( استطراد في
حقيقة معنى الجهاد أو الحرب والغزو )
وإصلاح الإسلام فيها
الجهاد كلمة إسلامية تستعمل بمعنى الحرب عند بقية الأمم بمعنى كون كل منهما مصلحة من مصالح الدولة العامة لها أحكام خاصة ، وتستعمل بمعناها اللغوي الأعم ، وهي مصدر جاهد يجاهد مجاهدة وجهادا كقاتل يقاتل مقاتلة وقتالا ، فهي صيغة مشاركة من الجهد وهو الطاقة والمشقة ، كما أن القتال مشاركة من القتل ، قال
الراغب في مفردات القرآن : والجهاد والمجاهدة استفراغ الوسع في مدافعة العدو .
والجهاد ثلاثة أضرب ، مجاهدة العدو الظاهر . ومجاهدة الشيطان ، ومجاهدة النفس . وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى
وجاهدوا في الله حق جهاده ( 22 : 78 ) و
وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ( 9 : 41 ) و
إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ( 8 : 72 ) وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ
جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم والمجاهدة تكون باليد واللسان . قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920276جاهدوا الكفار بأيديكم وألسنتكم اهـ والجهاد بالألسنة إقامة البرهان والحجة .
لا أذكر من خرج الحديثين اللذين استشهد بهما
الراغب في الجهاد المعنوي ، وفي معناهما أحاديث أخرى كحديث
nindex.php?page=showalam&ids=16789فضالة بن عبيد عند
الترمذي nindex.php?page=hadith&LINKID=920277المجاهد من جاهد نفسه وحديث
أبي ذر عند
ابن النجار أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه ورواه
الديلمي بلفظ " أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله تعالى " وحديث
جابر عند
الخطيب قدمتم خير مقدم ، قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، مجاهدة العبد هواه وحديث
علي عند
أبي نعيم في الحلية
الجهاد أربع : الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والصدق في مواطن الصبر ، وشنآن الفاسق وغيرها . وإنما أكثرنا من هذه الشواهد ; لأن الإفرنج ومقلديهم وتلاميذهم من نصارى المشرق يزعمون أن الجهاد هو قتال المسلمين لكل من ليس بمسلم ، لإكراههم على الإسلام ، وإن لم يعتدوا عليهم ولم يعادوهم ، وقد علمت
[ ص: 270 ] مما تقدم آنفا وما سنفصله به تذكيرا بما فصلناه من قبل ، أن هذا كذب وافتراء على الإسلام ، ومنه ما تقدم في سورتي الأنفال والبقرة أن من غايات القتال فيه منع الفتنة في الدين ، أي اضطهاد الناس لأجل إيمانهم وإكراههم على تركه ، وقوله تعالى :
لا إكراه في الدين ( 2 : 256 ) ونص الأمر بقتال من يقاتلنا ويعادينا في ديننا ، والنهي عن الاعتداء المحض ، ونص تفضيل السلم على الحرب ، ووجوب الجنوح إليها إذا جنح العدو ، ونص جعل الغرض الأول من الاستعداد للقتال إرهاب الأعداء رجاء أن يكفوا عن الاعتداء ، ونصوص أحكام المعاهدين للمسلمين ، وتحريم قتالهم ما داموا محافظين على العهد ، ومن أعجبها قوله تعالى في المسلمين غير الخاضعين لإمام المسلمين في دار الإسلام ، كالذين أسلموا ولم يهاجروا إلى
المدينة في عهده عليه الصلاة والسلام :
وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ( 8 : 72 ) وقد بينا مرارا أنه كان من سياسة الإسلام إبطال الوثنية وعبادة الأصنام من جزيرة العرب وجعلها موئله ومأرزه ، وأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما قاتل مشركيها إلا دفاعا كما تقدم في هذه السورة .