ثم بين - تعالى -
جزاء أهل الغدر والإخلاف مع بيان السبب الذي يحملهم على ذلك فقال :
إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم روى الشيخان وغيرهما أن
الأشعث قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=918890كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ألك بينة ؟ قلت : لا . فقال لليهودي : " أحلف " فقلت : يا رسول الله إذن يحلف فيذهب مالي ، فأنزل الله : إن الذين يشترون بعهد الله الآية .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=51عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا أقام سلعة له في السوق فحلف بالله لقد أعطي بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين ، فنزلت هذه الآية
إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا قال الحافظ
ابن حجر في شرح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : لا منافاة بين الحديثين بل يحمل على أن النزول كان بالسببين معا . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
عكرمة أن الآية نزلت في
حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وغيرهما من
اليهود الذين كتموا ما أنزل الله في التوراة وبدلوه وحلفوا أنه من عند الله .
قال
الحافظ ابن حجر : والآية محتملة ولكن العمدة في ذلك ما ثبت في الصحيح انتهى من لباب النقول . ويحتمل أن الآية كانت تذكر عند ذكر تلك الوقائع فيظن من لم يكن سمعها أنها نزلت فيها وهي على كل حال متصلة بما قبلها متممة له ، والأيمان فيها جمع يمين ، وهو في الأصل اسم لليد التي تقابل الشمال ثم سمى الحلف والسقم يمينا لأن الحالف في العهد يضع يمينه في يمين من يعاهده عند الحلف لتأكيد العهد وتوثيقه ، حتى إن اللفظ يطلق على العهد نفسه ، وقد أضاف العهد هاهنا إلى الله لأنه - تعالى - عهد إلى الناس في كتبه المنزلة أن يلتزموا الصدق والوفاء بما يتعاهدون ويتعاقدون عليه ، وأن يؤدوا الأمانات إلى أهلها كما عهد إليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ويتقوه في جميع الأمور ، فعهد الله يشمل كل ذلك .
ولما كان الناكث للعهد لا ينكث إلا لمنفعة يجعلها بدلا منه عبر عن ذلك بالشراء الذي هو معاوضة ومبادلة ، وسمى العوض ثمنا قليلا مع العلم بأن بعض الناس لا ينكثون العهد في الأمور الكبيرة إلا إذا أوتوا عليه أجرا كبيرا وثمنا كثيرا لأجل أن يبين للناس أن كل ما يؤخذ بدلا من
[ ص: 282 ] عهد الله فهو قليل لا سيما إذا أكد باليمين ; لأن العهود إذا خزيت اختل أمر الدين إذ الوفاء آيته البينة ، بل محوره الذي عليه مداره ، وفسدت مصالح الدنيا إذ تبطل ثقة الناس بعضهم ببعض ، والثقة روح المعاملات وسلك النظام وأساس العمران ; لأجل هذا كان الوعيد على نكث العهد - ولو لأجل المنفعة - أشد ما نطق به الكتاب وأغلظه ، وأي عقاب أشد من عقاب من لا خلاق له في الآخرة ، أي لا نصيب له من النعيم فيها ، ولا يكلمه الله كلام إعتاب ولا ينظر إليه نظر عطف ورحمة ، ولا يزكيه بالثناء على عمل له صالح ، أو لا يطهره من ذنوبه بالعفو والمغفرة وله عذاب أليم ؟ لم يكتف - تعالى - بحرمان بائعي العهد بالثمن من النعيم وبما أعد لهم من العذاب الأليم حتى بين مع ذلك أنهم يكونون في دركة من الغضب الإلهي لا ترجى لهم فيها رحمة ولا يسمعون منه - تعالى - كلمة عفو ولا مغفرة ، فعدم النظر والكلام كناية عن عدم الاعتداد ومنتهى الغضب الذي لا رجاء معه ولا أمل .
إن
الزنا وشرب الخمر والميسر والربا وعقوق الوالدين من الكبائر ، ولكن الله - تعالى - لم يتوعد مرتكبي هذه الموبقات بمثل ما توعد به ناكثي العهود وخائني الأمانات ; لأن مفاسد النكث والخيانة أعظم من جميع المفاسد التي حرمت لأجلها تلك الجرائم ، فما بال كثير من الناس يدعون التدين ويتسمون بسمة الإسلام وهم لا يبالون بالعهود ولا يحفظون الأيمان ويرون ذلك صغيرا من حيث يكبرون أمر المعاصي التي لم يتعودوها ; لأنهم لم يتعودوها .
الإيمان بالله لا يجتمع مع الخيانة والنكث في نفس ، وقد عد - تعالى - أخص وصف لزعماء الكفر يبيح قتالهم كونهم لا وفاء لهم بالعهود إذ قال :
فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون [ 9 : 12 ] وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=918891آية المنافق ثلاث - وفي رواية
لمسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=918892وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=918893إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان رواه الشيخان وغيرهما . وفي رواية لهما :
nindex.php?page=hadith&LINKID=918894وإذا عاهد غدر وروى
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني في الأوسط عن
أنس - رضي الله عنه - أنه قال : ما خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=918895لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له .