( الأمر السابع )
إن أهل الكتاب سلفا وخلفا عادتهم جارية بأنهم يترجمون غالبا الأسماء في تراجمهم ، ويوردون بدلها معانيها ، وهذا خبط عظيم ومنشأ للفساد ، وأنهم يزيدون تارة شيئا بطريق التفسير في الكلام الذي هو كلام الله في زعمهم ، ولا يشيرون إلى الامتياز ، وهذان الأمران بمنزلة الأمور العادية عندهم ، ومن تأمل في تراجمهم المتداولة بألسنة مختلفة وجد شواهد تلك الأمور كثيرة ، وأنا أورد أيضا بطريق الأنموذج بعضا منها .
1 - في الآية الرابعة عشرة من الباب السادس عشر من سفر التكوين في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 وسنة 1831 هكذا ( لذلك دعت اسم تلك البير بير الحي الناظرني ) فترجموا اسم البئر الذي كان في العبراني بالعربي .
2 - وفي الآية الرابعة عشرة من الباب الثاني والعشرين من سفر التكوين في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 ( هكذا سمى
إبراهيم اسم ذلك الموضع مكان يرحم الله زائره ) وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 ( دعا
إبراهيم اسم ذلك الموضع الرب يرى ) فترجم المترجم الأول الاسم العبراني بمكان يرحم الله زائره ) والمترجم الثاني بالرب يرى .
3 - وفي الآية العشرين من الباب الحادي والثلاثين من سفر التكوين في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1652 وفي سنة 1844 هكذا ( فكتم
يعقوب أمره عن حميه ) وفي ترجمة أردو ( الترجمة الأوردية ) المطبوعة سنة 1825 لفظ لابان موضع حميه ، فوضع مترجمو العربية لفظ الحمي موضع الاسم .
4 - وفي الآية العاشرة من الباب التاسع والأربعين من سفر التكوين في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 وسنة 1844 ( فلا يزول القضيب من
يهوذا والمدبر من فخذه حتى يجيء الذي له الكل وإياه تنتظر الأمم ) فقوله : ( الذي له الكل ) ترجمة لفظ " شيلوه " وهذه الترجمة موافقة للترجمة اليونانية ، وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 فلا يزول القضيب من
يهوذا والرسم من تحت أمره إلى أن يجيء الذي هو له ، وإليه يجتمع الشعوب ( وهذا المترجم ترجم لفظ شيلوه ( بالذي هو له ) وهذه الترجمة موافقة للترجمة السريانية ، وترجم هذا اللفظ محققهم المشهور ليكرك بعاقبته ، وفي ترجمة أردو المطبوعة سنة 1825 وقع
[ ص: 212 ] لفظ شيلا ، وفي الترجمة اللاتينية ولتكيت ( الذي سيرسل ) فالمترجمون ترجموا لفظ شيلوه بما ظهر وترجح عندهم ، وهذا اللفظ كان بمنزلة الاسم للشخص المبشر به .
5 - وفي الآية الرابعة عشرة من الباب الثالث من سفر الخروج في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 وسنة 1844 ( فقال الله
لموسى : أهيه أشراهيه ) وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 ( قال له الأزلي الذي لا يزال ) فلفظ أهيه أشراهيه كان بمنزلة اسم الذات ، فترجمه المترجم الثاني بالأزلي الذي لا يزال .
6 - وفي الآية الحادية عشرة من الباب الثامن من سفر الخروج في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 وسنة 1844 هكذا ( تبقى في النهر فقط ) وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 هكذا ( تبقى في النيل فقط ) .
7 - وفي الآية الخامسة عشرة من الباب السابع عشر من سفر الخروج في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 وسنة 1844 هكذا ( فابتنى
موسى مذبحا ودعا اسمه الرب عظمتي ) وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 ( وبنى مذبحا وسماه الله علمي ) وترجمة أردو موافقة لهذه الأخيرة فأقول مع قطع النظر عن الاختلاف إن المترجمين ترجموا الاسم العبراني .
8 - وفي الآية الثالثة والعشرين من الباب الثلاثين من سفر الخروج في الترجمتين المذكورتين هكذا ( من ميعة فائقة ) وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 ( من المسك الخالص ) وبين الميعة والمسك فرق ما فسروا الاسم العبراني بما ترجح عندهم .
