الآخر .
[ ص: 243 ] ولا تصح عندهم شركة مفاوضة أو عنان بغير النقدين والتبر والفلوس النافقة ، والحيلة في الشركة في العروض عندهم هي ما قدمناه عن الشافعية ، فهم متفقون في ذلك .
وأما
شركة العنان فهي جائزة عند الحنفية ، وقد قدمنا الإجماع على جوازها على كل المعاني التي تراد بها عند العلماء .
وشركة العنان عند الحنفية هي الشركة التي تتضمن الوكالة وحدها ، ولم تتضمن الكفالة ، وهي : أن يشتركا في نوع بز أو طعام أو في عموم التجارة . ولم يذكر الكفالة .
ويعلم من هذا أن كل ما اشتراه أحدهما كان بينهما ، ولا يلزم أحدهما ما لزم الآخر من الغرامات ، وتصح عندهم شركة العنان المذكورة مع التساوي في المال دون الربح وعكسه ، إذا كانت زيادة الربح لأكثرهما عملا ; لأن زيادة الربح في مقابلة زيادة العمل وفاقا للحنابلة ، وعند غيرهم لا بد أن يكون الربح بحسب المال ، ولو اشترى أحد الشريكين " شركة العنان " بثمن فليس لمن باعه مطالبة شريكه الآخر ; لأنها لا تتضمن الكفالة بل يطالب الشريك الذي اشترى منه فقط ، ولكن الشريك يرجع على شريكه بحصته ، ولا يشترط في هذه الشركة عندهم خلط المالين ، فلو اشترى أحدهما بماله وهلك مال الآخر كان المشترى بينهما ، ويرجع على شريكه بحصته منه .
وتبطل هذه الشركة عندهم بهلاك المالين أو أحدهما قبل الشراء ، وتفسد عندهم باشتراط دراهم مسماة من الربح لأحدهما ، ويجوز عندهم لكل من شريكي المفاوضة والعنان أن يبضع ويستأجر ، ويودع ويضارب ويوكل ، ويد كل منهما في مال الشركة يد أمانة ، كالوديعة والعارية .
وأما
شركة الأعمال ففيها تفصيل عند
الحنفية ، فإن كان العمل من الصناعات ونحوها جازت عندهم شركة الأعمال ، ولا يشترطون اتحاد العمل أو تلازمه خلافا للمالكية كما تقدم فيجوز عند
الحنفية : أن يشترك خياطان مثلا ، أو خياط وصباغ على أن يتقبلا الأعمال ، ويكون الكسب بينهما ، وكل عمل يتقبله أحدهما يلزمهما . وإذا عمل أحدهما دون الآخر فما حصل من عمله فهو بينهما ، وإنما استحق فيه الذي لم يعمل لأنه ضمنه بتقبل صاحبه له ، فاستحق نصيبه منه بالضمان .
وهذا النوع الذي أجازه
الحنفية لا يخفى أنه لا يخلو من غرر في الجملة عند اختلاف صنعة الشريكين ، لاحتمال أن يحصل أحدهما أكثر مما حصله الآخر ، فالشروط التي أجاز بها المالكية " شركة الأعمال " أحوط وأبعد من الغرر كما ترى .
[ ص: 244 ] وأما
إن كانت الأعمال من جنس اكتساب المباحات فلا تصح فيها الشركة عند الحنفية ، كالاحتطاب والاحتشاش ، والاصطياد واجتناء الثمار من الجبال والبراري ، خلافا للمالكية
والحنابلة .
ووجه منعه عند
الحنفية أن من اكتسب مباحا كحطب أو حشيش أو صيد ملكه ملكا مستقلا ، فلا وجه لكون جزء منه لشريك آخر ; لأنه لا يصح التوكيل فيه ، ومن أجازه قال : إن كل واحد منهما جعل للآخر نصيبا من ذلك المباح الذي يكتسبه في مقابل النصيب الذي يكتسبه الآخر ، والمالكية القائلون بجواز هذا يشترطون اتحاد العمل أو تقاربه ، فلا غرر في ذلك ، ولا موجب للمنع ، وفي اشتراط ذلك عند
الحنابلة خلاف كما سيأتي إن شاء الله .
وأما " شركة الوجوه " التي قدمنا أنها هي المعروفة عند المالكية " بشركة الذمم " وقدمنا منعها عند المالكية والشافعية فهي جائزة عند
الحنفية ، سواء كانت مفاوضة أو عنانا ، وقد علمت مما تقدم أن المفاوضة عندهم تتضمن الوكالة والكفالة .
