وإذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يامريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين قوله - تعالى - :
وإذ قالت الملائكة يامريم معطوف على قوله :
إذ قالت امرأة عمران متعلق بقوله قبله :
والله سميع عليم هذا الخطاب ليس بشرع خصت به ، وإنما هو إلهام بمكانتها عند الله ربما يجب عليها من الشكر بدوام القنوت والصلاة ، ومن اعتقد أنه مكرم اجتهد في المحافظة على كرامته وتباعد أشد التباعد عن كل ما ينقص منها ، فقول الملائكة لها :
إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين قد زادها - بمقتضى سنة الفطرة - تعلقا بالكمال كما زادها روحانية بتأثير تلك الأرواح الطيبة التي أمدت روحها الطاهرة ، والاصطفاء الأول هو قبولها محررة لخدمة الله في بيته وكان ذلك خاصا بالرجال ، والتطهير قد فسر بعدم الحيض ، وبذلك كانت أهلا لملازمة المحراب وهو أشرف مكان في المعبد . وروي أن السيدة
nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة الزهراء ما كانت تحيض وأنها لذلك لقبت بالزهراء . وقال
الجلال : إنه التطهير من مسيس
[ ص: 247 ] الرجال ، واختار الأستاذ الإمام حمله على ما هو أعم من هذا وذاك ، أي طهرك مما يستقبح كسفساف الأخلاق وذميم الصفات وغير ذلك . والاصطفاء الثاني ما اختصت به من خطاب الملائكة وكمال الهداية . وقال الأستاذ الإمام : هو جعلها تلد نبيا من غير أن يمسها رجل ، فهو على هذا اصطفاء لم يكن قد تحقق بالفعل بل بالإعداد والتهيئة . وبحثوا هنا في قوله :
على نساء العالمين هل المراد به عالمو زمانها - كما يقال
أرسطو أعظم
الفلاسفة ويفهم منه فلاسفة زمانه أو أمته - أم جميع العالمين . وفي الأحاديث إن
أفضل النساء مريم بنت عمران nindex.php?page=showalam&ids=10640وخديجة بنت خويلد nindex.php?page=showalam&ids=129وفاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم ورضي عنهن - .
يامريم اقنتي لربك أي الزمي طاعته مع الخضوع له
واسجدي واركعي مع الراكعين السجود : التطامن والتذلل . والركوع : الانحناء ، ويستعمل في لازمه وسببه ، وهو التواضع والخشوع في العبادة أو غيرها ، وركوعها مع الراكعين عبارة عن صلاتها مع المصلين في المعبد وقد كانت ملازمة لمحرابه كما تقدم . وقد أطلق الركوع والسجود في صلاتنا على العمل المعلوم وهو استعمال للفظ في حقيقته ومجازه إذ الدين يطالبنا بالخشوع واستشعار التواضع في هذا الانحناء والتطامن ، ولم تكن صلاة
اليهود كصلاتنا في أعمالها وصورتها ، ولكنهم طولبوا فيها بمثل ما طولبنا من الخشوع والتذلل لله - تعالى - .