الباب الثاني
( في
الحقوق والأحكام والكرامة الخاصة برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفيه فصلان )
تنبيه : لما كان موضوع سورتي الأنعام ، والأعراف المكيتين - كأمثالهما من السور المكية الطويلة - تبليغ الدعوة العامة للمشركين المنكرين للرسالة والوحي أولا وبالذات ، كثرت فيهما الآيات في الرسالة العامة ووظائف الرسل وإثبات الوحي ودفع شبهات المشركين عليه وعلى الرسل ، وفي رسالة خاتم النبيين خاصة وعموم بعثته وما هو دين وتشريع من أقواله وأفعاله وما ليس كذلك . [ راجع ص255 - 269 ج 9 ط الهيئة ] .
[ ص: 110 ] ولما كان الخطاب في هذه السورة المدنية موجها إلى المؤمنين كثر فيها ما هو خاص به ـ صلى الله عليه وسلم ـ من إيجاب طاعته في كل ما يأمر به من أمر الدين والتشريع ، والنهي عن عصيانه وخيانته وغير ذلك من حقوقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن عنايته تعالى به وتكريما له .
الفصل الأول
( في
عناية الله تعالى برسوله من كفايته وتشريفه إياه واستعماله فيما تتم به حكمته )
وفيه تسعة أصول ( الأصل الأول )
كفايته تعالى إياه مكر مشركي قريش به في مكة وائتمارهم لحبسه إلى آخر حياته ، أو نفيه من بلده ، أو قتله بتقطيع فتيان من جميع بطون قريش له لإضاعة دمه ، وكان ذلك سبب هجرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ . وذلك قوله عز وجل :
وإذ يمكر بك الذين كفروا إلى قوله تعالى :
والله خير الماكرين ( 30 ) .
( الأصل الثاني ) إحساب الله تعالى له - أي كفايته التامة حتى يقول " حسبي " - في موقعين : ( أحدهما ) مقيد بحال " مخصوصة ، وهي كفايته خداع من يريدون خداعه من الكفار بإظهارهم الجنوح للسلم وتأييده بنصره وبالمؤمنين في الآية 62 . ( والثاني ) مطلق وهو كفايته إياه هو ومن اتبعه من المؤمنين الذين ذكر أنه أيده بهم - وهو نص الآية 64 .
( الأصل الثالث )
عنايته تعالى به وتوفيقه إياه لتربية المؤمنين في قوله :
كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ( 5 ) وهذه هي التي ترتب عليها ما في الفصل الثاني من الأحكام التكليفية المناسبة لما قبلها من وجوب الطاعة وحظر العصيان والخيانة له ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
( الأصل الرابع ) استعماله تعالى إياه برميه لوجوه الكفار ببدر بقبضة من التراب والرمل أصاب الله تعالى بها وجوههم كلهم وفيها قال تعالى :
وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ( 17 ) فراجع تفسيرها في [ ص516 وما بعدها ج 9 ط الهيئة ] وكان هذا من آيات الله الكونية له ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذه الآيات كانت كثيرة ، وهي من جنس آيات الله تعالى لموسى وعيسى وغيرهما من الرسل عليهم السلام ، وفائدتها تقوية إيمان المؤمنين الذين شاهدوها ، ومن يصح عندهم نقلها من بعدهم ، وأما التحدي لإقامة حجة رسالته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكانت خاصة بالقرآن وهو مشتمل على آيات تقدم بيانها في تفسير آية التحدي من سورة البقرة [ ص159 - 191 ج 1 ط الهيئة ] وفي غيرها .
( الأصل الخامس )
امتناع تعذيب الله المشركين ما دام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيهم كما في الآية 33 وتفسيرها [ ص545 وما بعدها ج 9 ط الهيئة ] .
