الباب الثالث
في النبوة والرسالة وفيه فصلان
( الفصل الأول : في
الرسالة العامة والرسل الأولين وفيه سبع مسائل )
( 1 ) في الآية الثانية من السورة إثبات وحي الرسالة ، وأن الرسل رجال من الناس ، وأن وظيفتهم الإنذار والتبشير ، وأن الكفار كانوا ينكرون أن يكون البشر رسلا لله تعالى ، وكانوا يسمون آيات الرسول إليهم سحرا ويسمونه ساحرا .
( 2 ) في الآية 13 أن الله تعالى أهلك القرون ( الأمم ) القديمة لما ظلموا أنفسهم بالشرك والإجرام ، وجاءتهم رسلهم بالبينات الدالة على صدقهم في التبليغ عن الله تعالى ولم يؤمنوا فجزاهم بإجرامهم .
( 3 ) في الآية 49 أن الرسول لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا فضلا عن غيره ، لأن هذا لله وحده ، والرسل فيه كغيرهم كما ترى في آيات توحيده .
( 4 ) في الآية 47 أن الله تعالى جعل لكل أمة رسولا ، فليست الرسالة خاصة
ببني إسرائيل كما يدعون ، ولا بهم وبالعرب كما توهم آخرون ، والشبهة على هذه الكلية أن
[ ص: 410 ] أكثر أمم الأرض وثنية وتواريخها عريقة في ذلك ، كقدماء المصريين والكلدانيين والأشوريين والفرس والهند والصين وشعوب الإفرنج القديمة وكذا قدماء أمريكة . وجوابها أن جميع هذه الأمم لها أديان قائمة على الأركان الثلاثة التي بعث بها جميع الرسل الأولين ، وهي
الإيمان بالله ، واليوم الآخر ، والعمل الصالح ، وقد طرأت على كل منها التقاليد الوثنية طروءا كما بيناه في مباحث الوحي ، وشواهد ذلك ظاهرة في آخر هذه الأمم حتى المسلمين .
( 5 ) في هذه الآية أيضا أن كل رسول عانده قومه قضى الله بينه وبينهم بالقسط ، والآيات التي بعدها في تكذيب قوم نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، وستذكر في الفصل الثاني .
( 6 ) من الشواهد على هذا قصة
نوح مع قومه في خلاصة دعوته لهم وإصرارهم على تكذيبه ، وإهلاك الله إياهم بالغرق ، وإنجاء
نوح ومن آمن معه في الفلك ، وجعلهم خلائف في الأرض ، وهي في ثلاث آيات 71 - 73 ويليها آية واحدة في الرسل الذين بعثوا بعده إجمالا ، ويليها قصة
موسى وفرعون وملئه ، وغايتها أنه تعالى أهلك فرعون ومن أتبع
بني إسرائيل معه بالغرق ، وأنجى
موسى وبني إسرائيل وجعلهم خلائف في الأرض المقدسة إلى حين ، وهي في الآيات 75 - 93 وسنبين ما في هاتين القصتين من الفوائد والعبر في قصص الرسل من تفسير سورة
هود ( عليه السلام ) .
( 7 ) في الآية 98 العبرة
لأهل مكة بقوم
يونس ، بأنهم استحقوا عذاب الخزي والاستئصال بعنادهم
لمحمد رسول الله وخاتم النبيين كما استحقه قوم
يونس ، وأنهم إذا آمنوا قبل وقوع هذا العذاب ينفعهم إيمانهم كما نفع قوم
يونس عليهما السلام .
( الفصل الثاني : في رسالة
محمد نبينا - صلى الله عليه وسلم - )
وسيرته مع قومه وعاصمة بلاده ، ونجعل آياته في أحد عشر نوعا
( 1 ) في الآية الثانية أن
الكافرين أنكروا دعوة نبوته ، وعجبوا منها أن كان رجلا منهم يوحى إليه ، وسموا آيته سحرا ونبزوه بلقب ساحر مبين ، كما تقدم في الكلام على الوحي وعلى الرسالة العامة في أول الفصل الأول ، والآية نزلت فيه - صلى الله عليه وسلم - وشبهة السحر لا تخيل ( أي لا تشتبه ؛ من أخال الأمر إذا أشكل واشتبه ) في القرآن كالآيات الكونية ، وإنما قالوه تكلفا وعنادا .
( 2 ) في الآية 15 أنهم اقترحوا عليه أن يأتي بقرآن غير هذا القرآن الذي أعجزهم أمره أو أن يبدله ، وفي الآية 16 الرد عليهم بما تقدم مفصلا ، ويليها تأييد الرد .
