ومعنى الآية : واعلموا أيها المؤمنون أن كل
ما غنمتم من الكفار المحاربين ، فالحق الأول الواجب فيه أن خمسه لله تعالى يصرف فيما يرضيه من مصالح الدين العامة : كالدعوة إلى الإسلام ، وعمارة الكعبة وكسوتها ، وإقامة شعائره تعالى ، وللرسول يأخذ كفايته منه لنفسه ونسائه ، وكان يمونهن إلى سنة ، ولذي القربى أي أقرب أهله وعشيرته إليه نسبا وولاء ونصرة ، وهم الذين حرمت عليهم الصدقة كما حرمت عليه تكريما له ولهم بالتبع له عن أن يكون رزقهم من أوساخ الناس ، وما في ذلك من حمل منهم . وقد خص الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك
ببني هاشم وبني أخيه
المطلب المسلمين دون بني أخيه الشقيق بل التوءم
عبد شمس ، وأخيه لأبيه
نوفل ، وكلهم أولاد
عبد مناف ، ويلي ذوي القربى المحتاجون من سائر المسلمين وهم اليتامى والمساكين وابن السبيل .
روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=67جبير بن مطعم - وهو من
بني نوفل - قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003415مشيت أنا nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان بن عفان - وهو من بني عبد شمس - إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقلنا : يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة ؟ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد " هذا لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الخمس ، وفي رواية
أبي داود من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق nindex.php?page=hadith&LINKID=2003416 " فقلنا : يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله منهم ، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا ؟ " فقال : إنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام ، وإنما نحن وهم شيء واحد " وشبك بين أصابعه اهـ . ومن هذا الاتحاد بين
بني هاشم ،
وبني المطلب في الولاء والنصرة له ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن
قريشا لما كتبت الصحيفة ، وأخرجت
بني هاشم من
مكة ، وحصرتهم في الشعب لحمايتهم
[ ص: 8 ] له ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل معهم فيه
بنو المطلب ، ولم تدخل
بنو عبد شمس ، ولا
بنو نوفل . ومعلوم ما كان من عداوة
بني أمية بن عبد شمس لبني هاشم في الجاهلية والإسلام ، فقد ظل
أبو سفيان يقاتل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويؤلب عليه المشركين وأهل الكتاب إلى أن أظفر الله رسوله ، ودانت له العرب بفتح
مكة - ومعلوم ما كان بعد الإسلام من خروج
معاوية على
علي وقتاله إلخ .
قال الحافظ في شرح حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بعد ذكر أقوال العلماء في ذوي القربى : والملخص أن الآية نصت على استحقاق قربى النبي ، وهي متحققة في بني
عبد شمس ؛ لأنه شقيق ، وفي
نوفل إذا لم تعتبر قرابة الأم . واختلف الشافعية في سبب إخراجهم فقيل : العلة ( أي في الاستحقاق ) القرابة مع النصرة ، فلذلك دخل
بنو هاشم وبنو المطلب ، ولم يدخل
بنو عبد شمس وبنو نوفل لفقدان جزء العلة أو شرطها ، وقيل : الاستحقاق بالقرابة ، ووجد ببني
عبد شمس ونوفل مانع ، لكونهم انحازوا عن
بني هاشم وحاربوهم ، والثالث أن القربى عام مخصوص وبينته السنة اهـ .
وحكمة تقسيم الخمس على هذا النحو أن الدولة التي تدير سياسة الأمة لا بد لها من مال تستعين به على ذلك وهو أقسام : أولها ما كان للمصلحة العامة كشعائر الدين ، وحماية الحوزة وهو ما جعل لله في الآية . وثانيها : ما كان لنفقة إمامهم ورئيس حكومتها ، وهو سهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها . وثالثها : ما كان لأقوى عصبته وأخلصهم له ، وأظهرهم تمثيلا لشرفه وكرامته ، وهو سهم أولي القربى . ورابعها : ما يكون لذوي الحاجات من ضعفاء الأمة وهم الباقون . وهذا الاعتبار كله أو أكثره لا يزال مراعى ، ومعمولا به في أكثر الدول والأمم مع اختلاف شئون الاجتماع والمصالح العامة والخاصة .
فأما المال الذي يرصد لهذه المصالح فهو في هذا العصر أنواع ، يدخل كل نوع منه في ميزانية الوزارة الموكول إليها أمر المصلحة التي خصص لها المال إن كان من الأمور الجهرية ، وإلا وكل إلى المخصصات السرية ، ولا سيما إذا كان من الأعمال الحربية كالتجسس وما يتعلق به ، وهو كثير عند جميع الدول العسكرية .
وكذلك راتب ممثل الدولة من ملك أو رئيس جمهورية أو غيره فهو يوضع في الميزانية العامة للدولة ، وله عندهم مصارف منها ما هو خاص بشخصه وعياله ، ومنها ما يبذله من الإعانات للجمعيات الخيرية والعلمية ونحوها . ومنها ما يتعلق بعظمة الدولة ومكانتها كالمال الذي ينفقه في ضيافة الملوك والرؤساء والعظماء الذين يزورون عاصمته ، والدعوات التي تقام في قصره لكبراء الأجانب ، وكبراء الأمة في بعض المواسم والأحوال ، وقد كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أولى من جميع الملوك والرؤساء في العالم بمال يختص به ؛ لأن وظائفه
[ ص: 9 ] وأعماله للأمة أكبر وأكثر ، ومقامه أجل وأعظم ، وهو عن الكسب والاستغلال أبعد ، وأوقاته عنهما أضيق .