قوله تعالى : أبصر به وأسمع .
أي : ما أبصره وما أسمعه جل وعلا ، وما ذكره في هذه الآية الكريمة من
اتصافه جل وعلا بالسمع والبصر ذكره أيضا في مواضع أخر ، كقوله :
ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [ 42 \ 11 ] ، وقولـه :
قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير [ 58 \ 1 ] ، وقولـه تعالى :
الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير [ 22 \ 75 ] ، والآيات بذلك كثيرة جدا .
قوله تعالى
: ما لهم من دونه من ولي .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن أصحاب الكهف ليس لهم ولي من دونه جل وعلا ، بل هو وليهم جل وعلا ، وهذا المعنى مذكور في آيات أخر ، كقوله تعالى :
الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور [ 2 \ 257 ] ، وقولـه تعالى :
ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون [ 10 \ 62 ] ، فبين أنه ولي المؤمنين ، وأن المؤمنين أولياؤه ، والولي : هو من انعقد بينك وبينه سبب يواليك وتواليه به ،
فالإيمان سبب يوالي به المؤمنين ربهم بالطاعة ، ويواليهم به الثواب والنصر والإعانة .
وبين في مواضع أخر : أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض ، كقوله :
إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا [ 5 \ 55 ] ، وقولـه :
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض الآية [ 9 \ 671 ] ، وبين في مواضع أخر : أن نبينا صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وهو قوله تعالى :
النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم [ 23 \ 6 ] .
وبين في موضع آخر أنه تعالى مولى المؤمنين دون الكافرين ، وهو قوله تعالى :
ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم [ 47 \ 11 ] ، وهذه
الولاية المختصة بالمؤمنين هي ولاية الثواب والنصر والتوفيق والإعانة ، فلا تنافي أنه مولى
[ ص: 258 ] الكافرين ولاية ملك وقهر ونفوذ ومشيئة ، كقوله :
وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون [ 10 \ 30 ] ، وقال بعض العلماء : الضمير في قوله :
ما لهم من دونه من ولي راجع لأهل السماوات والأرض المفهومين من قوله تعالى :
له غيب السماوات والأرض ، وقيل : الضمير في قوله : " ما لهم " راجع لمعاصري النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار ، ذكره
القرطبي ، وعلى كل حال فقد دلت الآيات المتقدمة أن ولاية الجميع لخالقهم جل وعلا ، وأن منها ولاية ثواب وتوفيق وإعانة ، وولاية ملك وقهر ونفوذ ومشيئة ، والعلم عند الله تعالى .