الذين يتبعون الرسول النبي الأمي فصل الاسم الموصول هنا ؛ لأنه بيان مستأنف للموصول الأخير أو للموصولين اللذين قبله معا ، وهم الذين يتقون ويؤتون الزكاة ، والذين يؤمنون بالآيات ، ولو وصله فقال : " والذين يتبعون الرسول النبي الأمي " إلخ . لكان مغايرا لهما في الماصدق في المفهوم بأن يراد بالأخير من يدركون بعثة الرسول النبي الأمي ويتبعونه بالفعل في زمنه
[ ص: 194 ] وبعد زمنه ، ويراد بمن قبلهم من يصدق عليهم معنى صلة الموصولين في زمن
موسى ، وما بعده إلى زمن
محمد - عليهما السلام - ، ومعنى الفصل على الوجه الأخير اتحاد الموصولات الثلاثة في المفهوم والماصدق جميعا ، والمعنى : أن كتابة الرحمة كتبة خاصة هي للمتصفين بما دلت عليه صلات الموصولات الثلاثة ، وإنما هم الذين يتبعون الرسول الموصوف بأنه النبي الأمي نسبة إلى الأم ، والمراد به الذي لا يقرأ ولا يكتب ، وكان
أهل الكتاب يسمون العرب بالأميين ، ولعله كان لقبا
لأهل الحجاز ومن جاورهم دون
أهل اليمن . لكن ظاهر قوله - تعالى - في الخونة من
اليهود ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ( 3 : 75 ) العموم وليس بنص فيه ، وقال - تعالى - :
هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ( 62 : 2 ) ولم ينقل أن الله - تعالى - بعث نبيا أميا غير نبينا - صلى الله عليه وسلم - فهو وصف خاص لا يشارك
محمدا - صلى الله عليه وسلم - فيه أحد من النبيين ،
والأمية آية من أكبر آيات نبوته ، فإنه جاء بعد النبوة بأعلى العلوم النافعة ، وهي ما يصلح ما فسد من عقائد البشر وأخلاقهم وآدابهم وأعمالهم وأحكامهم ، وعمل بها فكان لها من التأثير في العالم ما لم يكن ولن يكون لغيره من خلق الله ، وتعريف الرسول والنبي الموصوف بالأمية كلاهما للعهد كما يعلم مما سنبينه من بشارات الأنبياء بنبينا - صلى الله عليه وسلم -
والرسول في اصطلاح الشرع أخص من النبي فكل رسول نبي ، وما كل نبي رسول ؛ ولذلك جعل بعض المفسرين نكتة تقديم الرسول على النبي هنا كونه أهم وأشرف أو أنهما ذكرا هنا بمعناهما اللغوي كقوله :
وكان رسولا نبيا وما أشرنا إليه من نكتة التقديم أظهر ، وهو النبي الأمي وصف مميز للرسول الذي يجب على كل أحد اتباعه متى بعث ، وأن الرسول هو المعروف الذي نزل فيه
وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ( 3 : 81 ) إلى آخر آيته المعروفة في سورة آل عمران .
والنبي في اللغة ( فعيل ) من مادة النبأ بمعنى الخبر المهم العظيم الشأن ، أو بمعنى الارتفاع وعلو الشأن والأول أظهر ، وأكثر العرب لا تهمزه بل نقل أنه لم يهمزه إلا
أهل مكة ، ولكن
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003355النبي - صلى الله عليه وسلم - أنكر على رجل قال له : يا نبيء الله ، وأما في الاصطلاح ؛
فالنبي من أوحى الله إليه ، وأنبأه بما لم يكن يعلم بكسبه من خبر أو حكم يعلم به علما ضروريا أنه من الله - عز وجل - ،
والرسول نبي أمره الله - تعالى - بتبليغ شرع ودعوة دين وبإقامته بالعمل ، ولا يشترط في الوحي إليه أن يكون كتابا يقرأ وينشر ، ولا شرعا جديدا يعمل به ويحكم بين الناس
[ ص: 195 ] بل قد يكون تابعا لشرع غيره كالرسل من
بني إسرائيل كانوا متبعين لشريعة التوراة عملا وحكما بين الناس كما قال - تعالى - :
إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ( 5 : 44 ) الآية .
وقد يكون ناسخا لبعضه كما
نسخ عيسى - صلى الله عليه وسلم - بعض أحكام التوراة وأقر أكثرها ، كما يدل على ذلك مثل قوله - تعالى - حكاية لما خاطب به
بني إسرائيل :
ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ( 3 : 50 ) وسيرته المأثورة عن الإنجيليين الأربعة وغيرهم تدل على ذلك . ففيها أنه ما جاء لينقض الناموس ( أي : التوراة ) وإنما جاء ليتمم ، وأنه أحل لهم بعض ما حرم عليهم حتى ما دل عليه عموم ترك العمل يوم السبت فخصه بغير العمل الصالح من أمور الدنيا ، بل نرى فرق
النصارى الرسميين بعد تكوين نظام الكنيسة قد تركوا ما عدا الوصايا العشر من شريعة التوراة ، واستبدلوا يوم الأحد بيوم السبت فيما حرمت الوصايا من العمل فيه ، وخالف الأكثرون وصية النهي عن اتخاذ الصور والتماثيل ، ولكن لا يستطيعون أن يأتوا بدليل على هذا من قول
المسيح ولا من فعله .
وجملة القول أن
الرسول أخص في عرف شرعنا من النبي ، فكل رسول نبي ولا عكس ، وإذا أطلق الرسول بالمعنى الذي يعم رسل الملائكة كان من هذا الوجه أعم من النبي ؛ لأن
الله اصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس ، ولم يجعل فيهم أنبياء . فنبينا - صلى الله عليه وسلم - نبي رسول ،
وجبريل - عليه السلام - رسول غير نبي ،
وآدم - عليه السلام - نبي غير رسول كأكثر أنبياء إسرائيل ، وهذا على قول المحققين في نص حديث الشفاعة في الصحيحين وغيرهما الناطق بأن
نوحا أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض ، وقد تقدم في الكلام على عدد الرسل من تفسير سورة الأنعام جواز تسميته رسولا في عرف بعض أهل الكلام ، وأنهم لهذا العرف عدوه من الرسل الذين تجب معرفة رسالتهم ، وأول هؤلاء حديث الشفاعة تأويلات تجدها هنالك .