( فإن قيل ) : قد ورد في الأخبار والآثار أن هذه الأيام الستة هي من أيام دنيانا واقتصر عليه بعض مفسرينا ، وفي حديث أخرجه
أحمد في مسنده
ومسلم في صحيحه
nindex.php?page=hadith&LINKID=919928عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال : " خلق الله عز وجل التربة يوم السبت وخلق الجبال فيها يوم الأحد وخلق الشجر فيها يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل " وهذا ظاهر في أن الخلق كان جزافا ودفعة واحدة لكل نوع في يوم من أيامنا القصيرة .
( فالجواب ) : أن كل ما روي في هذه المسألة من الأخبار والآثار مأخوذ من الإسرائيليات لم يصح فيها حديث مرفوع ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة هذا وهو أقواها مردود بمخالفة متنه لنص كتاب الله وأما سنده فلا يغرنك رواية
مسلم له به ، فهو قد رواه كغيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=15697حجاج بن محمد الأعور المصيصي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج وهو قد تغير في آخر عمره وثبت أنه حدث بعد اختلاط عقله ، كما في تهذيب التهذيب وغيره . والظاهر أن هذا الحديث مما حدث به بعد اختلاطه قال الحافظ
ابن كثير في تفسيره بعد إيراده في تفسير الآية : وفيه استيعاب الأيام السبعة والله تعالى قال : ( في ستة أيام ) ولهذا تكلم
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغير واحد من الحفاظ في هذا الحديث وجعلوه من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار ليس مرفوعا والله أعلم اهـ . أي فيكون رفع
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة له من خلط
nindex.php?page=showalam&ids=15697حجاج بن الأعور . وقد هدانا الله من قبل إلى حمل بعض مشكلات أحاديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة المعنعنة على الرواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار الذي أدخل على المسلمين شيئا كثيرا من الإسرائيليات الباطلة والمخترعة وخفي على كثير من المحدثين كذبه
[ ص: 400 ] ودجله لتعبده ، وقد قويت حجتنا على ذلك بطعن أكبر الحفاظ في حديث مرفوع عزى إليه فيه التصريح بالسماع . على أن رواة التفسير المأثور أخرجوا عن
كعب خلاف هذا كرواية
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عنه أنه قال : بدأ الله بخلق السماوات والأرض يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة وجعل كل يوم ألف سنة . وثمة آثار أخرى عن مفسري السلف في تقدير اليوم منها بألف سنة . منها رواية
الضحاك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ومثله عن
مجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل . وهذا دليل على أنهم وإن سموا تلك الأيام بأسماء أيامنا فإنهم لا يعنون أنها منها ، على أن الخمسة الأولى مأخوذة من أسماء الأعداد الأولى .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عند
أحمد ومسلم وغيرهما أن
آدم خلق يوم الجمعة ، فإذا لم يكن هذا مما رواه عن
كعب من الإسرائيليات فلا خلاف في أن خلق
آدم قد كان بعد أن تم خلق الأرض وصارت أيامها كما نعلم ، فنقول : إن الله أعلم رسوله أن ذلك اليوم هو الذي سمي بعد ذلك بالجمعة ، والظاهر أنه لا يعد من الأيام الأربعة التي خلقت فيها الأرض كما في سورة حم السجدة " فصلت " .
وسرد
الآيات التي خلقت فيها السماوات والأرض في سفر التكوين يخالف بتفصيله ما قرره علماء الكون مخالفة صريحة تتعاصى على التأويل ، وقد اعترف بذلك العلماء الذين خدموا الدين من أهل الكتاب . ولم يعدوا هذه المخالفة على كثرة مسائلها مطعنا في كون سفر التكوين وحيا كسائر أسفار التوراة ، وجزموا بتفسير اليوم بالزمن الطويل وإن ورد في وصف كل منها : " وكان مساء وكان صباح " وهاك أمثل حل للإشكال عندهم : قال
الدكتور بوست في قاموس الكتاب المقدس بعد تلخيص الفصلين الأول والثاني من سفر التكوين : وإذا قال أحد إن قصة الخليقة في هذين الإصحاحين لا تطابق في كل شيء علم الهيئة والجيولوجيا ( أي علم طبقات الأرض ) والنبات والحيوان أجبنا :
( أولا ) : إن
الكلام عن الخليقة في هذه الآية ليس كلاما علميا .
( ثانيا ) : إنه يطابق قواعد العلم الرئيسية مطابقة غريبة لا يسعنا البحث عنها هنا مليا ، فقد أجمع العلماء على أن المادة قبل النور ولازمة لظهور النور ، وأن النور المنتشر قد سبق جمع المادة على هيئة شموس وسيارات ، وأن الأجرام السماوية لم تظهر للواقف على سطح الأرض قبل فصل الأبخرة عن سطحها وتكوين الجلد ، وأن كل هذه الأشياء سبقت الحياة النباتية والحيوانية ، وأن الإنسان آخر الخليقة الحيوانية اهـ .
ونقول : إن في هذا الإجماع الذي ادعاه أبحاثا لا حاجة إلى الخوض فيها هنا ، ولو أن القرآن هو الذي فصل ذلك التفصيل للخليقة لما رضي منا
بوست بمثل هذا التأويل في الرد على من كانوا ينكرون عليه كما أنكروا على التوراة . ومن الظاهر الجلي أن سفر التكوين
[ ص: 401 ] موضوع لبيان صفة الخلق بالتفصيل فلا يصح أن يخالف الواقع إذا كان وحيا من الله : وأما القرآن فلم يذكر ذلك إلا لأجل الاستدلال به على وحدانية الرب واستحقاقه للعبادة وحده كما بينا آنفا .