الباب الثاني
الوحي والكتب والرسالة وفيه 3 فصول فيها 24 أصلا أو مسألة
( ما جاء فيها بشأن القرآن )
( 1 )
إنزال القرآن على خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم للإنذار به وذكرى للمؤمنين ، وهو في الآية الأولى من السورة ، وفيها نهي الرسول أن يكون في صدره حرج منه .
( 2 ) أمر المؤمنين باتباع المنزل إليهم من ربهم وهو القرآن ، وألا يتبعوا من دونه أولياء وهو الآية الثانية ، وبيان أنهم إذا لم يؤمنوا به فلا يرجى أن يؤمنوا بكتاب غيره ، كما قال في آخر الآية 185 :
فبأي حديث بعده يؤمنون .
( 3 )
وصفه تعالى للقرآن بأنه فصله على علم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ، وهو نص الآية 52 .
( 4 ) بيانه تعالى لما سيكون عند إتيان القرآن ، أي ظهور صدقه بوقوع ما أخبر بوقوعه من أمر الغيب ، وهو أن الذين نسوه فلم يؤمنوا به في الدنيا يؤمنون يومئذ ، ويشهدون لجميع الرسل بأنهم جاءوا بالحق ، ويتمنون الشفعاء أو الرد إلى الدنيا ليعملوا غير ما كانوا يعملون وهو في الآية 53 .
( 5 )
ولاية الله لرسوله بإنزال الكتاب عليه في الآية 196 ( 6 ) الأمر
بالاستماع لقراءة القرآن ، والإنصات له رجاء الرحمة بسماعه والاهتداء به .
( ما جاء فيها خاصا بنبينا صلى الله عليه وسلم ) ( 7 ) قوله تعالى في الآية الثانية :
فلا يكن في صدرك حرج منه أي: الكتاب ، هو نهي عن ضيق الصدر بعظمة القرآن ، وجلال الأمر الذي أنزل لأجله ، وشدة وقع سلطانه في القلب ، أو عن ضيقه بمشقة الإنذار به ، والتصدي لهداية جميع البشر ، وقد غلب عليهم الشرك والضلال ، أو بما يتوقع من شدة معارضة الكفار وعدوانهم - وقيل : هو دعاء ، وقيل : هو حكم منه تعالى بمضمونه ( راجع ص 269 وما بعدها ج 8 ط الهيئة )
[ ص: 470 ] ( 8 ) أمره تعالى له بأن يعتز بأنه هو وليه وناصره ، وبأنه تعالى يتولى الصالحين فلا خوف على أتباعه من اضطهاد الكفار لهم ، وهو في الآية 196 وقد ذكرت في مسألة أخرى .
( 9 ) قوله تعالى في الآية 18 :
أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة الآية . وهي تفنيد لرمي بعض مشركي
مكة إياه صلى الله عليه وسلم بالجنون ، يعني أن التفكر الصحيح في حاله صلى الله عليه وسلم من أخلاقه وهديه وسيرته ، وفيما جاء به من العلم والهدى ينفي أن يكون به صلى الله عليه وسلم أدنى مس من الجنون كما زعموا ، فما عليهم إلا أن يتفكروا ( راجع تفسيرها في محله من هذا الجزء )
( 10 ) بيان أنه صلى الله عليه وسلم لم يعط علم الساعة أيان مرساها ، ومتى تقوم ، بل هو من علم الغيب الخاص بالله تعالى وذلك نص الآية 187 .
( 11 ) بيان
أنه صلوات الله وسلامه عليه لا يملك لنفسه - أي ولا لغيره بالأولى - نفعا ولا ضرا - إلا ما مكنه الله منه بتسخير الأسباب من الأعمال الاختيارية - وبيان أنه لا يعلم الغيب مؤيدا بالدليل الحسي والعقلي ، وذلك قوله تعالى :
قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون ( 188 ) راجع تفسيرها في محله من هذا الجزء .
( 12 ) بيان
عموم بعثته ، وشمول رسالته لجميع الأمم والشعوب ومنهم
أهل الكتاب ، والشهادة له في كتبهم يدل عليه في الآية الثانية حذف مفعول
لتنذر به فهو يدل على العموم ، وكذلك الخطاب العام بعده في الأمر باتباع الناس ما أنزل إليهم من ربهم ، وهو القرآن المذكور في الآية الثانية . والنص في إرساله إلى
أهل الكتاب قوله تعالى فيمن يكتب لهم رحمته :
الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ( 157 ) إلخ . وقد بينا في تفسيرها نصوص التوراة والإنجيل المشار إليها فيها ( ص 199 - 255 ج 9 ط . الهيئة ) .
وأما النص الصريح في عموم الرسالة فهو قوله تعالى :
قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ( 158 ) الآية ، وكذا كل خطاب خوطب به بنو آدم في الآيات 26 و 27 و 31 وما بعدها من آيات التشريع العام ، ولكن هذا كله مشترك بين أمة خاتم النبيين ، وأمم الأنبياء قبله ، وأصرح منه في الاشتراك العام ما ترى في أول الكلام في الرسالة العامة .
ما ورد في الرسالة العامة والرسل
( 13 ) بعثة الرسل إلى جميع بني آدم في قوله تعالى :
يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي ( 35 ) إلخ . ويدل على إرسالهم إلى الأمم المختلفة قوله تعالى :
وكم من قرية أهلكناها ( 4 ) إلى آخر الآية الخامسة . فالمراد بالقرى الكثيرة أمم الرسل بدليل ما بعده .
[ ص: 471 ] ( 14 ) سؤاله الرسل يوم القيامة عن التبليغ وسؤال الأمم عن الإجابة وهو نص الآية السادسة .
