وقد صرح التنزيل بجزاء الفريقين في تعليل آخر في عاقبة الحرب ، قال في سياق غزوة
أحد في سورة آل عمران :
إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين [ ص: 519 ] ( 3 : 140 ، 141 ) .
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح قيل : إن الخطاب للكفار ، ذكر خذلانهم وإضعاف كيدهم ، ثم التفت عنه إلى تذكيرهم وتوبيخهم على استنصارهم إياه على رسوله صلى الله عليه وسلم .
ذكر
محمد بن إسحاق وعروة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16425عبد الله بن ثعلبة بن صعير " أن
أبا جهل قال يوم
بدر : اللهم أينا كان أقطع للرحم ، وأتى بما لا يعرف فأحنه الغداة . فكان ذلك استفتاحا منه " رواه عنه
أحمد ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في التفسير
والحاكم في المستدرك عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، وروي مثله عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وغيرهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : كان المشركون حين خرجوا من
مكة إلى
بدر أخذوا بأستار
الكعبة فاستنصروا الله وقالوا : اللهم انصر أعلى الجندين ، وأكرم الفئتين ، وخير القبيلتين ، فقال الله :
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح يقول : قد نصرت ما قلتم وهو
محمد صلى الله عليه وسلم " وفي رواية " أن
أبا جهل قال حين التقى الجمعان : اللهم رب ديننا القديم ودين
محمد الحديث ، فأي الدينين كان أحب إليك ، وأرضى عندك فانصر أهله اليوم " فالفتح هو نصر النبي ودينه وأتباعه . وهذا يدل على أن
أبا جهل كان مغرورا بشركه واثقا بدينه ، ولم يكن أكثر أكابر مجرمي
مكة كذلك ، بل كان كفرهم عن كبر وعلو وحسد للنبي صلى الله عليه وسلم .
وإن تنتهوا فهو خير لكم أي: إن تنتهوا عن عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وقتاله فالانتهاء خير لكم; لأنكم لا تكونوا إلا مغلوبين مخذولين كقوله :
قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ( 3 : 12 ) والخيرية في هذه الحالة بالإضافة إلى الاستمرار على العدوان والقتال ، ويحتمل أن يراد به الانتهاء عن الشرك فتكون الخيرية على حقيقتها وكمالها
وإن تعودوا نعد أي: إن تعودوا إلى مقاتلته نعد لما رأيتم من الفتح له عليكم حتى يجيء الفتح الأعظم الذي يذل فيه شرككم ، وتدول الدولة للمؤمنين عليكم
ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت أي: ولن تدفع عنكم جماعتكم من المشركين شيئا من بأس الله وبطشه ولو كثرت عددا فالكثرة لا تكون سببا للنصر ، إلا إذا تساوت مع القلة في الثبات والصبر ، والثقة بالله عز وجل
وأن الله مع المؤمنين بالمعونة والولاية والتوفيق فلا تضرهم قلتهم . قرأ
نافع وابن عامر ( وأن )
وحفص بفتح الهمزة بتقدير اللام أي: ولأن الله مع المؤمنين كان الأمر ما ذكره ، وقرأها الباقون بالكسر على الاستئناف .
وقيل : إن الخطاب في الآية للمؤمنين كسابقه ولاحقه ، والمعنى : إن تستنصروا ربكم وتستغيثوه عند شعوركم بالضعف والقلة فقد جاءكم النصر ، وإن تنتهوا عن التكاسل في القتال
[ ص: 520 ] والرغبة عما يأمر به الرسول ، ومجادلته في الحق بعدما تبين فهو خير لكم . وإن تعودوا إليه نعد عليكم بالإنكار أو تهييج العدو ، ولن تغني عنكم كثرتكم إذا لم يكن الله معكم بالنصر ، فها نحن أولاء قد نصرناكم على قلتكم وضعفكم . هذا أقوى من كل ما رأيناه في تصوير المعنى ، فأكثر ما قالوه ظاهر التكلف ، ولولا السياق لكان المعنى الأول أرجح; لأنه أظهر .