1. الرئيسية
  2. تفسير المنار
  3. سورة الأعراف
  4. تفسير قوله تعالى وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء
صفحة جزء
( فإن قيل ) : فعلى هذا يكون المثاب والمعاقب باللذات والآلام الجسمانية غير من عمل الطاعة ، وارتكب المعصية . ( قلنا ) : العبرة في ذلك بالإدراك ، وإنما هو للروح ولو بواسطة الآلات وهو باق بعينه ، وكذا الأجزاء الأصلية من البدن ، ولهذا يقال للشخص من الصبا إلى الشيخوخة إنه هو بعينه وإن تبدلت الصور والهيئات ، بل كثير من الآلات والأعضاء ، ولا يقال لمن جنى في الشباب فعوقب في المشيب إنها عقوبة لغير الجاني .

( قال ) " لنا أن المعتمد في إثبات حشر الأجساد دليل السمع ، والمفصح عنه غاية الإفصاح من الأديان دين الإسلام ، ومن الكتب القرآن ، ومن الأنبياء محمد عليه السلام ، والمعتزلة يدعون إثباته بل وجوبه بدليل العقل - وتقريره أنه يجب على الله ثواب المطيعين ، وعقاب العاصين ، وإعواض المستحقين . ولا يتأتى ذلك إلا بإعادتهم فيجب ؛ لأن ما لا يتأتى الواجب إلا به فهو واجب ، وربما يتمسكون بهذا في وجوب الإعادة على تقرير الفناء ومبناه على أصله الفاسد في الوجوب على الله تعالى ، وفي كون ترك الجزاء ظلما لا يصح صدوره من الله تعالى مع إمكان المناقشة في أن الواجب لا يتم إلا به ، وأنه لا يكفي المعاد الروحاني ، ويدفعون ذلك بأن المطيع والعاصي هي هذه الجملة أو الأجزاء الأصلية لا الروح وحده ، ولا يصل الجزاء إلى مستحقه إلا بإعادتها . [ ص: 422 ] ( والجواب ) أنه إن اعتبر الأمر بحسب الحقيقة فالمستحق هو الروح ؛ لأن مبنى الطاعة والعصيان على الإدراكات والإرادات والأفعال والحركات وهو المبدأ للكل ، وإن اعتبر بحسب الظاهر يلزم أن يعاد جميع الأجزاء الكائنة من أول التكليف إلى الممات ولا يقولون بذلك فالأولى التمسك بدليل السمع .

" وتقريره أن الحشر والإعادة أمر ممكن أخبر به الصادق فيكون واقعا . أما الإمكان فلأن الكلام فيما عدم بعد الوجود أو تفرق بعد الاجتماع أو مات بعد الحياة فيكون قابلا لذلك . والفاعل هو الله القادر على كل الممكنات . العالم بجميع الكليات والجزئيات . وأما الأخبار فلما تواتر عن الأنبياء سيما نبينا عليه السلام أنهم كانوا يقولون بذلك ، ولما ورد في القرآن من نصوص لا يحتمل أكثرها التأويل مثل قوله تعالى : ( قال من يحي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ) ( 36 : 78 ، 79 ) . ( فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ) ( 36 : 51 ) . ( فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة ) ( 17 : 51 ) ( أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه ) ( 75 : 3 ، 4 ) ( وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ) ( 41 : 21 ) ( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ) ( 4 : 56 ) ( يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير ) ( 50 : 44 ) ( أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور ) ( 100 : 9 ) إلى غير ذلك من الآيات ومن الأحاديث أيضا ( وهي ) كثيرة وبالجملة ، فإثبات الحشر من ضروريات الدين وإنكاره كفر بيقين .

( فإن قيل ) : الآيات المشعرة بالميعاد الجسماني ليست أكثر وأظهر من الآيات المشعرة بالتشبيه والجبر والقدر ونحو ذلك وقد وجب تأويلها قطعا ، فلنصرف هذه أيضا إلى بيان المعاد الروحاني وأحوال سعادة النفوس وشقاوتها بعد مفارقة الأبدان على وجه يفهمه العوام ؛ فإن الأنبياء مبعوثون إلى كافة الخلائق لإرشادهم إلى سبيل الحق وتكميل نفوسهم بحسب القوة النظرية والعملية وتبقية النظام المفضي إلى صلاح الكل ، وذلك بالترغيب والترهيب بالوعد والوعيد ، والبشارة بما يعتقدونه لذة وكمالا ، والإنذار عما يعتقدونه ألما ونقصانا . وأكثرهم عوام تقصر عقولهم عن فهم الكمالات الحقيقية ، واللذات العقلية ، وتقتصر على ما ألفوه من اللذات والآلام الحسية ، وعرفوه من الكمالات والنقصانات البدنية . فوجب أن تخاطبهم الأنبياء بما هو مثال للمعاد الحقيقي ترغيبا وترهيبا للعوام ، وتتميما لأمر النظام . وهذا ما قاله أبو نصر الفارابي : إن الكلام مثل وخيالات للفلسفة .

