ملخص أقوال أئمة الفقه في الجزية :
نورد من مذاهب الفقهاء ما لخصه الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13439موفق الدين بن قدامة في المغني لاختصاره وحسن جمعه وبيانه قال : ( مسألة ) قال : (
ولا تقبل الجزية إلا من يهودي أو نصراني أو مجوسي إذا كانوا مقيمين على ما عوهدوا عليه ) وجملته أن الذين تقبل منهم الجزية صنفان : من له كتاب ، ومن له شبهة كتاب ،
فأهل الكتاب اليهود والنصارى ، ومن دان بدينهم ،
كالسامرة يدينون بالتوراة ويعملون بشريعة
موسى عليه السلام ، وإنما خالفوهم في فروع دينهم ، وفرق
النصارى من
اليعقوبية والنسطورية والملكية والفرنجة
والروم والأرمن وغيرهم ممن دان بالإنجيل وانتسب إلى
عيسى عليه السلام ، والعمل بشريعته فكلهم من أهل الإنجيل ، ومن عدا هؤلاء من الكفار فليس من
أهل الكتاب بدليل قول الله تعالى :
أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ( 6 : 156 ) واختلف أهل العلم في
الصابئين فروي عن
أحمد أنهم جنس من
النصارى ، وقال في موضع آخر : بلغني أنهم يسبتون ، فهؤلاء إذا سبتوا فهم من
اليهود . وروي عن
عمر أنه قال : هم يسبتون وقال
مجاهد : هم بين
اليهود والنصارى ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ،
والربيع : هم من
أهل الكتاب . وتوقف
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في أمرهم ، والصحيح أنه ينظر فيهم ، فإن كانوا يوافقون أحد أهل الكتابين في نبيهم وكتابهم فهم منهم ، وإن خالفوهم في ذلك فليس هم من
أهل الكتاب .
ويروى عنهم أنهم يقولون : إن الفلك حي ناطق ، وإن الكواكب السبعة آلهة ، فإن كانوا كذلك فهم كعبدة الأوثان ، وأما
أهل صحف إبراهيم وشيث وزبور داود فلا تقبل منهم الجزية ; لأنهم من غير الطائفتين ، ولأن هذه الصحف لم تكن فيها شرائع إنما هي مواعظ وأمثال ، كذلك وصف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صحف
إبراهيم وزبور
داود في حديث
أبي ذر .
وأما الذين لهم شبهة كتاب فهم
المجوس ; فإنه يروى أنه كان لهم كتاب فرفع فصار لهم بذلك شبهة أوجبت حقن دمائهم وأخذ الجزية منهم ، ولم ينتهض في إباحة نكاح نسائهم
[ ص: 266 ] ولا ذبائحهم دليل . هذا قول أكثر أهل العلم . ونقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور أنهم من
أهل الكتاب ، وتحل نساؤهم وذبائحهم ، لما روي عن
علي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : أنا أعلم الناس
بالمجوس كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه ، وإن ملكهم سكر فوقع على بنته وأخته فاطلع عليه بعض أهل مملكته ، فلما صحا جاءوا يقيمون عليه الحد فامتنع منهم ودعا أهل مملكته وقال : أتعلمون دينا خيرا من دين
آدم وقد أنكح بنيه بناته ؟ فأنا على دين
آدم ، قال ، فتابعه قوم وقاتلوا الذين يخالفونهم حتى قتلوهم ، فأصبحنا وقد أسري بكتابهم ، ورفع العلم الذي في صدورهم فهم أهل كتاب ، وقد أخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
وأبو بكر - وأراه قال:
وعمر - منهم الجزية رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وسعيد وغيرهما ، ولأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919317سنوا بهم سنة أهل الكتاب .
ولنا قول الله تعالى :
أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ( 6 : 156 )
والمجوس من غير الطائفتين ، وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919317سنوا بهم سنة أهل الكتاب يدل على أنهم غيرهم ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بإسناده عن
بجالة أنه قال : ولم يكن
عمر أخذ الجزية من
المجوس حتى حدثه
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخذها من
مجوس هجر ، ولو كانوا أهل كتاب لما وقف
عمر في أخذ الجزية منهم مع أمر الله تعالى بأخذ الجزية من
أهل الكتاب ، وما ذكروه هو الذي صار لهم به شبهة الكتاب . وقد قال
أبو عبيد : لا أحسب ما رووه عن
علي في هذا محفوظا ولو كان له أصل لما حرم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نساءهم وهو كان أولى بعلم ذلك ، ويجوز أن يصح هذا من تحريم نسائهم وذبائحهم ; لأن الكتاب المبيح لذلك هو الكتاب المنزل على إحدى الطائفتين ، وليس هؤلاء منهم ، ولأن كتابهم رفع فلم ينتهض للإباحة ، ويثبت به حقن دمائهم .