9 - وفي الآية الخامسة من الباب الرابع والثلاثين من سفر الاستثناء ( أي : التثنية ) في الترجمتين المذكورتين هناك ( فمات هناك
موسى عبد الرب ( وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 هكذا ( فمات هناك
موسى رسول الله ) فهؤلاء المترجمون لو بدلوا في البشارات المحمدية لفظ رسول الله بلفظ آخر فلا استبعاد منهم .
10 ، 11 تركنا الشاهدين للاختصار .
12 - وفي الآية الرابعة عشرة من الباب الحادي عشر من إنجيل
متى في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 وسنة 1844 هكذا ( فإن أردتم تقبلوه فهو
إيليا المزمع أن يأتي ) وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1816 ( فإن أردتم أن تقبلوه فهذا هو المزمع بالإتيان )
[ ص: 213 ] فالمترجم الأخير بدل لفظ
إيليا بهذا ، فأمثال هؤلاء لو بدلوا أسماء من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - في البشارة فلا عجب .
13 - وفي الآية الأولى من الباب الرابع من إنجيل
يوحنا في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 وسنة 1831 وسنة 1844 هكذا ( لما علم
يسوع ) وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1816 وسنة 1860 ( لما علم الرب ) فبدل المترجمان الأخيران لفظ
يسوع - الذي كان علم
عيسى - عليه السلام - بالرب الذي هو من الألفاظ التعظيمية ، فلو بدلوا اسما من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالألفاظ التحقيرية لأجل عادتهم وعنادهم فلا عجب .
وهذه الشواهد تدل على ترجمة الأسماء وإيراد لفظ آخر بدلها : 1 - في الباب السابع والعشرين من إنجيل
متى هكذا ( ونحو الساعة التاسعة صرخ
يسوع بصوت عظيم قائلا : ايلي ايلي ، لماذا شبقتني ؟ أي : إلهي إلهي لماذا تركتني ) وفي الباب الخامس عشر من إنجيل
مرقس هكذا ( وفي الساعة التاسعة صرخ
يسوع بصوت عظيم قائلا الوي الوي لماذا شبقتني ، الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني ) فلفظ : أي : إلهي إلهي لماذا تركتني في إنجيل
متى ، وكذا لفظ " الذي تفسيره إلهي لماذا تركتني " في إنجيل
مرقس ، ليسا من كلام الشخص المصلوب يقينا ، بل ألحقا بكلامه .
2 - في الآية السابعة عشرة من الباب الثالث من إنجيل
مرقس هكذا ( لقبها ببوان رجس أي : ابني الرعد ) فلفظ " أي : ابني الرعد " ليس من كلام
عيسى - عليه السلام - ، بل هو إلحاقي .
3 - في الآية الحادية والأربعين من الباب الخامس من إنجيل
مرقس هكذا ( وقال لها طليثا قومي ، الذي تفسيره يا صبية لك أقول قومي ) فهذا التفسير إلحاقي ليس من كلام
عيسى - عليه السلام - .
4 - في الآية الرابعة والثلاثين من الباب السابع من إنجيل
مرقس في الترجمة المطبوعة سنة 1816 ( ونظر إلى السماء وتأوه وقال : افثا يعني انفتح ) وفي الترجمة العربية المطبوعة المطبوعة سنة 1811 ( ونظر إلى السماء وتنهد وقال : افاثا ، الذي هو انفتح ، وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 هكذا ( ونظر إلى السماء وتنهد وقال له : انفتح الذي هو انفتح ، وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1860 هكذا ( ورفع نظره نحو السماء وقال له : افثا أي : انفتح ) ومن هذه العبارة وإن لم يعلم صحة اللفظ العبراني أهو افثا أو افاثا أو انفتح لأجل
[ ص: 214 ] اختلاف التراجم التي منشأ اختلافها عدم صحة ألفاظ أصولها ، لكنه يعلم يقينا أن لفظ أي : انفتح أو الذي هو انفتح إلحاقي ليس من كلام
عيسى - عليه السلام - .
