صفحة جزء
ثم بين تعالى حكمة هذا التربص بالزواج في سياق حكم آخر فقال : ( ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ) كما كن يفعلن أحيانا في الجاهلية إذ كانت المرأة تتزوج بعد فراق رجل بآخر ويظهر لها أنها حبلى من الأول فتلحق الولد بالثاني ، فهذا محرم في الإسلام ، لأنه شر ضروب الغش والزور والبهتان ، ينفي عن قوم من هو منهم ، ويلحق بآخرين من ليس منهم ، وفي ذلك من المضار ما لا يجهل وقد حرمه الله في الإسلام ، وأمر بأن تعتد المرأة بعد فراق زوجها ليظهر أنها بريئة من الحمل ، ونهى أن تكتم الحمل إذا علمت به : واختار كثير من المفسرين أن ما خلق الله في أرحامهن يشمل الولد والحيض وهو المروي عن ابن عمر فقد تكتم المرأة حيضتها لتطيل أجل عدتها ، وذلك محرم أيضا ، وقد فشا في مطلقات هذا الزمان اللواتي لا يطمعن في الزواج; لأن الحكام يفرضون لهن نفقة ما دمن في العدة فيرغبن في استدامة هذه النفقة بكتمان الحيض وادعاء عدم مرور القروء الثلاثة عليهن ، وما يأخذنه بعد انقضاء العدة حرام ، وما هن ممن يتفكرن في ذلك إذ لا علم لهن بأحكام الحلال والحرام ، ولا يبالين ما عساهن يعرفنه منها ، لأنهن لم يتربين على آداب الدين وأعماله ، بل لم يلقن عقائده ولم يذكرن بآياته ، حتى صار أكثرهن أقرب إلى أهل الإباحة منهن إلى أهل الدين ، وإنما يجتنب الحرام ويتحرى الوقوف عند حدود الحلال أهل الإيمان الصحيح ، ولذلك قال تعالى عقب النهي : ( إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر ) وهذا وعيد شديد وتهديد عظيم ، كأنه يقول : إذا كن يعرفن من أنفسهن الإيمان بالله الذي أنزل الحلال والحرام لمصلحة الناس ، وباليوم الآخر الذي يكون فيه الجزاء بالقسطاس ، فلا يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ، وإلا كن غير مؤمنات بما أنزله الله تعالى من هذه الأحكام التي هي خير لهن ولأزواجهن ، وحافظة لحقوقهم وحقوقهن ، إذ التصديق الجازم بأن الله تعالى أنزل هذا الحكم وجعل في اتباعه المثوبة والرضوان ، وفي تركه الشقاء والخسران ، يكون سببا طبيعيا لامتثاله مع إعظامه وإجلاله ، وعلى هذا الحد ما ورد في الحديث الصحيح ( ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) ) إلخ ، فمن لنا بمن يبلغ النساء المؤمنات هذا التشديد ؟ ومن لنا بمن يهتم بتلقين البنات عقائد الإيمان وتربيتهن على الأعمال التي تمكن هذه العقائد في العقل والوجدان ؟ وأي رجل يفعل هذا والرجال أنفسهم لم يعد [ ص: 297 ] لهم هم في الدين إلا قليل منهم ! وهؤلاء يرون النساء متاعا لا أناسي مثلهم ، فيدعونهن وشأنهن ، لا يتفكرون في أسباب ما يلقون من عواقب إهمالهن ، ورزايا جهلهن .

التالي السابق


الخدمات العلمية