( ختم قصص الرسل بآيات من
قصة موسى وفرعون ) :
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ( 96 )
إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد ( 97 )
يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود ( 98 )
وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود ( 99 ) .
[ ص: 125 ] حكمة هذه الآيات الأربع من قصة
موسى - عليه السلام - مع
فرعون وملئه ، هي الإعلام بأن عاقبة
فرعون وأشراف قومه اللعنة والهلاك ككفار أولئك الأقوام الظالمين ، ولكن عذاب الخزي لم يشمل جميع قوم
فرعون لما بيناه من قبل ، ولم نر أحدا سبقنا إلى مثله ، ولما كان إرسال
موسى إلى
فرعون لا يصح أن يعطف على إرسال
شعيب إلى
مدين لأنه لا يشاركه في نوعه المشترك مع إرسال
صالح وهود - عطف على قوله -
ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى - 96 وقد بينا حكمة اختلافه عما قبله فراجعه .
-
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين - أي بآياتنا التسع المعدودة في سورة الإسراء والمفصلة في غيرها ( وقد سبق ذكرها في قصته من سورة الأعراف ) ، -
وسلطان مبين - أي وبرهان واضح البيان ، وهو ما آتاه الله من الحجة البالغة في محاوراته مع
فرعون . وقيل : هي العصا لأنها أكبر آياته ، وعطفها على ما قبلها من عطف الخاص على العام ، ولكن الله قال :
وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها 43 : 48
-
إلى فرعون وملئه - بينا مرارا أن الملأ أشراف القوم وزعماؤهم ، وأضافهم إلى
فرعون وخصهم بالذكر لأنهم أهل الحل والعقد والاستشارة في دولته الذين يسألهم رأيهم في
موسى وغيره ، ويعهد إليهم بتنفيذ ما يتقرر من الأمور كمسألة السحرة ، وإنما يذكر قومه في مقام الاتباع له في الكفر والظلم وعذاب الآخرة دون عذاب الاستئصال - فاتبعوا أمر
فرعون - في كل ما قرره من الكفر
بموسى ، وجمع السحرة لإبطال معجزته ، ومن قتل السحرة لإيمانهم به ، ومن تشديد الظلم على
بني إسرائيل بتقتيل أبنائهم واستحياء نسائهم ، وغير ذلك مما هو مفصل في قصته من السور الأخرى -
وما أمر فرعون برشيد - أي : ما شأنه وتصرفه بذي رشد وهدي ، بل هو محض الغي والضلال ، والظلم والفساد . في غروره بنفسه وكفره بربه وطغيانه في حكمه ، وماذا يكون جزاؤه مع قومه في الآخرة ؟ الجواب .
-
يقدم قومه يوم القيامة - أي يتقدمهم ويكونون تبعا له في ذلك اليوم كما كانوا تابعين له في الدنيا إلا من كان مؤمنا -
فأوردهم النار - أي : فيوردهم نار جهنم معه ، أي : يدخلهم إياها ، فالإيراد هنا بمعنى الإدخال كما استعمل الورود بمعنى الدخول ، وعبر عنه بالفعل الماضي لتحقق وقوعه ، وقيل : إن المراد أنه بإغرائه إياهم قد جعلهم مستحقين لها ، وقد ورد أن آله يعرضون عليها منذ ماتوا صباحا ومساء من كل يوم وهو قوله - تعالى - : -
وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب - 40 : 45 و 46 .
-
وبئس الورد المورود - هي لأن وارد الماء يرده لتبريد كبده وإطفاء غلته من حر الظمأ ، ووارد النار يحترق فيها احتراقا ، وفيه إشارة إلى الخيبة .
[ ص: 126 ] الورود في أصل اللغة بلوغ الماء وموافاته في مورده من نهر وغيره ، والورد بالكسر اسم المصدر ، ويطلق على الماء ، يقال : ورد البعير أو غيره الماء يرده وردا فهو وارد والماء مورود ، أورده إياه إيرادا جعله يرده ، ومنه ورود جهنم بمعنى دخولها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنه - في الآية : الورود الدخول . وقال : الورود في القرآن أربعة أوراد ، في هود قوله : -
وبئس الورد المورود - 98 وفي مريم : -
وإن منكم إلا واردها - 19 : 71 وورد في الأنبياء : -
حصب جهنم أنتم لها واردون - 21 : 98 وورد في مريم أيضا : -
ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا - 19 : 86 وكان يقول : والله ليردن جهنم كل بر وفاجر -
ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا - 19 : 72 .
- وأتبعوا في هذه لعنة - أي : وألحقت بهم في الدنيا لعنة أتبعهم الله إياها بقوله : -
وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين - 28 : 42 وقال هنا : - ويوم القيامة - أي وأتبعوا يوم القيامة لعنة أخرى ، فهم يلعنون في الدنيا والآخرة . وقد سمى هذه رفدا ; تهكما بهم فقال : -
بئس الرفد المرفود - الرفد ( بالكسر ) في أصل اللغة العطاء والعون : يقال : رفده ( من باب ضرب ) أعانه وأعطاه ، وأرفده مثله ، أو جعل له رفدا يتناوله شيئا فشيئا ، فرفده وأرفده كسقاه وأسقاه ، - وبئس الرفد المرفود - أي العطاء المعطى هذه اللعنة التي أتبعوها ، وحكى
الماوردي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي أن الرفد بالفتح ، القدح وبالكسر ما فيه من الشراب ، هو تفسير للعام بالخاص مناسب للورد المورود قبله . أي بئس ما يسقونه في النار عندما يردونها ذلك الشراب الذي يسقونه فيها ، وهو ما وصفه الله - تعالى - بقوله : -
وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم - 47 : 15 .
والعبرة في الآيات : أنه لا يزال يوجد في البشر فراعنة يغوون الناس ويستخفونهم ويستعبدونهم فيطيعونهم ويذلون لهم ذل العبد لسيده ، والحمار لراكبه ، والحيوان لمالكه ، ولم يستفيدوا شيئا من هداية القرآن ورشده ، وتجهيله لقوم
فرعون في اتباع أمره ، مع وصفه بقوله : -
وما أمر فرعون برشيد - 97 وبيان أنه كان سببا لإتباعهم لعنة في الدنيا ولعنة يوم القيامة ، وأنه سيقودهم في الآخرة إلى النار ، كما قادهم في الدنيا إلى الغي والفساد ، ومنهم من يدعون الإسلام ولم يفقهوا قول الله - تعالى - لرسوله في آية مبايعة النساء -
ولا يعصينك في معروف - 60 : 12 وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919642لا طاعة لأحد في معصية الله " إنما الطاعة في المعروف ( متفق عليه من حديث
علي ) .