[ ص: 111 ] ( الأصل السادس ) استغاثته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ربه مع المؤمنين وإمداده تعالى إياهم بالملائكة وتغشيته إياهم النعاس وإنزاله عليهم المطر . وذلك في الآيات 9 - 12 وتفسيرها في ( ص501 وما بعده ج 9 ط الهيئة ) إلخ . وفيه بحث كمال توكله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وثقته بربه ، وإعطائه كل مقام من التوكل والأخذ بالأسباب حقه ، واختلاف حال الخروج في الهجرة وحال الحرب ببدر .
( الأصل السابع ) أنه ليس من شأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا مما يصح منه - إذ ليس من شأن الأنبياء ، ولا من سنتهم في الحرب - أخذ الأسرى ومفاداتهم قبل الإثخان في الأرض بتمكين أهل الحق والعدل فيها وهو الآية 67 .
( الأصل الثامن ) عتابه تعالى له في ضمن المؤمنين لعمله برأيهم في أخذ الفداء من أسارى بدر في الآيتين 68 و69 فيراجع تفسيرهما ، وما فيه من التحقيق وما فيهما من الحكم والأحكام في هذا الجزء .
( الأصل التاسع ) تكريمه وتشريفه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما قرن الله عز وجل من طاعته بطاعته والاستجابة له بالاستجابة له ومشاقته بمشاقته والنهي عن خيانتهما معا ، ومثله جعل الأنفال لله ولرسوله فيما يبين في موضعه من الفصل الآتي ، ويا له من شرف عظيم ، وتكريم لا يعلوه تكريم .
( الفصل الثاني )
( في حقوقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الأمة وفيه 6 أصول تتمة 15 أصلا )
( الأصل العاشر ) إيجاب
طاعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالأمر بها تكرارا ، وجعلها مقارنة لطاعة الله تعالى في الآيات 1 و20 و46 ، وفي معناه الأمر بالاستجابة له ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الآية 24 مقارنة للاستجابة لله تعالى .
( الأصل الحادي عشر ) حظر مشاقته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجعلها كمشاقة الله عز وجل في الوعيد عليهما معا في الآية 13 ، وأصل المشاقة الخلاف والانفصال الذي يكون به كل واحد من المنفصلين في شق وجانب غير الذي فيه الآخر ، فكل من يرغب عن هديه وسنته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويفضل عليهما غيرهما مما يسمى دينا أو تشريعا أو ثقافة وتهذيبا فهو داخل في هذا الوعيد .
( الأصل الثاني عشر ) حظر خيانتهم له ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقارنا لخيانة الله تعالى في الآية 27 .
( الأصل الثالث عشر ) كراهة مجادلته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما يأمر به ويحاوله ويرغب
[ ص: 112 ] فيه من أمور الدين أو مصالح المسلمين ، ولكن يشترط في هذه أن تكون المجادلة بعد تبين الحق للمسلمين في المسألة . وذلك قوله تعالى :
يجادلونك في الحق بعدما تبين ( 6 ) وهي في أمر الخروج إلى بدر ، ووعد الله تعالى للمؤمنين على لسانه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بإحدى الطائفتين من المشركين - طائفة العير وطائفة النفير أي الحرب - على الإبهام ، ثم زوال الإبهام بتعين لقاء الثانية . وأما المجادلة والمراجعة في المصالح الحربية والسياسية قبل أن يتبين الحق فيها فهو محمود مع الأدب اللائق ، إذ هي مقتضى المشاورة التي عمل بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة بدر ، وفي غيرها كما ترى في ( ص257 وص508 وما بعدها ج 9 ط الهيئة ) ثم فرضها الله تعالى عليه في غزوة أحد ( راجع ص 163 وما بعدها ج 4 ط الهيئة ) وفي الآية الدالة على هذا الأصل آية أي حجة على حسن تربيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمؤمنين وصبره على ضعفاء الإيمان منهم حتى يكمل .
( الأصل الرابع عشر ) كون الأنفال لله والرسول في الآية ، وفيها شرف المقارنة أيضا .
( الأصل الخامس عشر )
جعل خمس الغنائم لله وللرسول كما في آية 41 وفيها ما تقدم