وأما
حكمة تعدد زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - فمنها ما هو كفالة بعض النساء المؤمنات ، ومنها ما له سبب سياسي ، أو علمي ديني . وقد سبق لنا فتوى في ذلك نشرت في المجلد الخامس من المنار ( ص699 ) وهذا نص السؤال ، والجواب .
( تعدد زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم ) ( س )
مصطفى أفندي رشدي المرلي بالزقازيق : ما هي الحكمة في تعدد زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر مما أباحه القرآن الشريف لسائر المؤمنين ، وهو التزوج بأربع فما دونها وتعين الواحدة عند خوف الخروج عن العدل ؟
( ج ) إن الحكمة العامة في تلك الزيادة على الواحدة في سن الكهولة ، والقيام بأعباء الرسالة ، والاشتغال بسياسة ، ومدافعة المعتدين دون سن الشباب ، وراحة البال هي السياسة الرشيدة ، فأما
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة ، وهي الزوج الأولى فالحكمة في اختيارها وراء سنة الفطرة معروفة وليست من موضوع السؤال .
وقد عقد بعد وفاتها على
nindex.php?page=showalam&ids=93سودة بنت زمعة وكانت قد توفي عنها زوجها بعد الرجوع من هجرة
الحبشة الثانية ، والحكمة في اختيارها أنها من المؤمنات المهاجرات الهاجرات لأهليهن خوف
[ ص: 304 ] الفتنة ، ولو عادت إلى أهلها بعد وفاة زوجها ( وكان ابن عمها ) لعذبوها وفتنوها فكفلها النبي - صلى الله عليه وسلم - وكافأها بهذه المنة العظيمة .
ثم بعد شهر
عقد على nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة بنت الصديق ، والحكمة في ذلك
كالحكمة في التزوج nindex.php?page=showalam&ids=41بحفصة بنت عمر بعد وفاة زوجها
خنيس بن حذافة ببدر ، وهي إكرام صاحبيه ووزيريه
أبي بكر ،
وعمر ( رضي الله عنهما ) ، وإقرار أعينهما بهذا الشرف العظيم ، ( كما أكرم
عثمان ،
وعليا - رضي الله عنهما - ببناته ، وهؤلاء أعظم أصحابه ، وأخلصهم خدمة لدينه ) .
وأما
التزوج nindex.php?page=showalam&ids=15953بزينب بنت جحش ، فالحكمة فيه تعلو كل حكمة ، وهي إبطال تلك البدع الجاهلية التي كانت لاحقة ببدعة التبني كتحريم التزوج بزوجة المتبنى بعده وغير ذلك . وقد نشرنا في المجلد الثالث من المنار مقالين في هذه المسألة أحدهما للأستاذ الإمام ، فليراجعهما السائل هناك .
ويقرب من هذه الحكمة
الحكمة في التزوج بجويرية ، وهي
برة بنت الحارث سيد قومه
بني المصطلق ، فقد كان المسلمون أسروا من قومها مائتي بيت بالنساء والذراري ، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعتق المسلمون الأسرى فتزوج بسيدتهم ، فقال الصحابة عليهم الرضوان : أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينبغي أسرهم وأعتقوهم ، فأسلم
بنو المصطلق - لذلك - أجمعون ، وصاروا عونا للمسلمين بعد أن كانوا محاربين لهم وعونا عليهم ، وكان لذلك أثر حسن في سائر العرب .
وقبل ذلك
تزوج - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=10771بزينب بنت خزيمة بعد قتل زوجها
عبد الله بن جحش في (
أحد ) ، وحكمته في ذلك أن هذه المرأة كانت من فضليات النساء في الجاهلية حتى كانوا يدعونها أم المساكين لبرها بهم ، وعنايتها بشأنهم ، فكافأها - عليه التحية والسلام - على فضائلها بعد مصابها بزوجها بذلك ، فلم يدعها أرملة تقاسي الذل الذي كانت تجير منه الناس ، وقد ماتت في حياته .