وهذه الأقوال المسيحية الأربعة التي نقلتها من الشاهد الأول إلى هاهنا تدل على أن
المسيح - عليه السلام - كان يتكلم باللسان العبراني الذي كان لسان قومه ، وما كان يتكلم باليوناني ، وهو قريب القياس أيضا ؛ لأنه كان عبرانيا ابن عبرانية نشأ في قومه العبرانيين ، فنقل أقواله في هذه الأناجيل في اليوناني نقل بالمعنى ، وهذا أمر آخر زائد على كون أقواله مروية برواية الآحاد .
5 - في الآية الثامنة والثلاثين من الباب الأول من انجيل
يوحنا هكذا ( فقالا له : ربي الذي تفسيره يا معلم ) فقوله : الذي تفسيره يا معلم - إلحاقي ليس من كلامهما .
6 - في الآية الحادية والأربعين من الباب المذكور في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 وسنة 1844 ( قد وجدنا مسيا الذي تأويله
المسيح ) وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1816 ( ما مسيح راكة ترجمة آن كرسطوس ميباشمد يا فتيم ) وترجمة أردو المطبوعة سنة 1814 توافق الفارسية ، فيعلم من الترجمتين العربيتين أن اللفظ الذي قاله
أندراوس هومسيا وأن
المسيح ترجمته ، ومن الترجمة الفارسية وأردو ( أي : الترجمة الأوردية ) أن لفظ الأصل هو
المسيح وكرسطوس ترجمته ، ويعلم من ترجمة أردو المطبوعة سنة 1839 أن لفظ الأصل خرسته ، وأن
المسيح ترجمته ، فلا يعلم من كلامهم أي لفظ كان الأصل ؟ أمسيا أم
المسيح أم خرسته ؟ وهذه الألفاظ وإن كان معناها واحدا لكن لا شك أن الذي قاله
أندراوس هو واحد من هذه الثلاثة يقينا ، وإذا ذكر اللفظ والتفسير فلا بد من ذكر لفظ الأصل أولا ، ثم من ذكر تفسيره ، لكني أقطع النظر عن هذا وأقول : إن التفسير المشكوك فيه أياما كان إلحاقي ليس من كلام
أندراوس .
7 - في الآية الثانية والأربعين من الباب الأول من إنجيل
يوحنا قول
عيسى - عليه السلام - في حق
بطرس الحواري في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 هكذا ( أنت تدعى
ببطرس الذي تأويله الصخرة ) وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1816 ( ستسمى أنت بالصفا المفسر
ببطرس ) وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1816 ( ترابكيفاس كه ترجمة : آن سنك است تداخوا هند كرد ) . أمطر الله حجارة على تحقيقهم وتصحيحهم لا يتميز المفسر من كلامهم عن المفسر ، لكني أقطع النظر عن هذا وأقول : إن التفسير ليس من كلام
المسيح - عليه السلام - بل هو إلحاقي ، وإذا كان حال تراجمهم وحال تحقيقهم في لقب إلههم ولقب خليفته كما علمت فكيف نرجو منهم صحة بقاء لفظ
محمد أو
أحمد أو لقب من ألقابه - صلى الله عليه وسلم - ! .
[ ص: 215 ] ( ثم قال بعد إيراد شواهد أخرى ما نصه ) : فإذا كانت خصلة أهل الدين والديانة ما عرفت فما ظنك بغير أهل الديانة ؟ بل الحق أن التحريف القصدي بالتبديل بالزيادة والنقصان من خصالهم كلهم أجمعين ، فبعض الأخبار التي نقلها العلماء الأسلاف من أهل الإسلام ، مثل الإمام
القرطبي وغيره إذا لم تجدها موافقة في بعض الألفاظ للتراجم المشهورة الآن فسببه غالبا هذا التغيير ؛ لأن هؤلاء العلماء من أهل الإسلام نقلوا عن الترجمة العربية التي كانت رائجة في عهدهم ، وبعد زمانهم وقع الإصلاح في تلك الترجمة ، ويحتمل أن يكون ذاك السبب اختلاف التراجم لكن الأول هو المعتمد ؛ لأننا نرى أن هذه العادة جارية إلى الآن في تراجمهم ورسائلهم ، ألا ترى إلى ميزان الحق إلخ .