( قلنا ) : إنما يجب التأويل عند تعذر الظاهر ولا تعذر هاهنا ، سيما على القول بكون البدن المعاد مثل الأول لا عينه ، وما ذكرتم من حمل كلام الأنبياء ونصوص الكتاب على [ ص: 423 ] الإشارة إلى مثال معاد النفس والرعاية لمصلحة العامة نسبة للأنبياء إلى الكذب فيما يتعلق بالتبليغ والقصد إلى تضليل أكثر الخلائق والتعصب طول العمر لترويج الباطل وإخفاء الحق لأنهم لا يفهمون إلا هذه الظواهر التي لا حقيقة لها عندكم . نعم لو قيل : إن هذه الظواهر مع إرادتها من الكلام وثبوتها في نفس الأمر مثل للمعاد الروحاني واللذات والآلام العقلية وكذا أكثر ظواهر القرآن على ما يذكره المحققون من علماء الإسلام لكان حقا لا ريب فيه ، ولا اعتداد بمن ينفيه اهـ . كلام التفتازاني .

ومن تأمل هذا من أهل عصرنا تظهر له دقة أفهام هؤلاء المتكلمين الذين صوروا الشبهة بنحو مما يؤخذ من أحدث ما قرره علماء هذا العصر في علم الكيمياء وغيره ، وأجابوا عنها بما يغني عن جواب آخر ، وما قاله الفارابي وأمثاله فهو كأكثر فلسفتهم فيما وراء الطبيعة جهلا بحقيقة الإنسان ، وضلالا في تأويل الأديان ، فالإنسان روح وجسد ، وكماله بحصول لذاته الروحية والجسدية جميعا ولا تنافي بينهما ، ولو كان روحانيا محضا لكان ملكا أو شيطانا ولم يكن إنسانا . وقد سبق لنا بيان هذه الحقيقة مرارا .

وأما القول بالأجزاء الأصلية والأجزاء الفضلية فهو لا يدفع الشبهة ، ولا تقوم به حجة ، وتفسير الأجزاء الأصلية بالذر أو ما يشبه الذي ورد أن الله تعالى جعله في صلب آدم وأخذ عليه الميثاق فهو غير ظاهر في هذا المقام ، إذ لا يصح أن تكون هذه الجراثيم المشبهة بالذر من أجزاء الجسد الظاهرة التي يعنيها من يقولون بحشر هذه الأجساد بأعيانها .

ولكن لهذه المسألة وجها آخر من النظر العلمي وهو خلق الله للبشر في التكوين الأول جراثيم حية تتسلسل في سلائلهم التناسلية ، فإن مسألة أصول الأحياء كلها من أخفى مسائل الخلق ، والقاعدة المبنية على التجارب والمباحث الكثيرة أن كل حي يوجد في الأرض في حالها هذه فهو من أصل حي كما تقدم ، وأن كل أصل من جراثيم الأحياء الحيوانية والنباتية يندمج فيه جميع مقوماته ومشخصاته التي يكون عليها إذا قدر له أن يولد وينمى ويكمل خلقه ، فنواة النخلة مشتملة على كل خواص النخلة التي تنبت منها حتى لون بسرها وشكله ودرجة حلاوته عندما يصير رطبا فتمرا ، ولا يعلم أحد من البشر كيف وجدت هذه الأصول والجراثيم في التكوين الأول ، سواء منهم القائلون بخلق الأنواع دفعة واحدة والقائلون بالخلق التدريجي على قاعدة النشوء ، والارتقاء ، إلا أن لهؤلاء نظرية في تصوير التكوين الأول من مادة زلالية مكونة من عناصر مختلفة لها قوى التغذي والانقسام والتوالد ، في وقت كانت طبيعة الأرض فيها غير طبيعتها في هذا الزمن وما يشبهه منذ ألوف الألوف من السنين ولكن كيف صار لما لا يحصى من أنواع النبات والحيوان ، الدنيا والوسطى والعليا ، جراثيم مشتملة [ ص: 424 ] على ما أشرنا إليه من الخواص والأسرار لا تتولد إلا منها ؟ إنهم ليسوا على علم صحيح بهذا ولا بما قبله ( ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ) ( 18 : 51 ) .

