بشارة إنجيل برنابا .
ذكر الشيخ رحمة الله بعد هذا أنه لم يعن بإيراد البشارات من الكتب التي يعدها
أهل الكتاب غير قانونية إلا بشارة إنجيل
برنابا ، وقد نقلها عن مقدمة ترجمة
القسيس سايل الإنكليزي للقرآن المجيد ، وهذه ترجمتها : ( اعلم يا
برنابا أن الذنب وإن كان صغيرا يجزي الله عليه ؛ لأن الله غير راض عن الذنب ، ولما اكتسب أمي وتلاميذي لأجل الدنيا سخط الله لأجل هذا الأمر ، وأراد باقتضاء عدله أن يجزيهم في هذا العالم على هذه العقيدة غير اللائقة ليحصل لهم النجاة من عذاب جهنم ، ولا يكون لهم أذية هناك ، وإني وإن كنت بريا لكن بعض الناس لما قالوا في حقي إنه الله وابن الله كره الله هذا القول ، واقتضت مشيئته ألا تضحك الشياطين يوم القيامة مني
[ ص: 249 ] ولا يستهزئون بي ، فأراد بمقتضى لطفه ورحمته أن يكون الضحك والاستهزاء في الدنيا بسبب موت
يهوذا ، ويظن كل شخص أني صلبت ، لكن هذه الإهانة والاستهزاء تبقيان إلى أن يجيء
محمد رسول الله ، فإذا جاء في الدنيا ينبه كل مؤمن على هذا الغلط وترتفع هذه الشبهة من قلوب الناس " ترجمة كلامه .
أقول : هذه البشارة عظيمة وإن اعترضوا بأن هذا الإنجيل رده مجالس علمائنا السلف أقول : لا اعتبار لردهم وقبولهم كما علمت بما لا مزيد عليه في الباب الأول ، وهذا الإنجيل من الأناجيل القديمة ، ويوجد ذكره في كتب القرن الثاني والثالث ، فعلى هذا كتب هذا الإنجيل قبل ظهور
محمد - صلى الله عليه وسلم - بمائتي سنة ولا يقدر أحد أن يخبر بغير الإلهام بمثل هذا الأمر قبل وقوعه بمائتي سنة فلا بد أن يكون هذا قول
عيسى - عليه السلام - . وإن قالوا إن أحدا من المسلمين حرف هذا الإنجيل بعد ظهور
محمد - صلى الله عليه وسلم - قلت هذا الاحتمال بعيد جدا ؛ لأن المسلمين ما التفتوا إلى هذه الأناجيل الأربعة أيضا فكيف إلى إنجيل
برنابا ، ويبعد أن يؤثر تحريف أحد من المسلمين في إنجيل
برنابا تأثيرا تغير به النسخ الموجودة عند
المسيحيين أيضا وهم يزعمون أن علماء
أهل الكتاب من
اليهود والنصارى الذين أسلموا نقلوا عن كتب العهدين البشارات المحمدية وحرفوها فعلى زعمهم أقول إن هؤلاء العلماء الكبار حرفوا على زعمهم ، ولم يؤثر تحريفهم في كتبهم التي كانت موجودة عندهم في مواضع هذه البشارات ، فكيف أثر تحريف بعض المسلمين في إنجيل
برنابا في النسخ التي كانت عندهم ؟ فهذا الاحتمال واه ضعيف جدا ، واجب الرد اهـ .
وقد ختم الشيخ ( رحمة الله ) - رحمه الله تعالى - هذه البشارات بتنبيه ذكر فيه القارئ بما بينه مفصلا من اختلاف
النصارى في ترجمة كتبهم والتغيير فيها زمنا بعد زمن ؛ لئلا يظن من اطلع على ما أورده ورآه مخالفا لغير الترجمات التي نقل عنها أنه هو المخطئ فيما نقله ، وهذا مشهور لا يستطيعون إنكاره .
