الباب الخامس
( في بيان حال الكفار من المشركين وأهل الكتاب وذلك في آيات )
( 1 ، 2 ، 3 ) وقوله تعالى :
سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ( 12 ) أي : عند لقاء المؤمنين في القتال ، وما علله به بعده من مشاقتهم لله ولرسوله ، وتوعدهم بعذاب النار ، فهذه ثلاث آيات في حالهم ومآلهم ، وقد ثبت أنه كان من خصائصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه ينصر بالرعب ، ثبت هذا نصا ، وثبت فعلا ، وكان للمسلمين حظ من إرثه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقدر ما كان من إرثهم لهدايته .
( 4 ) قوله تعالى للمؤمنين :
إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ( 15 ) إلخ . ففيه تحقير لشأنهم .
( 5 ) قوله تعالى :
فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ( 17 ) الآية . ففيها بيان لخذلانه تعالى لهم ، وتمكين المؤمنين من قتلهم في بدر بتأييده ، ونصره الذي تقدم في بيان عناية الله تعالى بهم ، وقبله في عنايته برسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
( 6 ) قوله في تعليل ما ذكر :
ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين ( 18 ) وكذلك كان ( 7 ) قوله في أهل الكتاب منهم :
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ( 19 ) الآية ، بناء على ما حكاه تعالى عنهم في سورة البقرة :
ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ( 2 : 89 ) فيراجع تفسيره في ( ص 319 وما بعدها ج 1 ط الهيئة ) .
( 8 ) قوله تعالى في نقائصهم :
إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ( 22 ) فوصفهم بتعطيل مشاعرهم ومداركهم الحسية والعقلية كما قال في وصف أهل جهنم :
ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ( 7 : 179 ) وبمثل هذا يدرك العاقل أن ما يذمه الكتاب العزيز من الكفار ليس هجاء شعريا ، ولا تنقيصا تعصبيا ، بل هو بيان لما جنوه على أنفسهم من تعطيلهم لمداركهم العلمية ، وإفسادهم بذلك لفطرتهم
[ ص: 119 ] السليمة - ومنه يعلم أن المؤمنين يجب أن يكونوا منهم على طرفي نقيض ، ويظهر له التفاوت العظيم بين هجاء أهل الجاهلية بعضهم لبعض ، وبين هذا الذم للكفار ، وما فيه من الإصلاح العلمي والأدبي ، وأكبر العبرة فيه أن المسلمين إذا صاروا متصفين بهذه الصفات لا ينفعهم لقب الإسلام ، ولا الانتماء إلى خاتم النبيين عليهم الصلاة والسلام ، فإنما الإسلام هداية ، ووظيفة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الدعاية .
( 9 )
قوله تعالى : وإذ يمكر بك الذين كفروا ( 30 ) الآية . وهي في المشركين ، وأكبر العبرة فيها أنهم كانوا يعادونه ـ صلى الله عليه وسلم ـ اعتزازا بالقوة ، لا بالمصلحة ولا بالحجة .
( 10 ) قوله :
وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ( 31 ) الآية . ولو قدروا على مثله لشاءوا ، ولو شاءوا ما هو في استطاعتهم لفعلوا ، ولو فعلوا لعرف عنهم ، ولرجع كل من آمن به ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الكفر معهم ؛ لأنهم آمنوا بالحجة ، ولم يكن لأحد منهم في الإسلام أدنى مصلحة ، بل كانوا عرضة للأذى والفتنة .
( 11 ) قوله :
وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ( 32 ) وهو برهان على أنهم كانوا يجحدون جحود كبرياء وعناد ، لا تكذيب علم واعتقاد ، فهو دليل فعلي على الأمرين اللذين قبله .
( 12 ) قوله :
وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون ( 34 ) أي لا يعلمون أن الحق في الولاية على بيت الله تعالى المؤسس لعبادته وحده للذين يتقون الشرك والرذائل ، وهذا الحق تكويني وتشريعي كما ثبت بالفعل .
( 13 ) قوله :
وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ( 35 ) وهو بيان لقبح عبادتهم وبطلانها ؛ لأنها لهو ولعب ، ولذلك رتب عليها جزاءها العاجل بقوله عطفا بفاء التعقيب :
فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ( 35 ) .