أطال شيخنا حسين الجسر رحمه الله تعالى في المسألة فأثبت أنها من الممكنات إذ لا محال في إيداع الملايين الكثيرة من النسم من ظهر آدم ، وقد ثبت عند علماء هذا العصر أن في نقطة الماء من الجراثيم الحية بعدد جميع من على الأرض من البشر ، وارتأى أن مستودعها من آدم كان في منيه ، وأنها كانت تخرج منه بالوقاع ( قال ) " فتحل في البزور التي تنفصل من مبيض زوجته فيكون هياكلها من تلك البزور مع السائل المنوي ويطورها أطوارا حتى تبلغ صورة الهيكل الإنساني ، وأول ذرة من أولاده نقلها إلى بزرتها نقل معها عدد الذرات التي تكون أولادا لها ثم ينقل تلك الذرات في المني الذي ينفصل فيما بعد عن هيكل هذه الذرة الأولى ، وهكذا الحال في بقية أولاده وأولادهم يفعل على تلك الكيفية إلى آخر الدهر . . . وعند بلوغ كل هيكل إلى حد محدود يرسل الله تعالى الروح فتحل في ذرتها وتسري فيها وفي هيكلها الحياة والحركة ، فكل إنسان هو مجموع الروح والذرة ، وهذه الذرة هي الأجزاء الأصلية التي قال بها أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنها الباقية مدة العمر وهي المعادة بإعادة الروح إليها بعد أن تفارقها بالموت ، والهيكل هو الأجزاء الفضلية التي تروح وتجيء وتزيد وتنقص . فإذا أراد الله تعالى موت الإنسان فصل عن ذرته الروح ، ففارقتها الحياة وفارقت الهيكل الذي هو الأجزاء الفضلية وحلهما الموت ، فيأخذ الهيكل بالانحلال ويجري عليه من التفرق والدخول في تركيب غيره ما يجري ، والذرة محفوظة بين أطباق الثرى كما تحفظ ذرات الذهب من البلى والانحلال ، وإن دخلت في تركيب حيوان فإنها تدخل في تركيب هيكله الذي هو الأجزاء الفضلية محفوظة غير منحلة ، فإذا انحل ذلك الهيكل عادت محفوظة في أطباق الثرى ولا تدخل في تركيب الأجزاء الأصلية لذلك الحيوان التي هي حقيقته ، غاية ما يطرأ عليها بالموت مفارقة الروح لها ، وانحلال هيكلها ، وإذا أراد الله تعالى حياتها أعاد الروح إليها ، فتعود إليها الحياة وبقية خواصها وإن كان هيكلها منحلا .

ومن هنا تنحل شبه سؤال القبر ونعيمه وعذابه وأمثال ذلك من أمور البرزخ التي وردت النصوص الشرعية بها ، وأنها تكون قبل البعث .

" ثم إذا أراد الله تعالى أن يبعث الخلق للحساب أعاد تكوين هياكل الذرات الإنسانية التي هي الأجزاء الفضلية ، سواء كانت هي الأجزاء السابقة أو غيرها - إذ المدار على عدم تبدل الذرات ، وأحل الذرات في تلك الهياكل ، وبتعلق الروح بها تقوم فيها وفي هياكلها الحياة ، ويقوم البشر في النشأة الآخرة كما كانوا في هذه الدار ، وجميع ما تقدم يمكن أن يكون حاصلا في بقية الحيوانات غير الإنسان في جميع تفصيله " . [ ص: 425 ] ثم ضرب للماديين الأمثال المقربة لذلك بأنواع جنة الأحياء الخفية " الميكروبات " وحياتها في الماء وغيره على كثرتها بنظام غريب ، ودخول المرضية منها في أجساد المرضى وسريانها في دورة الدم ، وبالحيوانات المنوية منها في المني الذي ينفصل من الأنثيين ويلقح بذور الأنثى - وقال بعد تلخيص ما قالوه في صفتها وقدرها وحركتها - : فأي مانع أن تلك الحيوانات المنوية جعلها الخالق تعالى تحمل ذرات بني آدم التي هي أصغر منها وتسير بها في السائل المنوي حتى تلقيها في البزور المنفصلة من مبيض المرأة ؟ . . . ثم علل بهذا كون الإنسان ينتقل من الأب إلى الأم خلافا لقولهم إن الإنسان من بزرة أمه وليس لأبيه منه إلا مجرد التلقيح .