بعد هذا أقول : إن الشيخ رحمة الله لم ير إنجيل
برنابا وإنما نقل هذه البشارة من مقدمة
سايل المستشرق الإنجليزي لترجمته للقرآن المجيد ،
وسايل هذا قد اطلع على إحدى النسختين
[ ص: 250 ] اللتين وجدتا من هذا الإنجيل في أول القرن الثامن عشر ، وهي النسخة الأسبانية وقد فقدت ، إذ كان المتعصبون من
النصارى يتلفون كل ما عثروا عليه من هذا الإنجيل وغيره من الأناجيل التي تعدها الكنيسة غير قانونية ، وأما النسخة الأخرى فهي باللغة الإيطالية القديمة وكانت في خزانة كتب ( الفاتيكان ) فسرقها منها راهب اسمه (
مرينو ) في أواخر القرن السادس عشر ، ويظن أنها هي النسخة الموجودة الآن في خزانة كتب بلاط (
فيينا ) وقد ترجمت هذه النسخة بالإنكليزية في هذا العصر فسعينا إلى ترجمتها بالعربية سنة 1325 وطبعناها طبعا دقيقا في مطبعة المنار ، وإننا ننقل عنها هنا نص بعض بشاراته بنبينا - صلى الله عليه وسلم - غير البشارة التي نقلها الشيخ رحمة الله إذ هي متعددة .
جاء في الفصل الثاني والسبعين من هذا الإنجيل أن
المسيح - عليه السلام - أخبر
الحواريين أنه سينصرف عن هذا العالم ثم قال : ( 7 فبكى حينئذ الرسل قائلين : يا معلم لماذا تتركنا ، لأن الأحرى بنا أن نموت من أن تتركنا 8 أجاب
يسوع : لا تضطرب قلوبكم ولا تخافوا 9 لأني لست أنا الذي خلقكم ، بل الله الذي خلقكم يحميكم 10 أما من خصوصي فإني قد أتيت لأهيئ الطريق لرسول الله الذي سيأتي بخلاص العالم 11 ولكن احذروا أن تغشوا ؛ لأنه سيأتي أنبياء كذبة كثيرون يأخذون كلامي وينجسون إنجيلي .
12 حينئذ قال
اندراوس : يا معلم اذكر لنا علامة لنعرفه 13 أجاب
يسوع : أنه لا يأتي في زمنكم بل يأتي بعدكم بعدة سنين حينما يبطل إنجيلي ، ولا يكاد يوجد ثلاثون مؤمنا 14 في ذلك الوقت يرحم الله العالم فيرسل رسوله الذي تستقر على رأسه غمامة بيضاء ، يعرفه أحد مختاري الله وهو سيظهره للعالم 15 وسيأتي بقوة عظيمة على الفجار ويبيد عبادة الأصنام من العالم 16 وإني أسر بذلك ؛ لأنه بواسطته سيعلن ويمجد الله ويظهر صدقي 17 وسينتقم من الذين سيقولون إني أكبر من إنسان 18 الحق أقول لكم : إن القمر سيعطيه رقادا في صباه ، ومتى كبر هو أخذه بكفيه 19 فليحذر العالم أن ينبذه ؛ لأنه سيفتك بعبدة الأصنام 20 فإن
موسى عبد الله قتل أكثر من ذلك كثيرا ، ولم يبق
يشوع على المدن التي أحرقوها وقتلوا الأطفال 21 لأن القرحة المزمنة يستعمل لها الكي ) . ( 22 وسيجيء بحق أجلى من سائر الأنبياء وسيوبخ من لا يحسن السلوك في العالم 23 وسيحيي طربا أبراج مدينة آبائنا بعضها بعضا 24 فمتى شوهد سقوط عبادة الأصنام إلى الأرض ، واعترف بأني بشر كسائر البشر . فالحق أقول لكم : أن نبي الله حينئذ يأتي
[ ص: 251 ] وجاء في الفصل السادس والتسعين من
محاورة بين المسيح ورئيس كهنة اليهود : أن الكاهن سأله عن نفسه فأجاب بذكر اسمه واسم أمه ، وبأنه بشر ميت ثم قال الإنجيل ما نصه : ( 3 أجاب الكاهن : أنه مكتوب في كتاب
موسى أن إلها سيرسل لنا مسيا الذي سيأتي ليخبرنا بما يريد الله ، وسيأتي للعالم برحمة الله 4 لذلك أرجوك أن تقول لنا الحق هل أنت مسيا الله الذي ننتظره ؟ .
( 5 أجاب
يسوع : حقا إن الله وعد هكذا ولكني لست هو ; لأنه خلق قبلي وسيأتي بعدي .
