كلمة في
الإسرائيليات الواردة في قصة آدم وغيرها
ومن أراد الإسرائيليات فليرجع إلى المتفق عليه عند
أهل الكتاب ؛ ليعلم الفرق بين ما عندنا وما عندهم - بأن يراجع هنا سائر ما ورد في القصة بعد الذي نشرناه منها - في سفر التكوين دون غيره مما لا يعرف له أصل عندهم وهو في الفصل الثالث منه . وملخصه : أن الحية كانت أحيل حيوان البرية ، وأنها قالت
لحواء إنها هي وزوجها لا يموتان إذا أكلا من الشجرة كما قال لهما الرب ، بل يصيران كآلهة يعرفان الخير والشر ، وأن
حواء رأت أن الشجرة طيبة الأكل بهجة المنظر منية للنفس ، فأكلت منها وأطعمت زوجها فأكل ، فانفتحت أعينهما ، وعلما أنهما عريانان فخاطا لأنفسهما مآزر من ورق التين " فسمعا صوت الرب الإله وهو متمش في الجنة " فاختبآ من وجهه بين الشجر . فنادى الرب
آدم ، فاعتذر بتواريه عنه لأنه عريان ، فسأله من أعلمه أنه عريان وهل أكل من الشجرة ؟ فاعتذر بأن امرأته أطعمته . وسأل الرب المرأة فاعتذرت بإغواء الحية لها " 14 فقال الرب الإله للحية : إذ صنعت هذا فأنت ملعونة من بين جميع البهائم وجميع وحوش البرية ، على صدرك تمشين وترابا تأكلين طول أيام حياتك 15 وأجعل عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها فهو يسحق رأسك وأنت ترصدين عقبه " وقال للمرأة إنه يكثر مشقات حملها وآلام ولادتها وأنها تنقاد إلى بعلها وهو يسودها . وقال
لآدم إن الأرض ملعونة بسببه ، وأنه بمشقة يأكل طول أيام حياته ويعرق وجهه يأكل خبزا حتى يعود إلى التراب الذي أخذ منه . ثم قال الرب " 22 هو ذا
آدم قد صار كواحد منا يعرف الخير والشر . والآن لعله يمد يده فيأخذ من شجرة الحياة أيضا ويأكل فيحيا إلى الدهر 3 فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليحرث الأرض التي أخذ منها " اهـ . وفي هذه القصة من الإشكالات ما ترى وليس فيما ورد في
[ ص: 317 ] القرآن شيء مشكل فيها . وقد صرح
النصارى منهم بأن إبليس دخل في الحية وتوسل بها إلى إغواء
حواء ، ونقل عنهم المسلمون ما نقلوا في ذلك ، ونحن لا نعتد بما يخالف ما في القرآن وصحيح ما في السنة من ذلك .
إذا علمت هذا فلا يغرنك شيء مما روي في التفسير المأثور في تفصيل هذه القصة فأكثره لا يصح ، وهو أيضا مأخوذ من تلك الإسرائيليات المأخوذة عن زنادقة
اليهود الذين دخلوا في الإسلام للكيد له ، وكذا الذين لم يدخلوا فيه . كان الرواة ينقلون عن الصحابي أو التابعي ما مصدره عنده هذه الإسرائيليات من غير بيان ، فيغتر به بعض الناس فيظنون أنه لا بد أن يكون له أصل مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعرف بالرأي . فيعدونه من الموقوف الذي له حكم المرفوع . حتى روي أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنه كتب إلى بعض أحبار
اليهود يسأله عن بعض ما ورد في القرآن ليعلم ما عندهم من العلم فيه . وكان بعض المسلمين يصدقونهم فيما لا يخالف كلام الله ورسوله . وينقلون رواياتهم وإن خالفت . فصار يعسر تمييز المخالف من الموافق إلا على أساطين العلماء الواسعي الاطلاع على السنة ، الذين يفهمونها ويفهمون القرآن حق الفهم . وكلما قل هؤلاء في الأمة كثر الذين يأخذون كل ما ذكر في كتب التفسير والتاريخ والمواعظ من الإسرائيليات بالتسليم ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919894لا تصدقوهم ولا تكذبوهم " ذلك بأنهم قد حرفوا . وزادوا ونقصوا . كما قال الله تعالى فيهم إنهم أوتوا نصيبا من الكتاب ونسوا حظا مما ذكروا به ، فلا نصدق رواياتهم لئلا تكون مما حرفوه أو زادوه ، ولا نكذبها لئلا تكون مما أوتوه فحفظوه ، إلا أن تكون مخالفة لما صح عندنا ، وقد أكثر الرواة من التابعين ومن بعدهم من الرواية عن زنادقتهم ، ويقل في صحيح المأثور عن الصحابة ما هو من الإسرائيليات وإن روى بعضهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار nindex.php?page=showalam&ids=3كأبي هريرة رضي الله عنه الذي تروى أكثر أحاديثه عنعنة وأقلها ما يصرح فيه بالسماع وكذا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنه .
ولشيخ الإسلام
ابن تيمية كتاب في فن التفسير نقل عنه
السيوطي في الإتقان بحثا طويلا في المفسرين واختلافهم في التفسير ، وقال إنه نفيس جدا . ومنه فصل فيما لا يعلم إلا من طريق النقل وهو قسمان : ما يمكن معرفة الصحيح فيه من غيره ، وما لا يمكن - وهو الذي تدخل فيه الإسرائيليات - وقد قال فيه ما نصه : -
" فما كان منه منقولا نقلا صحيحا عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل ، وما لا بأن نقل عن
أهل الكتاب ككعب ووهب ( أي
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار nindex.php?page=showalam&ids=17285ووهب بن منبه وهما من خيارهم عند الرواة ومعظم الخرافات والأكاذيب نقلت عنهما ) وقف عن تصديقه وتكذيبه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919895إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم " وكذا ما نقل
[ ص: 218 ] عن بعض التابعين وإن لم يذكر أنه أخذه عن
أهل الكتاب ، فمتى اختلف التابعون لم يكن بعض أقوالهم حجة على بعض ، وما نقل من ذلك عن الصحابة نقلا صحيحا فالنفس إليه أسكن مما ينقل عن التابعين ؛ لأن احتمال أن يكون سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من بعض من سمعه منه أقوى ؛ ولأن نقل الصحابة عن
أهل الكتاب أقل من نقل التابعين ، ومع جزم الصحابي بما يقوله كيف يقال إنه أخذه عن أهل الكتاب وقد نهوا عن تصديقهم ؟ وأما القسم الذي يمكن معرفة الصحيح منه فهذا موجود كثير ولله الحمد . وإن قال الإمام
أحمد : ثلاثة ليس لها أصل ، التفسير والملاحم والمغازي ، وذلك لأن الغالب عليها المراسيل " اهـ