( 15 )
جزاء بني آدم على اتباع الرسل وطاعتهم ، وعلى تكذيبهم إياهم واستكبارهم عن اتباعهم وهو في الآيتين 35 و 36 .
( 16 )
وظيفة الرسل تبليغ رسالات ربهم : بشارة وإنذارا ، قولا وعملا ، وهو صريح في الآيات : 2 و 62 و 93 و 188 .
( 17 )
أول ما دعا إليه الرسل توحيد الألوهية بالأمر بعبادة الله وحده ، ونفي عبادة إله غيره ، كما هو صريح في الآيات 59 و 65 و 70 و 73 و 85 .
( 18 ) مجيء الرسل بالبينات من الله تعالى ، وهي تشمل الآيات الكونية والحجج العقلية كما ترى في الآيات 13 و 85 و 103 و 105 و 107 و 108 .
( 19 )
الآيات الكونية التي أيد الله تعالى بها رسله هي حجة لهم على الأمم ، وهي غير مقتضية للإيمان اقتضاء عقليا ، ولا ملجئة إليه طبعا ، ولو كانت مقتضية له قطعا أو ملجئة إليه طبعا لما تخلف عنها ، ولكان خلاف مقتضى التكليف المبني على الاختيار ، والملجأ لا يستحق جزاء . ونحن نرى في قصة
موسى مع
فرعون وقومه من هذه السورة وغيرها أن السحرة قد آمنوا يقينا على علم ، وأن الجماهير من قومه ظلوا على كفرهم ، ولكن الله تعالى أخبرنا في سورة النمل أنه لما جاءتهم الآية الكبرى قالوا إنها لسحر مبين
وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ( 27 : 14 ) أي: عاندوا
موسى عليه السلام عنادا بإظهار الكفر بها في الظاهر مع استيقانها في الباطن ، وأن سبب هذا الجحود هو الظلم والعلو والكبرياء في الأرض ، وهذا وصف
فرعون وملئه أي كبار رجال دولته ، إذ من المعلوم أن سائر الشعب كان مستذلا . وهو مقلد للرؤساء لجهله ، وقد صدقهم في قولهم: إن
موسى ساحر ، وإن السحرة كانوا متواطئين معه ، ولذلك أظهروا الإيمان به; لأجل إخراج
فرعون ورجال دولته من
مصر ، والتمتع بكبرياء الملك بدلا منهم كما تدل عليه آيات أخرى ، ولو فهم جمهور الشعب من الآيات ما فهموا لآمن كما آمنوا ; لأنه لم يكن لديه من عتو العلو والكبرياء ما يصرفه عن الإيمان ، ولا شك أن السحرة كانوا أكرم منزلة في الدولة من سائر الشعب ، ولكن كرامتهم لم تكن بالغة درجة العظمة والعلو المانعة لصاحبها من تركها لأجل الحق ، وقد امتاز خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم بأن جعل الله آية نبوته الكبرى علمية لا صعوبة في فهم دلالتها على عامي ولا خاصي ، على أنه أيده في زمنه بعدة آيات كونية .
[ ص: 472 ] ( 20 ) نصيحة الرسل للأمم وأمرهم بالحق والفضيلة ونهيهم عن ضدهما كما في الآيات 62 و 63 و 68 و 74 و 79 و 80 و 85 و 86 و 93 .
( 21 ) شبهة الأمم على الرسل التي أثارت تعجبهم واستنكارهم هي كون مدعي الرسالة رجلا مثلهم كما في الآية 63 و 69 .
( 22 ) اتهام الكفار رسل الله بالسحر كما فعل
فرعون والملأ من قومه باتهام
موسى في الآية 109 وما يليها من الآيات في قصة سحرة المصريين مع
موسى . وهي شبهة جميع أقوام الرسل على آياتهم من حيث إن كلا منها أمر غريب لا يعرفون سببه ، ومن خطأ المتكلمين التفرقة بين المعجزة والسحر باختلاف حال الأشخاص ، وقد عقدنا في تفسير الآيات فصلا في حقيقة السحر وأنواعه لا يجد القارئ مثله في شيء من تفاسيرنا وكتبنا الكلامية وهو في ص41 - 52 ج 9 ط الهيئة .
( 23 ) عقاب الأمم على تكذيب الرسل وهو في الآيات 64 و 72 و 78 و 84 و 91 و 92 و 133 و 136 و 137 .
( 24 ) قصص
نوح وهود وصالح ولوط وشعيب . وهي من آية 59 إلى 93 ، وقصة
موسى مع
فرعون وقومه وسحرته من آية 103 إلى 137 ، وقصته مع قومه وحدهم من 138 - 171 وفيها من العبر والفوائد ما ذكر بعضه في أبواب من هذه الخلاصة ، وبقي ما سبب إنزالها وإنزال غيرها من المقاصد المصرح بها في غير هذه السورة ، ككونها من أخبار الغيب الماضية الدالة على كون القرآن وحيا من الله تعالى
تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ( 11 : 49 ) وكونها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عما يلاقي من إعراض المشركين وأذاهم ، وتثبيتا لقلبه في النهوض بأعباء الرسالة ، كما قال تعالى :
وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ( 11 : 120 ) - وكونها موعظة وذكرى للمؤمنين ، كما قال تعالى في تتمة هذه الآية
وموعظة وذكرى للمؤمنين وكونها عبرة عامة للعقلاء من المؤمنين والكافرين المستعدين للاعتبار كما قال تعالى :
لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ( 12 : 111 ) وغير ذلك مما سنفصله إن شاء الله تعالى في تفسير سورة هود . فقد طال تفسير هذه السورة جدا .