[ ص: 129 ] ( 9 ) اختلف العلماء في
رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - لربه ليلة المعراج بين إثبات ونفي ووقف ، واختلف المثبتون في الرؤية هل هي بعين البصر أم بعين القلب والبصيرة ؟ كما اختلفوا في
المعراج نفسه هل كان يقظة أم مناما ، أم مشاهدة روحية بين اليقظة والنوم ؟ لاختلاف الروايات عن الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - فيها ، ولما ورد في الأحاديث المتعارضة في المسألة عاما وخاصا . والتحقيق أنه قد وردت أحاديث مرفوعة صحيحة في النفي دون الإثبات كحديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919994نور أنى أراه ؟ " المتقدم في النفي الخاص به - صلى الله عليه وسلم - وكحديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919995واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا " رواه
مسلم وكذا
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة ، عن
أبي أمامة nindex.php?page=showalam&ids=63وعبادة بن الصامت .
أما الصحابة ؛ فاشتهر الإثبات عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس منهم ، وروي عن
أنس أيضا ، وأخذ به بعض التابعين وقبله بعض المحدثين والمتكلمين الذين لا يدققون في تمحيص روايات الفضائل والمناقب . واشتهر المنع عن
عائشة ، والرواية عنها فيه أصح وأصرح ، وتقدم ما رواه الشيخان عن
مسروق عنها فيه ، وفي بعض رواياته أن
مسروقا لما سألها هل رأى
محمد ربه ؟ قالت له : لقد قف شعري مما قلت .
وروي النفي عن آخرين من الصحابة منهم
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة وغيرهما ، وأما المحدثون الذين عنوا بالتعادل والترجيح والجمع بين الروايات فمنهم من نظر فيها ؛ لإثبات ما سبق إلى اعتقاده ، ومالت إليه نفسه كالحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة وتبعه
النووي ، فرجحا رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس على رواية
عائشة التي هي أصح سندا وأقوى دليلا ، بحجة أنها لم تنف الرؤية بحديث مرفوع ، ولو كان معها لذكرته ، وإنما اعتمدت على الاستنباط فتأولت آية
لا تدركه الأبصار ( 6 : 103 ) وآية
وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا ( 42 : 51 ) إلخ ، وقد غفلا عما لم يجهلا من حديثها في الصحيحين ، وقولها
لمسروق لما احتج عليها بدلالة آية سورة النجم على رؤيته - صلى الله عليه وسلم - لربه إنها أول من سأله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية ، وتقدم لفظها في رواية الصحيحين ، وفيه رواية أخرى أصرح في المراد ، وهي ما أخرجه
ابن مردويه بإسناد
مسلم قالت : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919996أنا أول من سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذا ، فقلت : يا رسول الله هل رأيت ربك ؟ فقال : لا ؛ إنما رأيت جبريل منهبطا " إلخ .
ومنهم من نظر في الروايات لأجل التمحيص وتحقيق الحق فيها كشيخ الإسلام
ابن تيمية والحافظ
ابن حجر ، فبينا أن الروايات عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بعضها مطلق وبعضها مقيد بالرؤية القلبية لا البصرية ، فإذا حكمت فيها قاعدة حمل المطلق على المقيد زال التعارض بينها وبين حديث
عائشة وما في معناه .
قال الحافظ في شرح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : جاءت عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أخبار مطلقة وأخرى مقيدة ، فيجب حمل مطلقها على مقيدها ، فمن ذلك ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي بسند صحيح وصححه الحاكم .
[ ص: 130 ] من طريق
عكرمة عنه " أتعجبون أن تكون الخلة
لإبراهيم والكلام
لموسى والرؤية
لمحمد ؟ " وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة بلفظ " إن الله اصطفى
إبراهيم بالخلة " إلخ . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق من طريق
عبد الله بن أبي سلمة أن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أرسل إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس " هل رأى
محمد ربه ؟ فأرسل إليه أن نعم " ( ومنها ) ما أخرجه
مسلم من طريق
أبي العالية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله - تعالى - :
ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى ( 53 : 11 - 13 ) قال : رأى ربه بفؤاده مرتين ، وله من طريق
عطاء عنه قال : رآه بقلبه وأصرح منه ما أخرجه
ابن مردويه عنه من طريق
عطاء أيضا قال : لم يره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعينه إنما رآه بقلبه . انتهى ملخصا ، وقد روى
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنه - سمع حديث قسمة الكلام والرؤية بين
موسى ومحمد - صلى الله عليه وسلم - من
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار في
عرفة ! ! .
فعلم مما تقدم أن ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من الإثبات هو الذي يصح فيه ما قيل خطأ في نفي
عائشة : إنه استنباط منه ، ولم يكن عنده حديث مرفوع فيه ، وأنه على ما صح عنه من تقييده بالرؤية القلبية معارض مرجوح بما صح من تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم - لآيتي سورة النجم ، وهو أنهما في رؤيته - صلى الله عليه وسلم -
لجبريل بصورته التي خلقه الله عليها ، على أن رواية
عكرمة عنه لا يبعد أن تكون مما سمعه من
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار الذي قال فيه
معاوية : " إن كنا لنبلو عليه الكذب " كما في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، ورواية
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق لا يعتد بها في هذا المقام فإنه مدلس ، وهو ثقة في المغازي لا في الحديث ، فالإثبات المطلق عنه مرجوح رواية ، كما هو مرجوح دراية .
وقال شيخ الإسلام
ابن تيمية : إن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنه - لم يقل إنه - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه بعيني رأسه يقظة ، ومن حكى عنه ذلك فقد وهم ، وهذه نصوصه موجودة ليس فيها شيء من ذلك ، وقال : ما نقل عن الإمام
أحمد من إثبات
رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - لربه إنما يعني رؤية المنام فإنه سئل عن ذلك فقال: نعم رآه ، فإن رؤيا الأنبياء حق . ولم يقل إنه رآه بعيني رأسه ، وقال بعد ذكر ما تقدم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ولفظ الإمام
أحمد كلفظ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وأهل السنة متفقون على أن
الله - تعالى - لا يراه أحد بعينيه في الدنيا لا نبي ولا غيره ، ولم يقع النزاع إلا في نبينا - صلى الله عليه وسلم - خاصة مع أن الأحاديث المرفوعة ليس في شيء منها أنه رآه ، وإنما روي ذلك بإسناد موضوع باتفاق أهل الحديث . ا هـ .
[ ص: 131 ] فتوى المنار المشار إليها آنفا ( من ص282 م 19 )