[ ص: 200 ] (
تنازع رجال المال ودعاة الإصلاح ) :
( الشاهد السادس ) في قصة
شعيب مع قومه مسألة من أهم مسائل الاجتماع في العالم المدني ، وهي التنازع بين رجال المال ورجال الإصلاح في حرية الكسب المطلقة ، وتقييد الكسب بالحلال ومراعاة الفضيلة فيه ، فقوم
شعيب كانوا يستبيحون تنمية الثروة بجميع الطرق الممكنة حتى التطفيف في المكيال والميزان ، فإذا كالوا أو وزنوا للناس نقصوا وأخسروا ، وإذا اكتالوا عليهم لأنفسهم استوفوا وأكثروا ، وكانوا يبخسون الناس أشياءهم في كل أنواعها ، وكان
شعيب - عليه السلام - ينهاهم عن ذلك ويوصيهم بالقسط فيه ، واجتناب أكل أموال الناس بالباطل والقناعة بالحلال ، وكانت حجتهم حرية الكسب مقرونة بحرية الاعتقاد ، كما حكاه الله عنهم بقوله : -
قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء - 87 وتقدم الاستشهاد بهذه الآية في الكلام على رذيلة التقليد ورذيلة استحلال أكل أموال الناس بالباطل ، والكلام على فضيلة حرية الاعتقاد ومنع الإكراه في الدين ، ونذكره شاهدا على كون هذا التنازع بين أهل الحق والفضيلة ، وبين أهل الباطل والرذيلة ، من سنن الاجتماع المعروفة ، والأنبياء ينصرون الحق والفضيلة بالوعظ والإرشاد المؤيدين بالحجة ووسائل الإقناع ، لا بالقوة ووسائل الإكراه ، ومن كان له منهم شريعة مدنية
كموسى ومحمد - عليهما الصلاة والسلام - كانت جامعة للوازعين : وازع النفس بمقتضى الإيمان ، ووازع الشرع يمنع الاعتداء على حقوق الناس ، وما زال التنازع المالي أعقد مشاكل الاجتماع ، وزعم بعض علماء الاقتصاد أن الإصلاح المالي أعظم أسس الإسلام ، ولأجله عادى كبراء
قريش بعثة
محمد - عليه الصلاة والسلام - وتقدم تفصيل هذا في خلاصة سورة التوبة وفي كتاب ( الوحي المحمدي ) .