ثم ذكر أن الله تعالى أيده ببينة تدل على صدقه في دعواه وتبليغه عنه ، ورتب عليه ما هو مقصود له بالذات أو بالقصد الأول فقال حكاية عنه :
قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل أي : قد جئتكم ببينة عظيمة الشأن ، ظاهرة الحجة في بيان الحق ، فتنكير البينة للتفخيم ، والتصريح بكون هذه البينة المعجزة من عند ربهم نص على أنهم مربوبون ، وأن
فرعون ليس ربا ولا إلها ، وعلى أنها - أي : البينة - ليست من كسب
موسى ، ولا مما يستقل به عليه السلام ، وبنى على هذا قوله :
فأرسل معي بني إسرائيل أي : بأن تطلقهم من أسرك ، وتعتقهم من رق قهرك ، ليذهبوا معي إلى دار غير ديارك ، ويعبدوا فيها ربهم وربك ، وبم أجاب
فرعون ؟
[ ص: 40 ] قال إن كنت جئت بآية أي : قال
فرعون لموسى عليه السلام : إن كنت جئت مصحوبا ومؤيدا بآية من عند من أرسلك كما تدعي - الشرط بـ " إن " يدل على الشك في مضمون الجملة الشرطية أو الجزم بنفيها -
فأت بها إن كنت من الصادقين فأتني بها بأن تظهرها لدي إن كنت من أهل الصدق الملتزمين لقول الحق ، وهذا شك آخر في صدقه ، بعد الشك في مجيئه بالآية .
فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين أي : فلم يلبث
موسى أن ألقى عصاه التي كانت بيمينه أمام
فرعون فإذا هي ثعبان - وهو الذكر العظيم من الحيات - مبين ؛ أي : ظاهر بين لا خفاء في كونه ثعبانا حقيقيا يسعى وينتقل من مكان إلى آخر ، تراه الأعين من غير أن يسحرها ساحر فيخيل إليها أنها تسعى - كما سيأتي من أعمال سحرة
فرعون - ونزع يده ؛ أي : أخرجها من جيب قميصه بعد أن وضعها فيه بعد إلقاء العصا فإذا هي بيضاء ناصعة البياض تتلألأ للناظرين إليه ، وهم
فرعون وملؤه أو لكل من ينظره ، والنظارة هم الذين يجتمعون عادة لرؤية الأمور الغريبة ، وقد وصف الله تعالى بيضها في طه والنمل والقصص بأنه :
من غير سوء أي : من غير علة كالبرص .
وفي التفسير المأثور روايات في
صفة الثعبان الذين تحولت إليه عصا موسى عليه الصلاة والسلام ، وفي تأثيره لدى
فرعون ما هي إلا من الإسرائيليات التي لا يصح لها سند ، ولا يوثق منها بشيء ، ومنها قول
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه : إن العصا لما صارت ثعبانا حملت على الناس فانهزموا منها فمات منها خمسة وعشرون ألفا قتل بعضهم بعضا ، وقام
فرعون منهزما قال
ابن كثير : رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير والإمام
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم فيه غرابة في سياقه ، والله أعلم ا هـ .
وقد اقتصرت على هذه الرواية لأقول : إنني أرجح تضعيف
nindex.php?page=showalam&ids=14923عمرو بن علي الفلاس لوهب على توثيق الجمهور له ، بل أنا أسوأ فيه ظنا على ما روي من كثرة عبادته ، ويغلب على ظني أنه كان له ضلع مع قومه الفرس الذين كانوا يكيدون للإسلام وللعرب ، ويدسون لهم من باب الرواية ، ومن طريق التشيع ، فقد ذكر الإمام
أحمد أن والده
منبها فارسي أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى إلى
اليمن فأسلم في زمن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأن ابنه
وهبا كان يختلف من بعده إلى بلاده بعد فتحها ، وهنا موضع لشبهة في الغرائب المروية عنه ، وهي كثيرة - ومثله عندي (
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار ) الإسرائيلي - كلاهما كان تابعيا كثير الرواية للغرائب التي لا يعرف لها أصل منقول ولا معقول ، وقومهما كانا يكيدون للأمة الإسلامية العربية التي فتحت بلاده
الفرس ، وأجلت
اليهود من
الحجاز ، فقاتل الخليفة الثاني فارسي مرسل من جمعية سرية لقومه ، وقتلة الخليفة الثالث كانوا مفتونين بدسائس
عبد الله بن سبأ اليهودي ، وإلى جمعية
[ ص: 41 ] السبئيين وجمعيات
الفرس ترجع جميع الفتن السياسية ، وأكاذيب الرواية في الصدر الأول .