(
مقاصد القرآن ، في ترقية نوع الإنسان ، وما فيه من التكرار ) .
إن مقاصد القرآن من إصلاح أفراد البشر وجماعاتهم وأقوامهم وإدخالهم في طور الرشد وتحقيق أخوتهم الإنسانية ووحدتهم وترقية عقولهم وتزكية أنفسهم منها ما يكفي بيانه لهم في الكتاب مرة أو مرتين أو مرارا قليلة ، ومنها ما لا تحصل الغاية إلا بتكرار كثير لأجل أن يجتث من أعماق الأنفس كل ما كان فيها من آثار الوراثة والتقاليد والعادات القبيحة الضارة ويغرس في مكانها أضدادها ، ويتعاهد هذا الغرس بما ينميه حتى يؤتي أكله ويينع ثمره ، ومنها ما يجب أن يبدأ
[ ص: 171 ] بها كاملة ، ومنها ما لا يمكن كماله إلا بالتدريج ، ومنها ما لا يمكن وجوده إلا في المستقبل فيوضع له بعض القواعد العامة ومنها ما يكفي فيه الفحوى والكناية .
والقرآن كتاب تربية عملية وتعليم ، لا كتاب تعليم فقط ، فلا يكفي أن يذكر فيه كل مسألة مرة واحدة واضحة تامة كالمعهود في كتب الفنون والقوانين ، وقد بين الله تعالى ذلك بقوله في موضوع البعثة المحمدية : (
هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) ( 62 : 2 ) وإننا نذكر هنا أصول هذه المقاصد كما وعدنا عند قولنا إن ما جاء به
محمد - صلى الله عليه وسلم - هو أعلى وأكمل مما جاء به من قبله جميع الأنبياء والحكماء والحكام فهو برهان على أنه من عند الله تعالى لا من فيض استعداده الشخصي ، وإننا نقسم هذه المقاصد إلى أنواع ونبين حكمة القرآن ، وما امتاز به في كل نوع منها بالإجمال لأن التفصيل لا يتم إلا إذا يسر الله لنا ما وعدنا به من تفسير مقاصد القرآن كلها في أبواب نبين في كل باب منها وجه حاجة البشر إلى ذلك المقصد وكون القرآن وفى بهذه الحاجة بما نأتي به من جملة آياته فيه .
( النوع الأول من مقاصده الإصلاح الديني لأركان الدين الثلاثة ) .
إن أركان الدين الأساسية التي بعث بها جميع رسل الله تعالى وناط بها سعادة البشر هي الثلاثة المبينة بقوله : (
إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ( 2 : 62 ) وهاك الكلام على كل منها بالإيجاز .