الرسول ووظائفه
أمر الرسول أن يخاطب الناس بقوله : (
قل إني على بينة من ربي ) ( 57 ) والبينة ما يتبين به الحق ، والمراد بها هنا العلم الذي أوحاه إليه مبينا له به الحق مؤيدا بالدلائل والحجج العلمية والفطرية . وهذا في معنى قوله : (
أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) ( 12 : 108 ) فليس في دينه تحكم ولا إكراه ; إذ أمره أن يقول : (
لست عليكم بوكيل ) ( 66 ) أي ليس أمر هدايتكم والتصرف في شئونكم موكولا إلي من الله بحيث أكون مسيطرا عليكم وملزما إياكم كشأن الوكيل على أعمال الناس . وبين في الآيات 104 - 107 أن
ما جاء به صلى الله عليه وسلم بصائر للناس ، فمن أبصر به الحق واتبعه فلنفسه أبصر فهو الذي سيسعد به ، ومن عمي فعليها الوزر إذ هو الذي يشقى به ، ثم قال : (
وما أنا عليكم بحفيظ ) أي بموكل بإحصائها وحفظها لأجل الجزاء عليها ، ثم أخبر تعالى جده بأن هذا من تصريفه الآيات وتنويعه الدلائل وتبيينها لقوم يعلمون . ثم أمره باتباع ما يوحى إليه والإعراض عن المشركين - إلى أن قال : (
وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل ) ( راجع تفسير الآيات في ص 547 - 552 ج 7 ط الهيئة ) .
وكل هذه الآيات وأمثالها تفصيل للآية التي حصرت فيها
وظيفة جميع المرسلين في التبليغ والتعليم المنقسم إلى التبشير والإنذار وهو قوله تعالى : (
وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ) ( 48 ) وقد وردت هذه القاعدة في الحصر بصيغة الإثبات بعد النفي ، الذي هو الأصل فيما يخاطب به الجاهل أو خالي الذهن ، لأنها من أول ما نزل في بيان هذه العقيدة الهادمة لعقائد الكفار في الرسل وخواص أتباعهم التي منها أنهم وكلاء الله على الأرض بيدهم الهدى والحرمان منه والإسعاد والإشقاء والرحمة والغفران والعقاب وغير ذلك . ووردت آيات أخرى مثلها في عدة سور منها ما هو عام في جميع الرسل ومنها ما هو خاص بخاتمهم ، ووردت آيات أخرى في معناها ذكر الحصر فيها بصيغة " إنما " وهي متأخرة عن الأولى كلها أو بعضها ، وهي الصيغة التي يخاطب بها من كان على علم بالشيء لنكتة من النكت كما تقدم بيانه في تفسير (
قل لا أجد في ما أوحي إلي ) ( 145 ) الآية .
وكما غلا الضالون في الرسل ومن دونهم من الصالحين بجعلهم وكلاء الله سبحانه وتعالى في الهداية والجزاء كالمغفرة والرحمة والعقاب ، غلوا فيهم بزعمهم أنهم يعلمون الغيب وأنهم
[ ص: 245 ] يتصرفون في أمور الأرض ، فيوسعون على الناس الرزق ، ويقضون الحاجات بقوة غيبية إلهية فيهم مخالفة لسنن الله تعالى في الناس ، أو بحمل الخالق سبحانه وتعالى على ذلك بحيث لولاهم لم يفعله ، وأنهم في تفوقهم في ذلك وأمثاله على سائر الناس كالملائكة أو أعظم تأثيرا من الملائكة . وقد بين الله تعالى على لسان خاتم رسله فساد هذا الغلو وبطلان هذه العقائد ، وصرح بأن
الرسل كسائر البشر في سنن الله تعالى فيهم ، إلا أنه ميزهم بالوحي وعصمهم من الخطأ في تبليغ ما أمرهم بتبليغه قولا وعملا ومما يحول دون التأسي بهم ، وحسبك من هذه السورة في ذلك قوله تعالى في إثر قوله : (
وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ) ( 48 ) : (
قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون ) ( 50 ) فراجع تفسيرها ( ف ص352 - 360 ج 7 ط الهيئة تفسير ) فقد بينا فيه بطلان ما سرى إلى المسلمين من أهل الوثنية والكتب المحرفة من
الغلو في الأنبياء والصالحين كزعمهم أنهم يعلمون الغيب ، ويتصرفون في خزائن ملك الله بالعطاء والمنع والضر والنفع ، وإلحاقهم إياهم بالملائكة من عالم الغيب ، حتى صاروا يطلبون منهم ما لا يطلب إلا من الله تعالى ، وذلك عين العبادة التي يسمى الذين توجه إليهم آلهة .