( 3 ) في الآية 20 اقتراحهم عليه - صلى الله عليه وسلم - أن يأتيهم بآية كونية وجوابه لهم : وفي الآيتين 96 ، 97 أن الذين حقت عليهم كلمة الله بفقدهم الاستعداد للإيمان لا يؤمنون ولو جاءهم كل آية كونية مما اقترحوا ومما لم يقترحوا .
[ ص: 411 ] ( 4 ) في الآية 37 بيان أن هذا
القرآن لا يمكن أن يكون مفترى من دون الله ; إذ لا يقدر على مثله أحد من خلق الله ، وأنه تصديق لما تقدمه من دعوة الرسل ، وتفصيل لما أجمل فيما قبله من الكتب ، فهو من رب العالمين لا ريب فيه ; لأن
محمدا - صلى الله عليه وسلم - ما كان يدري شيئا مما نزل فيه .
( 5 ) في الآية 38
تحدي المشركين الذين قالوا افتراه ، وهو مطالبتهم بالإتيان بسورة مثله ، واستعانتهم على ذلك بمن يستطيعون استعانتهم من دون الله تعالى .
( 6 ) في الآية 39 الإضراب عن التكذيب المطلق إلى التكذيب بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ، وهو ما وعدهم به من العذاب بقسميه الدنيوي والأخروي .
( 7 ) في الآيات 40 - 45 أن من أولئك المشركين من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به ، ومناقشة المكذبين ، ووصف حال من فقدوا الاستعداد للإيمان بحيث لا يعقلون الدلائل السمعية ولا البصرية ، وإبهام أمر ما وعدوا به من العذاب هل يقع في حياته - صلى الله عليه وسلم - أو بعد وفاته ، وحكمة هذا الإبهام له واستعجالهم به ، وكونهم يؤمنون به عند وقوعه فلا ينفعهم إيمانهم يومئذ - وسؤالهم : أحق هو ؟ وجوابهم بالقسم : ( إنه لحق ) لأن وعد الله كله حق ، وفي تفسيرنا له بيان قلة الكذب في العرب ، واحترام القسم بالله تعالى ، واشتهار النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصدق والأمانة فيهم من صغره .
( 8 ) بعد أن أيد الله دعوته - صلى الله عليه وسلم - بقصتي
نوح وموسى بالإيجاز مفصلة ، وذكر من بينهما بالإشارة المجملة ، أخبره أن الذين يقرءون الكتاب من قبله عندهم علم من ذلك ، فلو أنه كان في شك منه وسألهم لأجابوا : إنه الحق من ربه ، وهذا تأكيد لكونه لا موضع للامتراء به .
( 9 )
كان - صلى الله عليه وسلم - يحزنه تكذيب قومه له وكفرهم بما جاء به ، فنهاه الله عن ذلك في الآية 65 وكان يتمنى إيمانهم كلهم فجاءه في الآيات 96 - 101 بيان سنة الله في اختلاف استعداد الناس للإيمان والكفر ، وأنه لو شاء لجعلهم كلهم مؤمنين ، ولكانوا غير هذا النوع من خلق الله ، ولكنه لم يشأ ، وإذن لا يقدر الرسول ولا غيره على إكراههم على الإيمان ، وأن الآيات لا تنفع إلا المستعدين للإيمان والصلاح ، وأن النجاة لرسل الله ومن آمن بهم بمقتضى سنته تعالى في خلقه .
( 10 ) ختم السورة من الآية 104 - 109 بتجديد الدعوة إلى تجريد التوحيد والعبودية المحض ، وكون الحق قد تبين ، فمن اهتدى فلنفسه ، ومن ضل فعليها ، وإنما
الرسول - صلى الله عليه وسلم - مبلغ لا وكيل لله متصرف في أمر عباده ، فعليه أن ينتظر حكمه وهو خير الحاكمين .
[ ص: 412 ] ( 11 ) إعلامه تعالى هذه الأمة في الآية 14 بأنه جعلهم خلائف في الأرض كلها بعد إهلاك أكثر القرون الأولى من أقوام الأنبياء المعاندين لرسلهم ، وتحريف آخرين لأديانهم ، ونسخه تعالى لما بقي منها ببعثة خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه يختبرهم بهذه الخلافة فيجزيهم بما يعملون فيها ، وأخرنا هذا لأنه ثمرة إجابة الدعوة في الدنيا كما وعدهم وأنجز وعده لهم بشرطه في الآية ( 24 : 55 ) من سورة النور .