تنبيه
لقد كان من مواضع ارتياب الباحثين من علماء
أوربة في هذا الإنجيل ذكره لخاتم النبيين ـ صلى الله عليه وسلم ـ باسمه العلم عند المسلمين (
محمد ) وقد ذهب بعضهم إلى أن بعض المسلمين قد دسوا فيه ذلك ، وقوى شبهتهم ما وجد من التعليقات العربية على حواشي النسخة الطليانية الموجودة منه إلى هذا العهد .
وقد فندنا هذه الشبهة في مقدمتنا لطبعة هذا الإنجيل العربية بما بيناه من استحالة صدور هذه الحواشي عن مسلم ، فإنها على فساد لغتها وعجمتها مخالفة لما يعرفه كل مسلم عربيا كان أو عجميا ; لأنه من أذكار الدين ككلمة سبحان الله فهي تذكر في هذه الحواشي بتقديم المضاف
[ ص: 253 ] إليه على المضاف هكذا " الله سبحان " وبعد أن أوردنا في المقدمة أمثلة أخرى كهذه قلنا : " ولذلك أمثلة أخرى : أضف إليها عدم اطلاع المسلمين في الأندلس وغيرها على هذا الإنجيل كما حققه الدكتور
مرجليوث المستشرق الإنكليزي . مؤيدا تحقيقه بخلو كتب المسلمين الذين ردوا على
النصارى من ذكره ، وناهيك
بابن حزم الأندلسي
وابن تيمية المشرقي ، فقد كانا أوسع علماء المسلمين في الغرب والشرق اطلاعا كما يعلم من كتبهما ولم يذكرا في ردهما على
النصارى هذا الإنجيل .
" بقي أمر يستنكره الباحثون في هذا الإنجيل بحثا علميا لا دينيا أشد الاستنكار وهو تصريحه باسم " النبي
محمد " عليه الصلاة والسلام قائلين . لا يعقل أن يكون ذلك كتب قبل ظهور الإسلام ; إذ المعهود في البشارات أن تكون بالكنايات والإشارات ، والعريقون في الدين لا يرون مثل ذلك مستنكرا في خبر الوحي . وقد نقل الشيخ
محمد بيرم عن رحالة إنكليزي أنه رأى في دار الكتب البابوية في الفاتيكان نسخة من الإنجيل مكتوبة بالقلم الحميري قبل بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفيها يقول المسيح ( ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ) وذلك موافق لنص القرآن بالحرف ، ولكن لم ينقل عن أحد من المسلمين أنه رأى شيئا من هذه الأناجيل التي فيها هذه البشارات الصريحة ، فيظهر أن في مكتبة الفاتيكان من بقايا تلك الأناجيل والكتب التي كانت ممنوعة في القرون الأولى ما لو ظهر لأزال كل شبهة عن إنجيل
برنابا وغيره .
" على أنه لا يبعد أن يكون مترجم باللغة الإيطالية قد ذكر اسم "
محمد " ترجمة ، أن يكون قد ذكر في الأصل الذي ترجم هو عنه بلفظ يفيد معناه كلفظ الفارقليط ، ومثل هذا التساهل معهود عند المسيحيين في الترجمة كما بينه الشيخ رحمه الله بالشواهد الكثيرة من كتبهم في الأمر السابع من المسلك السادس من الباب السادس من كتابه إظهار الحق ، وزاده بعد ذلك بيانا في البشارة الثامنة عشرة " اهـ .
وإنني أزيد مثالا على ما سبق من اختلاف ترجمة الأعلام والألقاب والصفات في كتب
أهل الكتاب يقرب لفهم القارئ هذه المسألة وهو ما جاء في نبوة النبي حجى من البشارة بنبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :
بشارة النبي حجى بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
" 2 : 6 هكذا قال رب الجنود : هي مرة بعد قليل فأزلزل السماوات والأرض والبحر واليابسة 7 وأزلزل كل الأمم ، ويأتي مشتهى كل الأمم فأملأ هذا البيت مجدا ، قال رب
[ ص: 254 ] الجنود 8 لي الفضة ولي الذهب يقول رب الجنود 9 مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول ، قال رب الجنود 10 وفي هذا المكان أعطي السلام ، يقول رب الجنود " .