ثم ذكر عمل القلب وتعليلهم لحركته المنتظمة واستظهر أنه هو مركز الذرة الإنسانية وأنها بحلول الروح فيها تتحرك تلك الحركة المنتظمة التي تنشأ عنها دورة الدم ، وبعد إيضاح ذلك قال :

" وخلاصة ما تقدم أن الإنسان الحقيقي على هذا التقرير هو الذرة التي تحل في القلب وتحل فيها الروح فتكسبها الحياة وتسري الحياة إلى الهيكل ، ثم الهيكل إنما هو آلة لقضاء أعمال تلك الذرة في هذا الكون ولاكتساب معارفها بسببه ، وتلك الذرة مع الروح الحالة فيها هي المخاطب بالتكليف والمعاد والمنعم والمعذب - إلى آخر ما ورد في حق الإنسان .

" وعلى هذا التقرير نجد أن الشبهة التي وردت على ما جاء في الشريعة المحمدية من البعث وسؤال القبر ونعيمه وعذابه وحياة بعض البشر في قبورهم ونحو ذلك سقطت برمتها كما يظهر بالتأمل الصادق والله أعلم " .

ثم أورد على هذا أن بعض النصوص صريحة في إعادة الهيكل الإنساني أو بعضه كالعظام - كما تقدم مثله عن السعد - وأجاب بأن هذه النصوص وردت لدفع إشكالات أخرى كانت تعرض لأفكار أهل الجاهلية في إعادتها ، إذ عند ذكر البعث لا تنصرف أفكارهم إلا إلى إعادة هذا الهيكل المشاهد لهم ، فيقولون كيف تعود الحياة للعظام بعد أن تصير رميما ؟ فتدفع هذه النصوص إشكالاتهم بقدرة الله الشاملة وعلمه المحيط . ( قال ) : وهذا لا ينافي التوجه الذي تقدم في إعادة الأجزاء الأصلية التي هي الذرات لتدفع به الإشكالات الأخرى التي تقدمت فليتأمل ، اهـ . ثم صرح بأنه لا يقول إن ما حرره مما يجب اعتقاده ، وإنما هو لدفع الإشكال عمن يعرض له .

فهذا ملخص رأيه رحمه الله تعالى ، وغايته أنه مبني على تأويل بعض الآيات كغيره . وليس فيه إلا محاولة الجمع بين ما ورد في خلق ذرية آدم وقول من قال بالفرق بين الأجزاء الأصلية والفضلية ، وهو تكلف لا حاجة إليه ، ولا يمكن أن يكون المراد بالأجزاء الأصلية لكل فرد ذرة حية في بدنه كالجنة التي لا ترى في الماء والدم وغيرهما بغير المنظار المكبر ( المجهر ) . [ ص: 426 ] نعم إنه يجوز عقلا أن يحمل الحيوان المنوي الذي يلقح بويضة المرأة في الرحم ذرة حية هي أصل الإنسان . كما يجوز أن يكون هذا الحيوان المنوي نفسه هو الذي ينمى في البويضة ويكون إنسانا ، وأن أصله ما يتولد من ازدواج خليته بخليتها كما سيأتي ، وأيها كان أصل الإنسان فإنما يكون كذلك بكبره ونمائه كما تكون نواة الشجرة شجرة باسقة مثمرة ، وبذلك يكون الفرع عين الأصل فلا يكون له أصل آخر بشكل مصغر في هذا الهيكل لا في القلب ولا في المني ، وإنما قد يكون في هيكله أصل وأصول لأناسي آخرين يكونون فروعا له إذا أراد الله ذلك ، كما يكون للنخلة النابتة من النواة نوى كثيرة يمكن أن ينبت منها نخل كثير .

