مزايا قصص القرآن في إعجاز عباراتها :
وجميع هذه السور تختلف أناظيم سورها في أوزانها وفواصلها ، وفي أساليب الكلام فيها ، مع اتفاقها وتشابهها في الفصاحة والبلاغة البيانية ، في الفصل والوصل ، والقصر والحصر ، ومواضع حروف العطف ، وصيغ الاستفهام والنفي والشرط ، والتعريف والتنكير ، والتقديم والتأخير ، ودرجات التأكيد ، والإطلاق والتقييد ، والعموم والتخصيص ، والإجمال والتفصيل ، والإيجاز والتطويل ، والحذف والتكرير ، وفنون المجاز والكناية والتعريض ، وغير ذلك من ألوان التعبير ، كالالتفات والتضمين ، وصيغ الأفعال وتعديتها ، والقراءات التي تختلف معانيها ، فإن لعبارات القرآن في ذلك كله من الدقة الغريبة ، والمعاني العجيبة ، ما لا يقرب منه شيء من كلام بلغاء البشر ، ومن شأن اختلاف القصة الواحدة فيه أن تتعارض وتتناقض بتعدد التكرار وهي محفوظة منه ، وقد عرضت لنكت الاختلاف بينها في المقابلة التي أوردتها في قصص سورة الأعراف مع غيرها .
[ ص: 35 ] ثم إنك تجد لكل لون من هذه الألوان من التعبير نغما خاصا به في الترتيل ، ولكل منهما نوعا جديدا من التأثير ، فاستمع لمرتل قصة موسى في سورة طه ساعة ( زمانية لا فلكية ) وفي سورة الشعراء ساعة ثانية ، وفي سورة القصص بعدها وهي الثالثة الأخرى ، وتأمل ما تجد من الفرق بينهن في سمعك ، متدبرا ما تشعر به من الخشوع والعبرة في قلبك ، والقصة واحدة ، ثم جرب هذه المقارنة في القصص المتعددة من السور المختلفة في النظم والأسلوب ، كهود والنمل ومريم والأنبياء والصافات و ( ( ص ) ) والقمر ، تجد العجب العجاب ، ولا تنس أنها جاءت على لسان رجل لم يكن من رجال البيان في يوم من الأيام .
إذا فطنت لما ذكر كله ، بدا لك أن عجز البشر عن معارضة هذه القصص في جملة سورها ، بفصاحتها وبلاغتها في كل أسلوب من أساليبها ، وكل نظم من أناظيمها ، لا يتحقق في سورة واحدة أو ثنتين أو ثلاث منها ، وهأنذا قد ذكرت لك عشرا منها مختلفات متفقات متشابهات غير مشتبهات ، ولكن حكمة العشر إنما تظهر على أكملها في الإعجاز المعنوي ، فألق السمع إلى ما ألقيه إليك منها .