( المسألة السادسة :
اتباع الإتراف وما فيه من الفساد والإجرام ) :
بين الله لنا في خواتيم هذه السورة الأسباب النفسية لهلاك الأمم الذين قص علينا أنباء
[ ص: 184 ] إهلاكهم ، فكانت الآية ( 116 ) من أجمعها للمعاني ، والمراد منها هنا أن مثار الظلم والإجرام الموجب لهلاك أهلها هو اتباع أكثرهم لما أترفوا فيه من أسباب النعيم والشهوات واللذات ، والمترفون هم مفسدوا الأمم ومهلكوها . وفي معنى هذه الآية آيات أخرى في سور الإسراء والأنبياء وسبأ والزخرف والواقعة ، ويؤيد مضمونها علم الاجتماع الحديث ووقائع التاريخ ، وإن كل ما نشاهده من الفساد في عصرنا فمثاره الافتتان بالترف واتباع ما يقتضيه الإتراف ، من فسوق وطغيان وإفراط وإسراف .
علم هذا المهتدون الأولون بالقرآن من الخلفاء الراشدين ، وعلماء الصحابة والسلف الصالحين ، فكانوا مثلا صالحا في الاعتدال في المعيشة ، أو تغليب جانب الخشونة والبأس والشدة ، على الخنوثة والمرونة والنعمة ، فسهل لهم فتح الأمصار ، ثم أضاعها من خلف بعدهم من متبعي الإتراف ، فانظر كيف اهتدى السلف الصالح بالقرآن وحده وبيان السنة له إذ خرجوا به من ظلمات الجاهلية ، إلى نور العلم والعرفان والحكمة . ثم كيف ضل الخلف الصالح عنه بعد أن استفادوا العلوم والفنون والملك والسلطان به ؟