وأن العنان تتضمن الوكالة فقط ، وإن اشترط الشريكان في " شركة الوجوه " مناصفة المشتري أو مثالثته فالربح كذلك عندهم وبطل عندهم شرط الفضل ; لأن الربح عندهم لا يستحق إلا بالعمل ، كالمضارب ، أو بالمال كرب المال ، أو بالضمان كالأستاذ الذي يتقبل العمل من الناس ويلقيه على التلميذ بأقل مما أخذ ، فيطيب له الفضل بالضمان ، هكذا يقولونه ، ولا يخفى ما في " شركة الوجوه " من الغرر .
واعلم أن
الربح في الشركة الفاسدة على حسب المال إن كانت شركة مال ، وعلى حسب العمل إن كانت شركة عمل ، وهذا واضح ، وتبطل الشركة بموت أحدهما .
وأما تفصيل أنواع الشركة في مذهب الإمام
أحمد رحمه الله فهي أيضا قسمان : شركة أملاك ، وشركة عقود .
وشركة العقود عند الحنابلة خمسة أنواع : شركة العنان ، والأبدان ، والوجوه ، والمضاربة ، والمفاوضة .
أما شركة الأبدان فهي جائزة عندهم ، سواء كان العمل من الصناعات أو اكتساب المباحات ، أما مع اتحاد العمل فهي جائزة عندهم بلا خلاف ، وأما مع اختلاف العمل فقال
أبو الخطاب : لا تجوز وفاقا للمالكية ، وقال القاضي : تجوز وفاقا للحنفية
[ ص: 245 ] في الصناعات دون اكتساب المباحات .
وإن اشتركا على أن يتقبل أحدهما للعمل ويعمله الثاني والأجرة بينهما صحت الشركة عند
الحنابلة والحنفية خلافا
لزفر ، والربح في شركة الأبدان على ما اتفقوا عليه عند
الحنابلة .
وأما شركة الوجوه التي قدمنا أنها هي المعروفة بشركة الذمم عند المالكية فهي جائزة أيضا في مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وفاقا
لأبي حنيفة ، وخلافا
لمالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وأما
شركة العنان فهي جائزة أيضا عند الإمام أحمد ، وقد قدمنا الإجماع على جوازها ، وهي عندهم : أن يشترك رجلان بماليهما على أن يعملا فيهما بأبدانهما والربح بينهما ، وهذه الشركة إنما تجوز عندهم بالدنانير والدراهم ، ولا تجوز بالعروض .
وأما شركة المفاوضة فهي عند
الحنابلة قسمان : أحدهما جائز ، والآخر ممنوع .
وأما الجائز منهما فهو أن يشتركا في جميع أنواع الشركة ، كأن يجمعا بين شركة العنان والوجوه والأبدان فيصح ذلك ; لأن كل نوع منها يصح على انفراده فصح مع غيره .
وأما النوع الممنوع عندهم منها فهو أن يدخلا بينهما في الشركة الاشتراك فيما يحصل لكل واحد منهما من ميراث أو يجده من ركاز أو لقطة ، ويلزم كل واحد منهما ما لزم الآخر من أرش جناية وضمان غصب ، وقيمة متلف ، وغرامة ضمان ، وكفالة ، وفساد هذا النوع ظاهر لما فيه من الغرر كما ترى .
وأما
شركة المضاربة وهي القراض فهي جائزة عند الجميع وقد قدمنا أنها هي : أن يدفع شخص لآخر مالا يتجر فيه على أن يكون الربح بينهما بنسبة يتفقان عليها ، وكون الربح في المضاربة بحسب ما اتفقا عليه لا خلاف فيه بين العلماء ، سواء كان النصف أو أقل أو أكثر لرب المال أو للعامل .
وأما شركة العنان عند الشافعية
والحنابلة والحنفية والمالكية ، وشركة المفاوضة عند المالكية فاختلف في نسبة الربح ، فذهب
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي إلى أنه لا بد من كون الربح والخسران بحسب المالين ، وذهب
أبو حنيفة وأحمد إلى أن الربح بينهما على ما اتفقا عليه ، فلهما أن يتساويا في الربح مع تفاضل المالين .
وحجة القول الأول أن الربح تبع للمال ، فيلزم أن يكون بحسبه ، وحجة القول الأخير أن العمل مما يستحق به الربح ، وقد يكون أحدهما أبصر بالتجارة وأقوى على
[ ص: 346 ] العمل من الآخر ، فتزاد حصته لزيادة عمله .
