( الباب الثاني ) :
( في الوحي المحمدي " القرآن العظيم " وإثبات رسالته - صلى الله عليه وسلم - به ، وفيه سبع مسائل ) :
( المسألة الأولى ) افتتح هذه السورة كالتي قبلها بذكر هذا الكتاب العظيم ، وإحكام آياته ثم تفصيلها من لدن حكيم خبير ، إعلاما بأن إحكامها مبني على أساس الحكمة ، وتفصيلها مرفوع على قواعد العلم ودقة الخبرة .
( المسألة الثانية ) قوله - تعالى - : -
فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك - 12 يعني : أن حالك أيها الرسول مع هؤلاء المنكرين المقترحين عليك ما ليس أمره إليك ، حال من يتوقع منه ترك بعض ما ينقل عليهم من الوحي ، وضيق صدره من ذلك القول ، فلا تترك شيئا مما يوحى إليك ، ولا يضيق به صدرك ، إنما أنت رسول وظيفتك التبليغ والإنذار ، لا الإتيان بالآيات ، ولا الوكالة عليهم فتكرههم على الإيمان .
( المسألة الثالثة ) الرد في الآية ( 13 ) على قولهم : " افتراه " بتحديهم بالإتيان بعشر سور مثله مفتريات ، ودعوة من استطاعوا من دون الله لمظاهرتهم وإعانتهم على الإتيان بها إن كانوا صادقين . وقد بينا في تفسيرها معنى هذا التحدي بالعشر المفتريات بعد ما سبق في سورة يونس من التحدي بسورة واحدة ، وهو ما لا تجد مثله في تفاسير الأولين ولا الآخرين ، والحمد لله رب العالمين ، وفيه إثبات أن المراد بهذه السور ما اشتمل على قصص الرسل ، وأن في إعجاز هذه القصص بالبلاغة والأساليب والنظم والعلم ما ليس
[ ص: 169 ] في غيرها ، وحكمة جعلها عشرا ، وما في العشر من هذه السورة وما قبلها من أنواع العلم والهدى والإصلاح ، فراجعه ( في ص 27 - 39 من هذا الجزء ) .
( المسألة الرابعة ) قوله : -
فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله - 14 وبينا في تفسيره معنى إنزاله بعلم الله وكونه حجة على ما فسرنا الإعجاز فيها ، وقد غفل عنه المفسرون .
( المسألة الخامسة ) قوله : -
تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا - 49 وهو استدلال بقصة
نوح على رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - ووجه الدلالة أنه ما كان يعلمها هو ولا قومه من قبل إنزالها عليه في هذا الوحي الإلهي ، ولو كان أحد من قومه يعلمها قبل ذلك لاحتجوا به عليه ، وإذن لامتنع إيمان من لم يكن آمن منهم ، ولارتد من كان آمن .
( المسألة السادسة ) قوله - تعالى - : -
ذلك من أنباء القرى نقصه عليك - 100 الآية .
وفيه الاستدلال بجملة قصص السورة على كونها وحيا من وجهين : أحدهما : ما في المسألة الخامسة من كونها مما لم يكن علمه
محمد النبي الأمي - صلى الله عليه وسلم - وثانيهما : ما اشتملت عليه من العلم الإلهي والاجتماعي والتشريعي الذي فصلناه في بيان التحدي بالعشر السور من عشر جهات .
( المسألة السابعة ) قوله - تعالى - : -
وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك - 120 الآية . وهي في موضوع التي قبلها من فوائد قصص الرسل ، إلا أن تلك في فوائدها الاجتماعية في الأمم وإهلاك الظالمين ، وإنجاء المتقين ، وهذه في فوائدها الخاصة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في نفسه وتأييد دعوته ، وفي المؤمنين به من قومه .
فهذه جملة ما في السورة خاصا بالقرآن العظيم من حيث كونه وحيا من الله - تعالى - دالا على نبوة
محمد - صلى الله عليه وسلم - ورسالته ، وقد فصلنا معنى كل منها في موضعه .