(
وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ) قال الأستاذ الإمام - قدس الله روحه - : هذا لطف كبير من الله سبحانه وتعالى وحرص من الشارع على بقاء العصمة الأولى ، فإن المرأة إذا طلقت لأمر من الأمور سواء كان بالإيلاء أو غيره فقلما يرغب فيها الرجال ، وأما بعلها المطلق فقد يندم على طلاقها ، ويرى أن ما طلقها لأجله لا يقتضي مفارقتها دائما ، فيرغب في مراجعتها ولا سيما إذا كانت العشرة السابقة بينهما جرت على طريقتها الفطرية ، فأفضى كل منهما إلى الآخر بسره حتى عرف عجره وبجره ، وتمكنت الألفة بينهما على علاتهما ، وإذا كانا قد رزقا الولد فإن الندم على الطلاق يسرع إليهما; لأن الحرص الطبيعي على العناية بتربية الولد وكفالته بالاشتراك تغلب بعد زوال أصر المغاضبة العارضة على النفس ، وقد يكون أقوى إذا كان الأولاد إناثا; لهذا حكم الله تعالى لطفا منه بعباده بأن بعل المطلقة ، أي زوجها أحق بردها في ذلك ، أي في زمن التربص وهي العدة . وفي هذا بيان حكمة أخرى للعدة غير تبين الحمل أو براءة الرحم وهي إمكان المراجعة ، فعلم بذلك أن تربص المطلقات بأنفسهن فيه فائدة لهن وفائدة لأزواجهن ، وإنما يكون بعل المرأة أحق بها في مدة العدة إذا قصد إصلاح ذات البين وحسن المعاشرة ، وأما قصد مضارتها ومنعها من التزوج بعد العدة حتى تكون كالمعلقة لا يعاشرها معاشرة الأزواج بالحسنى ولا يمكنها من التزوج ، فهو آثم بينه وبين الله تعالى بهذه المراجعة ، فلا يباح للرجل أن يرد مطلقته إلى عصمته إلا بإرادة إصلاح ذات البين ونية المعاشرة بالمعروف ، وإنما قال الإمام : إنه آثم بينه وبين الله تعالى; لإفادة أن ذلك محرم لأمر خفي يتعلق بالقصد فلم يكن شرطا في الظاهر لصحة الرجعة ، وما كل ما صح في نظر القاضي يكون جائزا تدينا بين الإنسان وربه; لأن القاضي يحكم بالظاهر ، والله يتولى السرائر ،
والطلاق الذي تحل فيه الرجعة قبل انقضاء العدة يسمى طلاقا رجعيا ، وهناك طلاق بائن لا تحل مراجعة المطلقة بعده وسيأتي ذكره في محله ، ومن مباحث اللفظ أن كلمة ( أحق ) هنا بمعنى حقيقين كما قالوا .