وقد ورد في
تنفيذ أمر الله تعالى بهذه البراءة والأذان بها - أي التبليغ العام العلني لها - أحاديث في الصحاح والسنن ، وكتب التفسير المأثور فيها شيء من الخلاف والتعارض نقتصر على أمثلها وأثبتها ، وما يجمع بين الروايات ويزيل تعارضها . فجملة تلك الروايات تدل على أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعل
أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ أميرا على الحج سنة تسع ، وأمره أن يبلغ المشركين الذين يحضرون الحج أنهم يمنعون منه بعد ذلك العام ، ثم أردفه
بعلي عليه السلام ، ليبلغهم عنه نبذ عهودهم المطلقة ، وإعطاءهم مهلة أربعة أشهر ، لينظروا في أمرهم ، وأن العهود المؤقتة أجلها نهاية وقتها . ويتلو عليهم الآيات المتضمنة لمسألة نبذ العهود ، وما يتعلق بها من أول سورة براءة وهي 40 أو 33 آية ، وما ذكر في بعض الروايات من التردد بين 30 و40 فتعبير بالأعشار ، مع إلغاء كسرها من زيادة ونقصان ، وذلك لأن من عادة العرب أن العهود ونبذها إنما تكون من عاقدها أو أحد عصبته القريبة ، وأن
عليا كان مختصا بذلك مع بقاء إمارة الحج
لأبي بكر الذي كان يساعده على ذلك ، ويأمر بعض الصحابة
nindex.php?page=showalam&ids=3كأبي هريرة بمساعدته .
أما الشيخان فقد أخرجا في هذا الباب حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة الذي رواه عنه
nindex.php?page=showalam&ids=15769حميد بن عبد الرحمن بن عوف في كتاب الحج ، وكرره
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتب الطهارة والحج والجزية والمغازي والتفسير ، فنذكر لفظه في
تفسير فسيحوا في الأرض أربعة أشهر الآية . عن
حميد nindex.php?page=hadith&LINKID=920209أن nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة قال : بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى : ألا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان . قال حميد : ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=8بعلي بن أبي طالب وأمره أن يؤذن بـ ( براءة ) قال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : فأذن معنا علي يوم النحر في أهل منى بـ ( براءة ) وألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان اهـ . قال الحافظ في الفتح عند قوله : قال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : فأذن معنا علي ما نصه : هو موصول بالإسناد المذكور ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=15770حميد بن عبد الرحمن حمل قصة توجه علي من
المدينة إلى أن لحق
بأبي بكر عن غير
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وحمل بقية القصة عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
[ ص: 140 ] وقوله : فأذن معنا علي في
منى يوم النحر إلخ . قال
الكرماني : فيه إشكال ؛ لأن
عليا كان مأمورا بأن يؤذن بـ ( براءة ) ، فكيف يؤذن بألا يحج بعد العام مشرك ؟ ثم أجاب بأنه أذن بـ ( براءة ) . ومن جملة ما اشتملت عليه ألا يحج بعد العام مشرك من قوله تعالى :
إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ( 28 ) ويحتمل أن يكون أمر أن يؤذن بـ ( براءة ) ، وبما أمر
أبو بكر أن يؤذن به أيضا . ( قلت ) وفي قوله : يؤذن بـ ( براءة ) تجوز ؛ لأنه أمر أن يؤذن ببضع وثلاثين آية منتهاها عند قوله :
ولو كره المشركون ، فروى
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من طريق
أبي معشر عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب وغيره قال :
بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبا بكر أميرا على الحج سنة تسع ، وبعث عليا بثلاثين أو أربعين آية من براءة . وروى nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري من طريق أبي الصهباء قال : سألت عليا عن يوم الحج الأكبر ، فقال : إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث أبا بكر يقيم للناس الحج ، وبعثني بعده بأربعين آية من براءة ، حتى أتى عرفة فخطب ثم التفت إلي فقال : يا علي قم فأد رسالة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقمت فقرأت أربعين آية من ( براءة ) ، ثم صدرنا حتى رميت الجمرة فطفقت أتتبع بها الفساطيط أقرؤها عليهم ؛ لأن الجميع لم يكونوا حضروا خطبة أبي بكر يوم عرفة .