وتزوج بعدها nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ( واسمها
هند ) وكانت هي وزوجها (
عبد الله أبو سلمة بن أسد ابن عمة الرسول
nindex.php?page=showalam&ids=15521برة بنت عبد المطلب وأخوه من الرضاعة ) أول من هاجر إلى
الحبشة ، وكانت تحب زوجها وتجله ، حتى إن
أبا بكر وعمر خطباها بعد وفاته فلم تقبل ، ولما قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - :
سلي الله أن يأجرك في مصيبتك ويخلفك خيرا قالت : ومن يكون خيرا من
أبي سلمة ؟ فمن هنا يعلم السائل وغيره مقدار مصاب هذه المرأة الفاضلة بزوجها ، وقد رأى - صلى الله عليه وسلم - أنه لا عزاء لها عنه إلا به ، فخطبها فاعتذرت بأنها مسنة وأم أيتام ، فأحسن - صلى الله عليه وسلم - الجواب - وما كان إلا محسنا - وتزوج بها ، وظاهر أن ذلك
[ ص: 205 ] الزواج ليس لأجل التمتع المباح له ، وإنما كان لفضلها الذي يعرفه المتأمل بجودة رأيها يوم
الحديبية ولتعزيتها كما تقدم .
وأما
زواجه nindex.php?page=showalam&ids=10583بأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب فلعل حكمته لا تخفى على إنسان عرف سيرتها الشخصية ، وعرف عداوة قومها في الجاهلية ، والإسلام
لبني هاشم ، ورغبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في تأليف قلوبهم ، كانت
رملة عند
عبيد الله بن جحش ، وهاجرت معه إلى
الحبشة الثانية فتنصر هناك ، وثبتت هي على الإسلام . فانظروا إلى إسلام امرأة يكافح أبوها بقومه النبي ويتنصر زوجها ، وهي معه في هجرة معروف سببها ، أمن الحكمة أن تضيع هذه المؤمنة الموقنة بين فتنتين ؟ أم من الحكمة أن يكلفها من تصلح له وهو أصلح لها ؟
كذلك تظهر
الحكمة في زواج nindex.php?page=showalam&ids=199صفية بنت حيي بن أخطب سيد
بني النضير وقد قتل أبوها مع
بني قريظة وقتل زوجها يوم
خيبر ، وكان أخذها
nindex.php?page=showalam&ids=202دحية الكلبي من سبي
خيبر فقال الصحابة : يا رسول الله ، إنها سيدة
بني قريظة والنضير لا تصلح إلا لك ، فاستحسن رأيهم ، وأبى أن تذل هذه السيدة بأن تكون أسيرة عند من تراه دونها فاصطفاها ، وأعتقها ، وتزوجها ، ووصل سببه
ببني إسرائيل ، وهو الذي كان ينزل الناس منازلهم .
وآخر أزواجه nindex.php?page=showalam&ids=156ميمونة بنت الحارث الهلالية ( وكان اسمها
برة فسماها
ميمونة ) ، والذي زوجها منه عمه
العباس رضي الله عنه ) وكانت جعلت أمرها إليه بعد وفاة زوجها الثاني
أبي رهم بن عبد العزى ، وهي خالة
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=22وخالد بن الوليد ، فلا أدري هل كانت الحكمة في تزوجه بها تشعب قرابتها في
بني هاشم وبني مخزوم أم غير ذلك ؟
وجملة الحكمة في الجواب أنه - صلى الله عليه وسلم - راعى المصلحة في اختيار كل زوج من أزواجه ( عليهن الرضوان ) في التشريع ، والتأديب فجذب إليه كبار القبائل بمصاهرتهم ، وعلم أتباعه احترام النساء وإكرام كرائمهن ، والعدل بينهن ، وقرر الأحكام بذلك ، وترك من بعده تسع أمهات للمؤمنين يعلمن نساءهم من الأحكام ما يليق بهن مما ينبغي أن يتعلمنه من النساء
[ ص: 306 ] دون الرجال ، ولو ترك واحدة فقط لما كانت تغني في الأمة غناء التسع ، ولو كان - عليه السلام - أراد بتعدد الزواج ما يريده الملوك ، والأمراء من التمتع بالحلال فقط لاختار حسان الأبكار على أولئك الثيبات المكتهلات كما قال لمن اختار ثيبا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919030هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك هذا ما ظهر لنا في حكمة التعدد ، وإن أسرار سيرته - صلى الله عليه وسلم - أعلى من أن تحيط بها كلها أفكار مثلنا اهـ .