صفحة جزء
فضل الفاتحة وكونها هي السبع المثاني

قال الله تعالى في سورة الحجر مخاطبا خاتم الأنبياء والمرسلين : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) ( 15 : 87 ) وقد ثبت في الحديث الصحيح والآثار الصحيحة عن الصحابة والتابعين : أن السبع المثاني هي سورة الفاتحة ، ومعنى كونها مثاني : أنها تثنى وتعاد في كل ركعة من الصلاة لفرضيتها فيها كما تقدم ، وقيل معناه : أنها يثنى فيها على الله تعالى بما أمره ، وقيل غير ذلك :

فأما الحديث المرفوع في تفصيلها وكونها هي المرادة بالسبع المثاني فهو ما رواه البخاري في مواضع من صحيحه ، وأصحاب السنن عن أبي سعيد بن المعلى ، وروى نحوه مالك والترمذي والحاكم من حديث أبي هريرة . ذكر أبو سعيد بن المعلى : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له وهما في المسجد : " لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن نخرج من المسجد - وفي رواية : قبل أن أخرج - ( قال ) : أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له : ألم تقل " لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن ؟ " فقال : الحمد لله رب العالمين ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته " وفي حديث أبي هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بن كعب : " أتحب أن أعلمك سورة لم تنزل في التوراة ولا الإنجيل ولا في الفرقان مثلها ؟ قال أبي : ثم أخذ بيدي يحدثني وأنا أتباطأ مخافة أن يبلغ الباب قبل أن ينقضي الحديث ولما سأله عن السورة قال : " كيف نقرأ في الصلاة ؟ " فقرأت عليه أم الكتاب فقال : " إنها السبع المثاني [ ص: 80 ] والقرآن العظيم الذي أوتيته " . وفيه إزالة إشكال في حديث أبي سعيد بن المعلى ، وهو أن ظاهره يوهم أنه لم يكن يعرف الفاتحة مع أنه كان يصلي في ذلك اليوم وقبله فهو من الأنصار - وقد علم من حديث أبي هريرة : أن المراد بتعليمه هذه السورة تعليمه ما فيها من الفضيلة على غيرها ، وكونها هي المرادة بآية سورة الحجر . وأما عطف القرآن على " سبعا من المثاني " فهو من عطف الكل على الجزء أو العام على الخاص ، وقيل في توجيهه غير ذلك .

وقد تعلق برواية " الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني " من قالوا : إن البسملة ليست من الفاتحة . وعكس الآخرون قائلين : إن المراد بالجملة الأولى لفظها على أنه اسم السورة وإلا ما صح قوله : هي السبع المثاني ؛ لأنها آية واحدة ، وإنما السبع المثاني : هي آيات الفاتحة السبع ، وهي ليست سبعا إلا بالبسملة آية منها ، فكونها منها ثابت بالقرآن أي بآية سورة الحجر ، كما فسرها أعلم الناس به وهو الرسول الذي أنزله الله عليه ، وكبار أصحابه والتابعين والحديث يدل على تسميتها بالحمد لله رب العالمين ، إذ لا يصح معناه إلا بذلك .

وأما الآثار فقد فصلها السيوطي في الدر المنثور ، وأجملها الحافظ في الفتح مع بيان درجة أسانيدها بقوله : وقد روى الطبري بإسنادين جيدين عن عمر ثم عن علي قال : السبع المثاني فاتحة الكتاب - زاد عن عمر " تثنى في كل ركعة " " وبإسناد منقطع عن ابن مسعود مثله ، وبإسناد حسن عن ابن عباس : أنه قرأ الفاتحة ، ثم قال : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) قال : هي فاتحة الكتاب ، وبسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة ومن طريق جماعة من التابعين : السبع المثاني فاتحة الكتاب . ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال : السبع المثاني فاتحة الكتاب : قلت للربيع : إنهم يقولون : إنها السبع الطول ( جمع طولى مؤنث أطول ) قال : لقد أنزلت هذه الآية وما نزل من الطول شيء . ا هـ .

يقول محمد رشيد : يعني أن سورة الحجر التي فيها هذه الآية قد نزلت بمكة قبل السور السبع الطول وهن : البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة - المدنيات - والأنعام والأعراف ، ويونس - المكيات - كذا قال بعضهم في السابعة : إنها سورة يونس ، قال آخرون : هي الأنفال ، وبراءة - وعدهما سورة واحدة - وقال بعضهم : إن الراوي نسي السابعة عن ابن عباس .

والقول بأنها السبع الطول ، رواه النسائي والطبري والحاكم عن ابن عباس بإسناد قوي كما قال الحافظ . ولا حاجة إلى التفصيل فيه فإنه مردود لمخالفته للحديث الصحيح المرفوع ، ولا قول لأحد من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ومنه يعلم أن قوة الإسناد لا قيمة لها تجاه الدليل القوي على بطلان متن الرواية .

التالي السابق


الخدمات العلمية