ثم قال الحافظ : وأما ما وقع في حديث
جابر فيما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري وإسحاق في مسنده
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=14272والدارمي كلاهما عنه ، وصححه
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : حدثني
عبد الله بن عثمان بن خثيم عن
أبي الزبير عن
جابر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920211أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين رجع من عمرة الجعرانة بعث أبا بكر على الحج فأقبلنا معه ، حتى إذا كنا بالعرج ثوب بالصبح فسمعنا رغوة ناقة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإذا علي عليها ، فقال له : أمير أو رسول ؟ فقال : بل أرسلني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بـ ( براءة ) أقرؤها على الناس ، فقدمنا مكة فلما كان قبل يوم التروية بيوم فأم أبو بكر فخطب الناس بمناسكهم ، حتى إذا فرغ منها قام علي فقرأ على الناس ( براءة ) حتى ختمها ، ثم كان يوم النحر كذلك ، ثم يوم النفر كذلك ، فيجمع بأن
عليا قرأها كلها في المواطن الثلاثة ، وأما في سائر الأوقات فكان يؤذن بالأمور المذكورة : ألا يحج بعد العام مشرك إلخ . وكان يستعين
nindex.php?page=showalam&ids=3بأبي هريرة وغيره في الأذان بذلك .
" وقد وقع في حديث
مقسم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عند
الترمذي nindex.php?page=hadith&LINKID=920212أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ [ ص: 141 ] بعث أبا بكر - الحديث - وفيه فقام علي أيام التشريق فنادى : ذمة الله وذمة رسوله بريئة من كل مشرك فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ، ولا يحجن بعد العام مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنة إلا كل مؤمن . فكان علي ينادي بها ، فإذا بح قام nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة فنادى بها " .
" وأخرج
أحمد بسند
حسن عن
أنس أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث بـ ( براءة ) مع
أبي بكر ، فلما بلغ
ذا الحليفة قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920213لا يبلغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي " فبعث بها مع علي ، قال
الترمذي : حسن غريب . ووقع في حديث
يعلى عند
أحمد nindex.php?page=hadith&LINKID=920214عن علي : لما نزلت عشر آيات من ( براءة ) بعث بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أبي بكر ، ليقرأها على أهل مكة ، ثم دعاني فقال : " أدرك أبا بكر فحيثما لقيته فخذ منه الكتاب " فرجع أبو بكر فقال : يا رسول الله نزل في شيء ، فقال : " لا " إلا أنه لن يؤدي عني - أو - ولكن جبريل قال : " لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك " قال
العماد بن كثير : ليس المراد أن
أبا بكر رجع من فوره ، بل المراد رجع من حجته ( قلت ) : ولا مانع من حمله على ظاهره لقرب المسافة . وأما قوله : عشر آيات فالمراد أولها
إنما المشركون نجس ( 9 : 28 ) اهـ .
هذا ما لخصه الحافظ من الروايات . وأقول : إن
ابن كثير قال في حديث
علي في نزول العشر الآيات المذكورة أخيرا - وقد ذكر إسناده عن
عبد الله بن أحمد - هذا إسناد فيه ضعف .
وأزيد عليه انتقاد متنه ، إذ لا يصح أن يكون نزل منها عشر آيات ، وأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث
أبا بكر ثم
عليا بها ، فهذا مخالف لسائر الروايات المتضافرة المتفقة التي أطلق في بعضها أول سورة ( براءة ) - وفي بعضها عدد ثلاثين أو أربعين آية منها - أي بالتقريب ، وفي بعضها سورة ( براءة ) ، وهي لا تنافي بينها ، فقد نزلت سورة ( براءة ) كلها أو أكثرها عقب غزوة
تبوك ، وقد كانت في رجب سنة تسع من الهجرة . وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أقام بعد أن رجع من
تبوك رمضان وشوال وذا القعدة ثم بعث
أبا بكر أميرا على الحج ، وذكر أن
أبا بكر خرج في ذي القعدة . فإن أمكن حمل ما رواه
ابن سعد عن
مجاهد من أن حج
أبي بكر كان في ذي القعدة على هذا كان صحيحا وإلا فلا .
وأما ضعف إسناده الذي ذكره
ابن كثير فمن
حنش بن المعتمر الكناني الكوفي قال
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان : كان كثير الوهم في الأخبار ينفرد عن
علي بأشياء لا تشبه حديث الثقات حتى صار ممن لا يحتج بحديثه ، وقال
البزار : حدث عنه
سماك بحديث منكر ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في المحلى : ساقط مطرح ، ولأئمة الجرح في تضعيفه أقوال أخرى . ولعل الحديث المنكر الذي رواه عنه
سماك هو هذا ، على أن
nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب هذا لم يسلم من جرح ، وإن روى عنه
مسلم ،
[ ص: 142 ] ومما قيل عنه أنه خرف في آخر عمره . والعجيب من الحافظ
ابن حجر كيف سكت عن ضعف إسناد هذا الحديث مع تذكر عبارة
ابن كثير فيه .