هذا خلاصة مذاهب الأئمة الأربعة في أنواع الشركة ، وقد علمت أنهم أجمعوا على جواز شركة العنان ، وشركة المضاربة ، وشركة الأملاك ، واختلفوا فيما سوى ذلك ، فأجاز
الحنفية والحنابلة شركة الوجوه ، ومنعها المالكية والشافعية .
وأجاز المالكية
والحنفية والحنابلة شركة الأبدان إلا في اكتساب المباحات فقط فلم يجزه
الحنفية ، ومنع الشافعية شركة الأبدان مطلقا .
وأجاز المالكية شركة المفاوضة ، وصوروها بغير ما صورها به المالكية ، وأجاز
الحنابلة نوعا من أنواع المفاوضة وصوروه بصورة مخالفة لتصوير غيرهم لها ، ومنع الشافعية المفاوضة كما منعوا شركة الأبدان والوجوه ، وصوروا المفاوضة بصورة أخرى كما تقدم .
والشافعية إنما يجيزون الشركة بالمثلي مطلقا نقدا أو غيره ، لا بالمقومات .
والحنفية لا يجيزونها إلا بالنقدين والتبر والفلوس النافقة ،
والحنابلة لا يجيزونها إلا بالدنانير والدراهم كما تقدم جميع ذلك .
وقد بينا كيفية الحيلة في الاشتراك بالعروض عند الشافعية
والحنفية ، وعند المالكية تجوز بدنانير من كل واحد منهما ، وبدراهم من كل واحد منهما ، وبدنانير ودراهم من كل واحد منهما ، وبنقد من أحدهما وعرض من الآخر ، وبعرض من كل واحد منهما سواء اتفقا أو اختلفا ، وقيل : إن اتفقا ، لا إن اختلفا ، إلا أن العروض تقوم ، وأما خلط المالين فلا بد منه عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله حتى لا يتميز أحدهما عن الآخر كما تقدم ، ويكفي في مذهب
مالك أن يكون المالان في حوز واحد ، ولو كان كل واحد من المالين في صرته لم يختلط بالآخر ، ولا يشترط خلط المالين عند
الحنفية كما تقدم ، وكذلك لا يشترط خلط المالين عند
الحنابلة .
فتحصل أنه لم يشترط خلط المالين إلا الشافعية ، وأن المالكية إنما يشترطون كون المالين في محل واحد ، كحانوت أو صندوق ، وإن كان كل واحد منهما متميزا عن الآخر .
فإذا عرفت ملخص كلام العلماء في أنواع الشركة ، فسنذكر ما تيسر من أدلتها ، أما النوع الذي تسميه المالكية " مفاوضة " ويعبر عنه الشافعية
والحنابلة بشركة العنان ، فقد
[ ص: 247 ] يستدل له بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب الذي قدمناه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=12251والإمام أحمد ، فإنه يدل على الاشتراك في التجارة والبيع والشراء لأن المقصود بالاشتراك التعاون على العمل المذكور فينوب كل واحد من الشريكين عن الآخر ، ويدل لذلك أيضا حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة يرفعه ، قال : إن الله يقول " أنا ثالث الشريكين . . . " الحديث المتقدم ، وقد بينا كلام العلماء فيه ، وبينا أنه صالح للاحتجاج ، وهو ظاهر في أنهما يعملان معا في مال الشركة بدليل قوله : " ما لم يخن أحدهما صاحبه . . . " الحديث .
ويدل لذلك أيضا حديث
السائب بن أبي السائب المتقدم في أنه كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم ، وهو اشتراك في التجارة والبيع والشراء .
وأما شركة الأبدان فيحتج لها بما رواه
أبو عبيدة عن أبيه
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : اشتركت أنا
وعمار وسعد فيما نصيب يوم
بدر . قال : فجاء
سعد بأسيرين ولم أجئ أنا
وعمار بشيء . رواه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، وقال
المجد في " منتقى الأخبار " بعد أن ساقه : وهو حجة في شركة الأبدان وتملك المباحات ، وأعل هذا الحديث بأن
أبا عبيدة لم يسمع من أبيه
عبد الله المذكور فالحديث مرسل ، وقد قدمنا مرارا أن
الأئمة الثلاثة يحتجون بالمرسل خلافا للمحدثين .
وأما المضاربة فلم يثبت فيها حديث صحيح مرفوع ، ولكن الصحابة أجمعوا عليها لشيوعها وانتشارها فيهم من غير نكير ، وقد مضى على ذلك عمل المسلمين من لدن الصحابة إلى الآن من غير نكير ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في مراتب الإجماع : كل أبواب الفقه لها أصل من الكتاب والسنة ، حاشا القراض فما وجدنا له أصلا فيهما البتة ، ولكنه إجماع صحيح مجرد ، والذي يقطع به أنه كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فعلم به وأقره ، ولولا ذلك لما جاز . اهـ منه بواسطة نقل
الشوكاني في نيل الأوطار .
