ثم بين تعالى حكمة الإذن بالقتال الذي قررته الآيات فقال : (
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ) قرأ
نافع ( ( دفاع الله ) ) والباقون ( ( دفع الله ) ) أي : لولا أن الله تعالى يدفع أهل الباطل بأهل الحق، وأهل الفساد في
[ ص: 390 ] الأرض بأهل الإصلاح فيها لغلب أهل الباطل والإفساد في الأرض ، وبغوا على الصالحين وأوقعوا بهم حتى يكون لهم السلطان وحدهم ، فتفسد الأرض بفسادهم ، فكان من فضل الله على العالمين وإحسانه إلى الناس أجمعين أن أذن لأهل دينه الحق المصلحين في الأرض بقتال المفسدين فيها من الكافرين والبغاة المعتدين ، فأهل الحق حرب لأهل الباطل في كل زمان ، والله ناصرهم ما نصروا الحق وأرادوا الإصلاح في الأرض ، وقد سمى هذا دفعا على قراءة الجمهور باعتبار أنه منه سبحانه ، إذ كان سنة من سننه في الاجتماع البشري ، وسماه دفاعا في قراءة
نافع باعتبار أن كلا من أهل الحق المصلحين وأهل الباطل المفسدين يقاوم الآخر ويقاتله .
ثم بين أن إيتاء النبي الأمي أمثال هذه القصص من دلائل نبوته فقال : (
تلك آيات الله ) يشير إلى قصة الذين خرجوا من ديارهم وقصة بني إسرائيل التي بعدها (
نتلوها عليك بالحق ) فيه تعريض بأن ما يقوله بنو إسرائيل مخالف لهذا فهو باطل (
وإنك لمن المرسلين ) إذ لولا الرسالة لما عرفت شيئا من هذه القصص وأنت لم تكن في أزمنة وقوعها ولا تعلمت شيئا من التاريخ ، ولو تعلمته لجئت بها على النحو الذي عند أهل الكتاب أو غيرهم من القصاصين .
وقد قرر تعالى هذه الحجة على نبوته صلى الله عليه وسلم في سورة القصص بعد ذكر قصة
موسى في
مدين ، وذكر نبوته بقوله تعالى :
وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين ) ( 28 : 44 ، 45 ) .