أقول قبل كل شيء : إن اسم أو لقب " مشتهى الأمم " وهو في الأصل العبراني عند
اليهود " حمدوت " ومعناه : الذي يحمد فهو صيغة مبالغة من الحمد كملكوت من المالك . فحمدوت الأمم هذا الذي تحمده الأمم ، وهو معنى
محمد ومحمود ، فالأول اسم فاعل من حمده بالتشديد إذا حمده كثيرا ، ومن تحمده الأمم يكون محمودا حمدا كثيرا أي
محمدا . والثاني اسم مفعول من ( حمد ) الثلاثي ،
ومحمود من أسمائه صلى الله عليه وآله وسلم .
فهل بعد هذا يبعد أن يكون لفظ الفارقليط اليوناني مترجما من لفظ حمدوت العبراني ، ونسخ الإنجيل العبرانية التي نقلت ألفاظ
المسيح عليه السلام بحروفها قد فقدت ، ولا ندري سبب فقدها ؟ بل نحن معاشر المسلمين نتهم
مجامع الأساقفة التي تحكمت في الأناجيل القديمة ، فعدت بعضها قانونيا وبعضها غير قانوني ، وصاروا يتلفون ما هو غير قانوني . بل نحن لا نعتد بتنصر القيصر
قسطنطين الأول ولا نعتقد إخلاصه فيه ، بل نعتقد أن ذلك كان عملا سياسيا منه ، وإنه استعان بالمجامع على تحويل النصرانية عن صراط التوحيد إلى وثنية القدماء من اليونانيين وأساتذتهم من قدماء المصريين ، الذين دانوا بعقيدة التثليث قبل
المسيح بألوف من السنين ، ولو بقيت نسخ تلك الأناجيل لكان لأهل العلم الاستقلالي في الغرب والشرق من التحقيق فيها ما لم يكن لأولئك الأساقفة الذين قبلوا منها ما وافق اعتقادهم وردوا ما لم يوافقه ، كأن عقائدهم التقليدية المتأثرة بنصرانية
قسطنطين السياسية بعد ثلاثة قرون خلت
للمسيح هي الأصل ، والأناجيل المأثورة هي الفرع ، تعرض على تلك التقاليد فيقبل منها ما وافقها ويرد ما خالفها ؟ .
وها نحن أولاء نرى إنجيل
برنابا أرقى من هذه الأناجيل الأربعة في العلم الإلهي والثناء على الخالق عز وجل ، وفي علوم الأخلاق والآداب ، والفضائل فإن كان بعض الباحثين كالدكتور
خليل سعادة الذي ترجم لنا هذا الإنجيل يعلل هذا بموافقته لفلسفة
أرسطو التي كانت رائجة في قرون المسيحية الأولى - فإن بعض علماء
أوربة الباحثين المستقلين قد طعن بمثل هذه الشبهة في شريعة
موسى ، وفي آداب الأناجيل الأربعة فقالوا : إن التوراة مستمدة من شرائع المصريين الذين نشأ
موسى في حجر فرعونهم ثم قال بعضهم : إنها مستمدة من شريعة
حمورابي التي هي أصل شرائع البابليين ، وكانت كتابة التوراة الحاضرة بعد النبي البابلي ، وفيها ألوف من الكلمات البابلية - وقالوا : إن الآداب المسيحية مستمدة من كتب
اليونان والرومان في الفلسفة العملية الأخلاق .
[ ص: 255 ] ونحن مع
أهل الكتاب لا نعتد بهذه الشبهات ، ولكنا نقيم الحجة عليهم بها في مثل المقام الذي نحن فيه وأمثاله مما لا محل لبسطه هنا . . . .
ثم إن بقية بشارة حجى لا تصدق على غير نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ
محمد الأمم فهو الذي زلزل رب الجنود ببعثته العالم ، ونصره بالجنود وبالحجة جميعا ، وكان مجد دين الله به أعظم من مجده
بموسى وسائر أنبياء قومه ، وفرضت شريعة الزكاة وخمس الغنائم تنفق في سبيل الله فكانت الفضة والذهب لله - وفي النسخة السبعينية للعهد القديم : إن الآية التاسعة من هذه البشارة ، " إن المجد القديم لهذا البيت أعظم من المجد الذي كان للهيكل الأول " وهذه العبارة أظهر في المراد من ترجمة
النصارى التي نقلنا عنها ، وحسبنا هذا من البشارات الكثيرة ، ومن يهدي الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلا هادي له ونحمده تعالى أن جعلنا من أمة خاتم رسله والدعاة إلى ملته وصلى الله عليه وآله وسلم تسليما .