واعلم أن اختلاف الأئمة الذي قدمنا في أنواع الشركة المذكورة راجع إلى الاختلاف في تحقيق المناط ، فبعضهم يقول : هذه الصورة يوجد فيها الغرر وهو مناط المنع فهي ممنوعة ، فيقول الآخر : لا غرر في هذه الصورة يوجب المنع فمناط المنع ليس موجودا فيها ، والعلم عند الله تعالى .
المسألة الثالثة : أخذ بعض علماء المالكية وغيرهم من هذه الآية الكريمة التي نحن بصددها أيضا : جواز
خلط الرفقاء طعامهم وأكل بعضهم مع بعض وإن كان بعضهم أكثر أكلا من الآخر ; لأن
أصحاب الكهف بعثوا ورقهم ليشترى لهم بها طعام يأكلونه جميعا ،
[ ص: 248 ] وقد قدمنا في كلام
ابن العربي أنه تحتمل انفراد ورق كل واحد منهم وطعامه ; فلا تدل الآية على خلطهم طعامهم ، كما قدمنا عنه أنها لا تدل على الاشتراك للاحتمال المذكور ، وله وجه كما ترى .
وقال
ابن العربي : ولا معول في هذه المسألة إلا على حديثين ، أحدهما :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008100أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مر بقوم يأكلون تمرا فقال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاقتران إلا أن يستأذن الرجل أخاه ، والثاني : حديث
أبي عبيدة في جيش الخبط ، وهذا دون الأول في الظهور ; لأنه يحتمل أن يكون
أبو عبيدة يعطيهم كفافا من ذلك القوت ولا يجمعهم . اهـ كلام
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي المالكي رحمه الله تعالى .
قال مقيده عفا الله عنه : هذا النوع من الاشتراك وهو خلط الرفقة طعامهم واشتراكهم في الأكل فيه هو المعروف بـ " النهد " بكسر النون وفتحها ، ولجوازه أدلة من الكتاب والسنة ، أما دليل ذلك من الكتاب فقوله تعالى :
وإن تخالطوهم فإخوانكم [ 2 \ 220 ] ، فإنها تدل على خلط طعام اليتيم مع طعام وصيه وأكلهما جميعا ، وقوله تعالى
ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا [ 24 \ 61 ] ، ومن صور أكلهم جميعا أن يكون الطعام بينهم فيأكلون جميعا ، وأما السنة فقد دلت على ذلك أحاديث صحيحة ، منها حديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008101 " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا إلى الساحل ، فأمر عليهم nindex.php?page=showalam&ids=5أبا عبيدة بن الجراح ، وهم ثلاثمائة نفر ، وأنا فيهم ، فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد ، فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش ، فجمع ذلك كله ، فكان مزودي تمر فكان يقوتنا كل يوم قليلا حتى فني ، فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة ، فقلت : وما تغني تمرة ؟ فقال : لقد وجدنا فقدها حين فنيت ، ثم انتهينا إلى البحر فإذا حوت . . " الحديث ، وهذا الحديث ثابت في الصحيح ، واللفظ الذي سقناه به لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتاب " الشركة " وفيه جمع
أبي عبيدة بقية أزواد القوم وخلطها في مزودي تمر ، ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم بعد قدومهم إليه .
ومنها حديث
nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008102خفت أزواد القوم وأملقوا ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم في نحر إبلهم ، فأذن لهم فلقيهم عمر فأخبروه ، فقال : ما بقاؤكم بعد إبلكم ، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ما بقاؤهم بعد إبلهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ناد في الناس فيأتون بفضل أزوادهم " فبسط لذلك نطع وجعلوه على النطع ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا وبرك عليه ، ثم دعاهم بأوعيتهم فاحتثى الناس حتى فرغوا ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 249 ] " أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله " هذا الحديث ثابت في الصحيح ، واللفظ الذي سقناه به
nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري أيضا في كتاب " الشركة " وفيه : خلط طعامهم بعضه مع بعض .
ومنها حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008103نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرن الرجل بين التمرتين جميعا حتى يستأذن أصحابه ، في رواية في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008104نهى عن الإقران إلا أن يستأذن الرجل منكم أخاه .