( 14 ) قوله :
إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون ( 36 ) وهذا إنذار يتضمن الإخبار بالغيب عن عاقبة بذلهم للمال في مقاومة الإسلام ، وقد ظهر صدقه للخاص والعام ، فهو من معجزات القرآن .
( 15 ، 16 ) قوله تعالى في تتمة الآية - ومنهم من عده آية مستقلة :
والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون ( 36 و37 ) وفيه تتمة للإنذار ، وجملته أنهم يغلبون في الدنيا ثم يصيرون في الآخرة إلى عذاب النار .
[ ص: 120 ] ( 17 ) قوله :
قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين ( 38 ) : وهذه دعوة لهم إلى الإيمان ، ليكون وقوع ما أنذروا عن حجة وبرهان ، وقد وقع ما أنذرهم فكان تصديقا لإعجاز القرآن ، واطرادا لسنته تعالى في معاندي الرسل عليهم السلام .
( 18 ) قوله تعالى للمؤمنين محذرا من صفات الكافرين :
ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله ( 47 ) وهو
بيان لصفة المشركين ، وحالهم ومقصدهم من خروجهم إلى قتال المؤمنين ، وهو البطر وإظهار الكبرياء والعظمة ومراءاة الناس ، وهي مقاصد سافلة إفسادية حذر الله المؤمنين منها ، فهم إنما يقاتلون لإعلاء كلمة الله وهي : التوحيد ، والحق ، والعدل ، وتقرير الفضيلة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، كما بيناه في محله بشواهد القرآن .
( 19 ) قوله تعالى :
وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس ( 48 ) الآية . وهو نص في أنهم كانوا مغرورين باستعدادهم الظاهر ، وكثرتهم العددية ، وأنه غرور لا يستند إلا إلى وسوسة الشيطان ، التي يروجها عندهم الجهل بقوة الحق المعنوية لدى أهل الإيمان ، ولذلك لم تلبث أن زالت عندما التقى الجيشان ، بل عندما تراءت الفئتان ، كما قال تعالى :
فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم ( 48 ) إلخ .
( 20 ) قوله تعالى في المنافقين وضعفاء الإيمان :
إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ( 49 ) وإنما قالوا هذا لمشاركتهم للمشركين المجاهرين بالكفر في الجهل بقوة الإيمان بالله وبما يستلزمه من القوى المعنوية ، فلم يجدوا تعليلا لإقدام المؤمنين القليلين العادمين للقوى المادية على قتال المشركين المعتزين بكثرتهم وقواهم إلا الغرور بدينهم ، وما كانوا مغرورين بأنفسهم ، بل واثقين بوعد ربهم ، متوكلين عليه في أمرهم ، وقد بين الله ذلك في الرد على أولئك المنافقين ، بقوله :
ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم ( 49 ) .
( 21 ) قوله تعالى :
ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ( 50 ) الآيات . وهذا بيان لأول ما يعرض لهم من العذاب في أول مرحلة من مراحل عالم الغيب ، بعد بيان ما يكون من عذابهم وخذلانهم في الأرض . وضرب له المثل بآل فرعون ، وما كان من عذابهم في الدنيا ، وقد صدق خبر الله الذي أوحاه إلى رسوله في سوء عاقبة المشركين في الدنيا ، وسيصدق خبره عنهم في الأخرى
فلله الآخرة والأولى ( 53 ـ 25 ) .
[ ص: 121 ] ( 22 ) قوله تعالى في أهل الكتاب من اليهود الذين عاهدهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنقضوا عهده المرة بعد المرة
إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون إلى
قوله : ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون ( 55 - 59 ) وفيه بيان لفساد إيمانهم ، المقتضي لنقض أيمانهم المعقب لقتالهم . ويراجع تفصيل ذلك في تفسير هذه الآيات بأول هذا الجزء .
( 23 ) تهوين شأن الكفار في القتال ، الذي هو مقتضى تلك الصفات والأحوال ، بجعل المؤمنين المستكملي صفات الإيمان ، يغلبون ضعفيهم إلى عشرة أضعافهم من الكفار ، كما ترى في الآيات 64 - 66 وبيانه الذي لا يرد في تفسيرها بأول هذا الجزء .
( 24 ) ولاية الكفار بعضهم لبعض في الآية 73 وأما الأحكام المتعلقة بقتالهم فبيانها في الباب السابع .