( 6 أجاب الكاهن : إننا نعتقد من كلامك وآياتك على كل حال أنك نبي وقدوس الله 7 لذلك أرجوك باسم اليهودية كلها وإسرائيل أن تفيدنا حبا في الله بأية كيفية سيأتي مسيا ؟ ) ( 8 أجاب
يسوع : لعمر الله الذي تقف بحضرته نفسي إني لست مسيا الذي تنتظره كل قبائل الأرض كما وعد الله أبانا
إبراهيم قائلا : بنسلك أبارك كل قبائل العرب 9 ولكن عندما يأخذني الله من العالم سيثير الشيطان مرة أخرى لهذه الفتنة الملعونة بأن يحمل عادم التقوى على الاعتقاد بأني الله وابن الله 10 فيتنجس بسبب هذا كلامي وتعليمي حتى لا يكاد يبقى ثلاثون مؤمنا 11 حينئذ يرحم الله العالم ، ويرسل رسوله الذي خلق كل الأشياء لأجله 12 الذي سيأتي من الجنوب بقوة وسيبيد الأصنام وعبدة الأصنام 13 وسينتزع من الشيطان سلطته على البشر 14 وسيأتي برحمة الله لخلاص الذين يؤمنون به 15 وسيكون من يؤمن بكلامه مباركا .
ثم قال في الفصل 97 ما نصه : ( 1 ومع أني لست مستحقا أن أحل سير حذائه قد نلت نعمة ورحمة من الله لأراه ) .
( 2 فأجاب حينئذ الكاهن مع الوالي والملك قائلين لا تزعج نفسك يا
يسوع قدوس الله ; لأن هذه الفتنة لا تحدث في زمننا مرة أخرى ; لأننا سنكتب إلى مجلس الشيوخ الروماني المقدس بإصدار أمر ملكي أن لا أحد يدعوك فيما بعد الله أو ابن الله ( 4 ) فقال حينئذ
يسوع : إن كلامكم لا يعزيني ; لأنه يأتي ظلام حيث ترجون النور 5 ولكن تعزيتي هي في مجيء الرسول الذي سيبيد كل رأي كاذب في وسيمتد دينه ويعم العالم بأسره ; لأنه هكذا وعد الله أبانا
إبراهيم 6 وأن ما يعزيني هو وأن لا نهاية لدينه لأن الله سيحفظه صحيحا ) . ( 7 أجاب الكاهن : أيأتي رسل آخرون بعد مجيء رسول الله ؟ )
[ ص: 252 ] ( 8 فأجاب
يسوع : لا يأتي بعده أنبياء صادقون مرسلون من الله 9 ولكن يأتي عدد غفير من الأنبياء الكذبة وهو ما يحزنني 10 ; لأن الشيطان سيثيرهم بحكم الله العادل فيتسترون بدعوى إنجيلي .
( 11 أجاب
هيدروس : كيف أن مجيء هؤلاء الكافرين يكون بحكم الله العادل ؟ .
( 12 أجاب
يسوع : من العدل أن من لا يؤمن بالحق لخلاصه يؤمن بالكذب للعنته 13 لذلك أقول لكم : إن العالم كان يمتهن الأنبياء الصادقين دائما وأحب الكاذبين كما يشاهد في أيام ميشع وأرميا ; لأن الشبيه يحب شبيهه ) .
( 13 فقال الكاهن حينئذ : ماذا يسمى مسيا ؟ وما هي العلامة التي تعلن مجيئه 14 أجاب
يسوع : إن اسم مسيا عجيب ; لأن الله نفسه سماه لما خلق نفسه ووضعها في بهاء سماوي 15 قال الله : اصبر يا
محمد ; لأني لأجلك أريد أن أخلق الجنة والعالم وجما غفيرا من الخلائق التي أهبها لك ، حتى إن من يباركك يكون مباركا ، ومن يلعنك يكون ملعونا 16 ومتى أرسلتك إلى العالم أجعلك رسولي للخلاص وتكون كلمتك صادقة ، حتى إن السماء والأرض تهنان ، ولكن إيمانك لا يهن أبدا 17 إن اسمه المبارك
محمد .
( 18 حينئذ رفع الجمهور أصواتهم قائلين : يا الله أرسل لنا رسولك يا
محمد تعال سريعا لخلاص العالم ! ) اهـ .
وأما البشارة التي نقلها الشيخ رحمه الله في إظهار الحق فهي من الفصل العشرين بعد المائتين ، وليس بعده غير فصلين من هذا الإنجيل ، وترجمتها قريبة من الترجمة الأخيرة للإنجيل كله .