اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون [ ص: 168 ] هذا بيان مستأنف لمن عساه يستغرب غلبة الفسق والخروج من دائرة الفضائل الفطرية والتقليدية على أكثرهم حتى مراعاة القرابة والوفاء بالعهد الممدوحين عندهم ، ويسأل عن سببه ، وجوابه :
اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا أي : إنهم استبدلوا بآيات الله الدالة على وجوب توحيده بالعبادة ، وعلى بعثه للناس ، وجزائهم على أعمالهم ، وعلى الوحي والرسالة ، وما فيها من الهداية ، ثمنا قليلا من متاع الدنيا ، وهو ما هم فيه من أسباب المعيشة ، وكثيره عند كبرائهم قليل بالنسبة إلى ما عند غيرهم من أمم الحضارة ، وما عند أغنى هؤلاء قليل بالإضافة إلى ما وعد الله تعالى المؤمنين في الدنيا ، وأن ما وعدهم به في الآخرة لهو خير وأبقى . وقيل : إن المراد بآيات الله تعالى العهود والأيمان أو ما دل على وجوب الوفاء بها من كتابه ، وروي أن
أبا سفيان لما أراد حمل
قريش وحلفائها على نقض عهد
الحديبية صنع لهم طعاما استمالهم به فأجابوه إليه فهو المراد بالثمن القليل ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن
أهل الطائف أمدوهم بالمال لقتال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والأول هو الظاهر وهو المناسب لما بعده المعطوف عليه بفاء السببية من قوله تعالى
فصدوا عن سبيله إلخ . وصد يستعمل لازما فيقال : صد فلان عن الشيء صدودا بمعنى أعرض عنه وانصرف فلم يلو عليه ، ومتعديا فيقال : صده عنه إذا صرفه ولفته عنه وزهده فيه ، أو منعه منه بالقوة ، ويصح إرادة المعنيين هنا ، أي فصدوا بسبب هذا الشراء الخسيس ، وأعرضوا عن سبيل الله وهو الإسلام ، وما يقتضيه من الوفاء بالعهود وصدوا غيرهم وصرفوهم عنه أيضا ،
إنهم ساء ما كانوا يعملون أي : إنهم ساء عملهم الذي كانوا يعملونه من اشتراء الكفر بالإيمان والضلالة بالهدى ، والصدود والصد عن دين الله ، وما جاء به رسوله من البينات والحق .
لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة أي : من أجل هذا الكفر والصدود ، والصد عن الإيمان لا يرعون في مؤمن يظهرون عليه ، ويقدرون على الفتك به ربا يحرم الغدر ، ولا قرابة تقتضي الود ، ولا ذمة توجب الوفاء اتقاء للذم ؛ لأن ذنب المؤمن في هذا عندهم كونه مؤمنا ، وقد علموا أنه لا ينقض عهدا ، ولا يستحل غدرا ، ولا يقطع رحما ، وهذا أعم من قوله :
إن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة لأنه غير مشروط بالظهور والغلب ، ولأنه يشمل كل مؤمن من المخاطبين وغيرهم من حيث إنه مؤمن ، وذاك خاص بالمخاطبين الذين كان بينهم وبين المشركين ما كان من الحروب والدماء ، وربما كان فيهم بقية من المنافقين .
وأولئك هم المعتدون لحدود العهود من دونكم ، والبادئون لكم بالقتال كما فعلوا فيما مضى ، وكذلك يفعلون فيما يأتي ، والعلة في اعتدائهم وتجاوزهم هو رسوخهم في الشرك
[ ص: 169 ] وكراهتهم للإيمان وأهله لا لكم وحدكم ، فلا علاج لهم إذا إلا الرجوع عن كفرهم والاعتصام معكم بعروة التوحيد والإيمان ، وما تقتضيه من الأعمال الصالحة وفضائل الأخلاق .