وأما المعروف عند علماء العصر في هذا الشأن فهو أن سر حركة القلب وإن كان لا يزال مجهولا ، فمن المعلوم أن الدم الوارد منه إلى الخصيتين هو الذي يغذيهما ، وبتغذيهما به تنقسم خلاياهما فتتولد الحيوانات المنوية من انقسامها وتلك سنة الله في جميع الأحياء ، تتغذى بالتوالد الذي يكون من انقسام الخلايا التي تتكون بنيتها منها ، ومن غريب صنع الله الذي أتقن كل شيء أن في كل خلية من خلايا الأجساد الحية نويتين ( تصغير نواة ) صغيرتين تتولد الخلية الجديدة باقترانهما ، فسنة الزواج عامة في أنواع الأحياء وفي دقائق بنية كل منها كما قلنا في المقصورة :

وسنة الزواج في النتاج بل كل تولد تراه في الدنا فاجتله في الحيوان ناطقا وأعجما وفي النبات المجتنى بل كل ذرة بدت في بنية زاد بها الحي امتدادا ونمى خلية تقرن في غضونها نويتان فإذا الفرد زكا

والحيوانات المنوية تتولد من الخلايا المبطنة بها الخصية من داخلها بسبب تغذية الدم لها ولا مانع من وجود سبب خفي لذلك كذرات حية لا ترى في المناظير المكبرة المعروفة الآن ، فهم يقولون بأنه لا يبعد أن يوجد مناظير أرقى منها يرى فيها من أنواع هذه الجنة المسماة بالبكتريا ما لا يرى الآن .

وهم يقولون : إن الحيوان المنوي له خلية واحدة وله رأس وجسم وذنب ورأسه هو نواة الخلية ، وهو سريع الحركة شديد الاضطراب ، ويتولد من عهد بلوغ الحلم لا قبله ، فإذا وصلت هذه الحيوانات إلى رحم الأنثى مع المني الذي يحمله إليه تبحث بطبيعتها عن البويضة [ ص: 427 ] التي فيه ، فالذي يعلق بها يدخل رأسه فيها وهي مثله ذات نواة أو نوية واحدة فيحصل التلقيح باقتران النويتين .

ويقولون : إن بويضات النسل تكون في البنت من ابتداء خلقها فتولد وفيها ألوف منها معدودة لا تزيد ، ويظنون أنها تسقط منها في زمن الطفولة ، ثم تتكون فيها بويضات النسل بعد البلوغ بسبب دم الحيض ، ذلك بأن في داخل الرحم عضوين مصمتين يشبهان خصيتي الرجل يسميان المبيضين ؛ لأن في داخلهما بويضات دقيقة جدا لا ترى إلا بالمناظير المكبرة تكون في حويصلات يقترب بعضها من سطح المبيض رويدا رويدا حتى ينفجر فتخرج منه البويضة إلى بوق الرحم ، فتكون مستعدة بذلك لتلقيح الحيوان المنوي لها ، وأكثرها يضمر بالتدريج إلى أن يضمحل ولا ينفجر ، وإنما ينفجر ما ينفجر منها في زمن الحيض والمعروف أن كل حيضة تفجر حويصلة واحدة ، تكون منها بويضة واحدة في الغالب ، وأن ذلك يكون بالتناوب بين المبيضين مرة في الأيمن ومرة في الأيسر ، وقد اهتدى أحد الأطباء بالتجارب الطويلة إلى أن البويضة التي تكون في المبيض الأيمن يتولد منها الذكر والتي تكون في المبيض الأيسر تتولد منها الأنثى ، وأنه متى عرف بوضع المرأة أول ولد لها متى كان حملها يمكن أن يعرف بعد ذلك دور بويضة الذكر ودور بويضة الأنثى في الغالب ، ويكون للزوجين كسب واختيار لنوع المولود إن قدره الله لهما . وقد فصلنا هذه المسألة في تفسير ( وعنده مفاتح الغيب ) ( 6 : 59 ) من سورة الأنعام . وأما التوأمان فسببهما إما انفجار بويضتين فأكثر شذوذا ، وإما اشتمال البويضة الواحدة على نويتين يلقحان معا ، والله أعلم . وقد ذكرنا هذا الاستطراد للاعتبار بقدرة الخالق وسعة علمه ودقائق حكمته بعد توفية مسألة البعث حقها من البحث وكان المناسب أن يذكر بحث التكوين في سياق خلق آدم في أوائل السورة .

التالي السابق


الخدمات العلمية