كل هذا ثابت في الصحيح واللفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري رحمه الله في كتاب " الشركة " ، وإذن صاحبه له يدل على اشتراكهما في التمر كما ترى ، وهذا الذي ذكرنا جوازه من خلط الرفقاء طعامهم وأكلهم منه جميعا هو مراد
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري رحمه الله بلفظ النهد في قوله في كتاب الشركة : الشركة في الطعام والنهد . إلى قوله : لم ير المسلمون في النهد بأسا أن يأكل هذا بعضا وهذا بعضا وهذا بعضا إلخ .
فروع تتعلق بمسألة الشركة
الأول : إن دفع شخص دابته لآخر ليعمل عليها وما يرزق الله بينهما نصفين أو أثلاثا أو كيفما شرطا - ففي صحة ذلك خلاف بين العلماء ، فقال بعضهم : يصح ذلك ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، ونقل نحوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، وقال بعضهم : لا يصح ذلك ، وما حصل فهو للعامل وعليه أجرة مثل الدابة ، وهذا هو مذهب
مالك : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " وكره ذلك
الحسن والنخعي ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ،
وابن المنذر ، وأصحاب الرأي : لا يصح ، والربح كله لرب الدابة ، وللعامل أجرة مثله ، هذا حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة .
وأقوى الأقوال دليلا عندي فيها مذهب من أجاز ذلك ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251كالإمام أحمد ، بدليل حديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008105 nindex.php?page=showalam&ids=15904رويفع بن ثابت ، قال : إن كان أحدنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذ نضو أخيه على أن له النصف مما يغنم ولنا النصف ، وإن كان أحدنا ليطير له النصل والريش وللآخر القدح ، هذا الحديث أخرجه
أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، قال
الشوكاني في " نيل الأوطار " : إسناد
أبي داود فيه
شيبان بن أمية القتباني وهو مجهول ، وبقية رجاله ثقات ، وقد أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من غير طريق هذا المجهول بإسناد رجاله كلهم ثقات ، والحديث دليل صريح على جواز
دفع الرجل إلى الآخر راحلته في الجهاد على أن تكون الغنيمة بينهما ، وهو عمل على الدابة على أن ما يرزقه الله بينهما كما ترى ، والتفريق بين العمل في الجهاد وبين غيره لا يظهر ، والعلم عند الله تعالى .
[ ص: 250 ] الفرع الثاني أن يشترك ثلاثة : من أحدهم دابة ، ومن آخر رواية ، ومن الثالث العمل ، على أن ما رزقه الله تعالى فهو بينهم ، فهل يجوز هذا ؟ اختلف في ذلك ، فمن العلماء من قال لا يجوز هذا ، وهو مذهب
مالك ، وهو ظاهر قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وممن قال بذلك : القاضي من
الحنابلة ، وأجازه بعض
الحنابلة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " : إنه صحيح في قياس قول
أحمد رحمه الله .
الفرع الثالث أن يشترك أربعة : من أحدهم دكان ، ومن آخر رحى ، ومن آخر بغل ، ومن الرابع العمل ، على أن يطحنوا بذلك ، فما رزقه الله تعالى فهو بينهم ، فهل يصح ذلك أو لا ؟ اختلف فيه ، فقيل : يصح ذلك وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، وخالف فيه القاضي من
الحنابلة وفاقا للقائلين بمنع ذلك كالمالكية ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة : ومنعه هو ظاهر قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ; لأن هذا لا يجوز أن يكون مشاركة ولا مضاربة ، فلو كان صاحب الرحى وصاحب الدابة وصاحب الحانوت اتفقوا على أن يعملوا جميعا وكان كراء الحانوت والرحى والدابة متساويا ، وعمل أربابها متساويا - فهو جائز عند المالكية ، وهذه المسألة هي التي أشار إليها
خليل في مختصره بقوله عاطفا على ما لا يجوز : وذي رحا ، وذي بيت ، وذي دابة ليعلموا إن لم يتساو الكراء وتساووا في الغلة وترادوا الأكرية ، وإن اشترط عمل رب الدابة فالغلة له وعليه كراؤهما .
ولا يخفى أن " الشركة " باب كبير من أبواب الفقه ، وأن مسائلها مبينة باستقصاء في كتب فروع الأئمة الأربعة رضي الله عنهم ، وقصدنا هنا أن نبين جوازها بالكتاب والسنة والإجماع ، ونذكر أقسامها ومعانيها اللغوية والاصطلاحية ، واختلاف العلماء فيها ، وبيان أقوالهم ، وذكر بعض فروعها تنبيها بها على غيرها ، وقد أتينا على جميع ذلك ، والحمد لله رب العالمين .