[ ص: 356 ] ( كتاب الفرقان لشيخ الإسلام )
(
استمتاع البشر والجن والشياطين بعضهم ببعض ، وتمثلهم بصور الأولياء والقديسين )
هذا الكتاب لشيخ الإسلام
أحمد تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى ، بين فيه تحقيق الحق في أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ، ومن أهم مباحثه ملابسة الجن والشياطين للناس وتلبيسهم عليهم ، واستمتاع كل منهما بالآخر ، وظهور بعضهم لبعض الناس في صور مشايخهم وغيرهم من الأولياء
والخضر والأنبياء عليهم السلام والإيحاء إلى بعضهم فيما يضلهم ويغويهم ، وظهور بعض المؤمنين منهم فيما هو نافع ، ومن ذلك ما وقع له هو نفسه ، وفي هذا الكتاب من مباحث التفسير وهدي السنة والتفرقة بين المعجزات والكرامات وبين السحر والكهانة واستخدام الجن والتأويل الباطل ووجوب الاتباع ما لا يوجد في غيره ، وحكايات استخدام الجن كثيرة في قديم الأمم كلها وحديثها ، وأكثر الذين يدعونها أو كلهم دجالون محتالون على أكل أموال الناس بالباطل ، وأكثر من يتمثلون لهم لا يعلمون أنهم منهم ، وشيخ الإسلام محقق وصديق لا يرمي القول على عواهنه .
ومما قاله في هذا الكتاب أنه قد تواتر عن كثير من المسلمين
واليهود والنصارى رؤية من يقول لهم إنه
الخضر وإنهم صادقون في قولهم ، ولكن الذي يتراءى لهم ويقول هذا القول شيطان لا
الخضر الذي ثبت عند المحدثين أنه قد مات ومثل ذلك ظهور
المسيح عليه السلام لكثير من
النصارى عقب رفعه وبعده إلى الآن ثم قال :
( ( وأصحاب
الحلاج لما قتل كان يأتيهم من يقول أنا
الحلاج فيرونه في صورته ، وكذلك شيخ
بمصر يقال له
الدسوقي بعد أن مات كان يأتي أصحابه من جهته رسائل وكتب مكتوبة ، وأراني صادق من أصحابه الكتاب الذي أرسله فرأيته بخط الجن - وقد رأيت خط الجن غير مرة - وفيه كلام من الجن ، وذاك المعتقد يعتقد أن الشيخ حي ، وكان يقول انتقل ثم مات ، وكذلك شيخ آخر كان بالمشرق وكان له خوارق من الجن ، وقيل : كان بعد هذا يأتي خواص أصحابه في صورته فيعتقدون أنه هو . والذين كانوا يعتقدون بقاء
علي أو بقاء
محمد بن خليفة قد كان يأتي إلى بعض أصحابهم جني في صورته ، وهكذا منتظر
الرافضة قد يراه أحدهم أحيانا ويكون المرئي جنيا .
( ( فهذا باب واسع واقع كثيرا ، وكلما كان القوم أجهل كان عندهم أكثر ، ففي المشركين أكثر مما في
النصارى ، وهو في
النصارى كما هو في الداخلين في الإسلام ، وهذه الأمور يسلم بسببها ناس ويتوب بسببها ناس يكونون أضل من أصحابها فينتقلون بسببها إلى ما هو
[ ص: 357 ] خير مما كانوا عليه ، كالشيخ الذي فيه كذب وفجور من الإنس قد يأتيه قوم كفار فيدعوهم إلى الإسلام فيسلمون ويصيرون خيرا مما كانوا وإن كان قصد ذلك الرجل فاسدا ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=920505إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم ) ) وهذا كان كالحجج والأدلة التي يذكرها كثير من أهل الكلام والرأي فإنه ينقطع بها كثير من أهل الباطل ، ويقوى بها قلوب كثير من أهل الحق ، وإن كانت في نفسها باطلة فغيرها أبطل منها والخير والشر درجات ، فينتفع بها أقوام ينتقلون مما كانوا عليه إلى ما هو خير منه ، ( ( وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من
الرافضة والجهمية وغيرهم إلى الكفار ، فأسلم على يديه خلق كثير وانتفعوا بذلك وصاروا مسلمين مبتدعين ، وهو خير من أن يكونوا كفارا وكذلك بعض الملوك قد يغزو غزوا يظلم فيه المسلمين والكفار ويكون آثما بذلك ، ومع هذا فيحصل به نفع خلق كثير كانوا كفارا فصاروا مسلمين ، وذاك كان شرا بالنسبة إلى القائم بالواجب ، وأما بالنسبة إلى الكفار فهو خير ، وكذلك كثير من الأحاديث الضعيفة في الترغيب والترهيب والفضائل والأحكام والقصص ، قد يسمعها أقوام فينتقلون بها إلى خير مما كانوا عليه وإن كانت كذبا وهذا كالرجل يسلم رغبة في الدنيا ورهبة من السيف ، ثم إذا أسلم وطال مكثه بين المسلمين دخل الإيمان في قلبه ، فنفس ذل الكفر عليه وانقهاره ودخوله في حكم المسلمين خير من أن يبقى كافرا ، فانتقل إلى خير مما كان عليه وخف الشر الذي كان فيه ، ثم إذا أراد الله هدايته أدخل الإيمان في قلبه ، والله تعالى بعث الرسل بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتعليلها ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - دعا الخلق بغاية الإمكان ، ونقل كل شخص إلى خير مما كان عليه بحسب الإمكان ، (
ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون ) ( 46 : 19 ) وأكثر المتكلمين يردون باطلا بباطل وبدعة ببدعة ، لكن قد يردون باطل الكفار من المشركين وأهل الكتاب بباطل المسلمين ، فيصير الكافر مسلما مبتدعا ، وأخص من هؤلاء من يرد البدع الظاهرة كبدعة الرافضة ببدعة أخف منها وهي بدعة أهل السنة وقد ذكرنا فيما تقدم أصناف البدع ، انتهى المراد منه .
( أقول ) كل المشاهدات التي نقل خبرها شيخ الإسلام هنا مشهورة عن أهل عصره وأهل عصرنا ، وقد نقل عن
الشيعة أنهم يستفتون المهدي المنتظر في بعض المشكلات ، فيضعون
[ ص: 358 ] ورقة الاستفتاء في كل شجرة ثم يجدون الفتوى مكتوبة عليها وأنها عندهم من أقوى الحجج أو أقواها ، وقد بينا هذا في المنار ، ومن هذا ما يكون من حيل شياطين الناس وتزويرهم ، ومنهم من هم شر من شياطين الجن .