فأما قول
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور في
حل ذبائحهم ونسائهم فيخالف الإجماع فلا يلتفت إليه ، وقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919317 " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " في أخذ الجزية منهم ، إذا ثبت هذا ، فإن
أخذ الجزية من أهل الكتاب والمجوس ثابت بالإجماع لا نعلم في هذا خلافا ، فإن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أجمعوا على ذلك وعمل به الخلفاء الراشدون ومن بعدهم إلى زمننا هذا من غير نكير ولا مخالف ، وبه يقول أهل العلم من
أهل الحجاز والعراق والشام ومصر وغيرهم ، مع دلالة الكتاب على أخذ الجزية من
أهل الكتاب ، ودلالة السنة على أخذ
[ ص: 267 ] الجزية من
المجوس بما روينا
nindex.php?page=hadith&LINKID=920272من قول المغيرة لأهل فارس : أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية . وحديث
بريدة nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف ، وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
nindex.php?page=hadith&LINKID=919317سنوا بهم سنة أهل الكتاب ولا فرق بين كونهم عجما أو عربا ، وبهذا قال
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور وابن المنذر . وقال
أبو يوسف : لا تؤخذ الجزية من العرب ; لأنهم شرفوا بكونهم من رهط النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ولنا عموم الآية ، وأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد إلى
دومة الجندل فأخذ
أكيدر دومة فصالحه على الجزية وهو من العرب ، رواه
أبو داود ، وأخذ الجزية من
نصارى نجران وهم عرب ، وبعث
معاذا إلى
اليمن فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920273 " إنك تأتي قوما أهل كتاب " متفق عليه . وأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا وكانوا عربا ، قال
ابن المنذر : ولم يبلغنا أن قوما من العجم كانوا سكانا
باليمن حين وجه
معاذا ، ولو كان لكان في أمره أن يأخذ من جميعهم من كل حالم دينارا دليل على أن
العرب تؤخذ منهم الجزية ، وحديث
بريدة فيه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يأمر من بعثه على سرية أن يدعو عدوه إلى أداء الجزية ، ولم يخص بها عجميا دون غيره ، وأكثر ما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يغزو العرب ، ولأن ذلك إجماع فإن
عمر ـ رضي الله عنه ـ أراد الجزية من
نصارى بني تغلب فأبوا ذلك ، وسألوه أن يأخذ منهم مثلما يأخذ من المسلمين فأبى ذلك عليهم حتى لحقوا
بالروم ، ثم صالحهم على ما يأخذه منهم عوضا عن الجزية ، فالمأخوذ منهم جزية غير أنه على غير صفة جزية غيرهم ، وما أنكر أخذ الجزية منهم أحد فكان ذلك إجماعا ، وقد ثبت بالقطع واليقين أن كثيرا من نصارى العرب ويهودهم كانوا في عصر الصحابة في بلاد الإسلام ، ولا يجوز إقرارهم فيها بغير جزية ، فثبت يقينا أنهم أخذوا الجزية منهم ، وظاهر كلام
الخرقي أنه لا فرق بين من دخل في دينهم قبل تبديل كتابهم أو بعده ، ولا بين أن يكون ابن كتابيين أو ابن وثنيين أو ابن كتابي ووثني .
وقال
أبو الخطاب : من دخل في دينهم بعد تبديل كتابهم لم يقبل منه الجزية ، ومن ولد بين أبوين أحدهما تقبل منه الجزية ، والآخر لا تقبل منه فهل تقبل منه ؟ على وجهين وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
ولنا عموم النص فيهن ، ولأنهم من أهل دين تقبل من أهله الجزية فيقرون بها كغيرهم ، وإنما تقبل منهم الجزية إذا كانوا مقيمين على ما عوهدوا عليه من بذل الجزية والتزام أحكام الملة ; لأن الله تعالى أمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية أي: يلتزموا أداءها فما لم يوجد ذلك يبقوا على إباحة دمائهم وأموالهم .