ومن فروع المسألة أن
من أسلم من الأمم التي تبيح التعدد بغير حصر ، وعنده أكثر من أربع نسوة يجب عليه عند جماهير العلماء أن يختار أربعة منهن ، ويسرح الأخريات ، عن
أبي حنيفة أنهن يمسك من عقد عليهن أولا إن علم ذلك كأنه كان مكلفا أن يكون نكاحه قبل الإسلام موافقا لشريعة الإسلام ، والمأثور في كتب السنن هو ما عليه الجمهور ، فقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة ،
وأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، وغيرهم ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003180عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ( رضي الله عنه ) أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : اختر منهن أربعا - وفي لفظ آخر - أمسك منهن أربعا ، وفارق سائرهن وروي نحو من ذلك عن
نوفل بن معاوية الديلمي ، وعن
قيس بن الحارث الأسدي حين أسلما ، وكان عند الأول خمس ، وعند الثاني ثمان . والظاهر أن إمساك الأربع يشترط فيه قصد العدل بينهن ، والثقة بالقدرة عليه ، فإن خاف ألا يعدل فعليه أن يمسك واحدة فقط ، وما مضت به السنة من الاقتصار على أربع ، وما أجمع عليه أهلها من عدم جواز الزيادة عليهن هو عمدة الفقهاء في هذا الباب ، لا لأن مثنى وثلاث ورباع يدل على جواز أكثر من أربع ، بل لأن العدد عندهم لا مفهوم له ، فذكر الأربع لا يقتضي تحريم الخمس فأكثر ، فلما حتم النبي - صلى الله عليه وسلم - على من أسلم من المشركين وعنده أكثر من أربع ألا يمسكوا أكثر من أربع ، كان ذلك بيانا منه - صلى الله عليه وسلم - لما في الآية من الإجمال ، واحتمال جواز الزيادة ، وجماهير أهل الأصول قائلون بجواز بيان خبر الواحد لمجمل الكتاب ، وما ورد في المسألة سنة عملية متبعة فهي أقوى ما يحتج به عندنا ، وقد أول ذلك المجوزون للزيادة على أربع - كبعض
الشيعة - بأنه يحتمل أن يكون الأمر بمفارقة ما زاد عن الأربع لأنهن كان بينهن وبين أزواجهن سبب من أسباب التحريم الذاتي كالنسب القريب والرضاع .
وهو تأويل ظاهر البطلان ; إذ لو كان الأمر كما قيل في الاحتمال لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اختر أربعا أو أمسك أربعا ، فالاختيار وتنكير لفظ أربع كل منهما يأبى ما قيل في التأويل . وما قيل من أن الإجماع على تحريم الزيادة على أربع لا يتم مع مخالفة الشيعة في ذلك ، أجيب عنه بأن الإجماع قد وقع قبل أن يقولوا ما قالوا فهو حجة عليهم .
ومن فروعها أن الخطاب فيها للأحرار دون العبيد ; لأن الرق خلاف مقصد الشرع
[ ص: 307 ] وخلاف الأصل ، فكأنه غير موجود ، ومما يؤيد ذلك قوله - تعالى - في مخاطبة المخاطبين بهذا الحكم من الأزواج :
أو ما ملكت أيمانكم والمملوك لا يملك غيره ، ويقول الفقهاء : له أن يتزوج اثنتين فقط .
ومنها : أن
الظاهرية قالوا : إن الأمر في قوله :
فانكحوا ما طاب لكم للوجوب ، فالزواج واجب في العمر مرة . والجمهور على أن الأمر فيه للإباحة ، وإن كان الزواج أعظم سنن الفطرة التي رغب فيها دين الفطرة .
ومن مباحث اللفظ في الآية : النكتة في اختيار ( ما ) على " من " في قوله :
ما طاب لكم من النساء وهي إرادة الوصف كأنه قال : فانكحوا أي صنف من أصنافهن من الثيبات والأبكار وذوات الجمال وذوات المال وإنما تختص كلمة " ما " أو تغلب في غير العقلاء إذا أريد بها الذات لا الوصف . فيقول : من هذا الرجل ؟ في السؤال عن ذاته ، وشخصه وتقول : ما هذا الرجل ؟ في السؤال عن صفته ونعته . وما قيل من أن النكتة في ذلك هي الإشارة إلى أن النساء ناقصات عقل فأنزلن منزلة غير العاقل يأباه هذا المقام الذي قرر فيه تكريمهن ، وحفظ حقوقهن ، وحرم فيه ظلمهن ، ومثل هذا التعبير قوله - تعالى - :
أو ما ملكت أيمانكم و ( أو ) فيه للتسوية يعني إن خفتم ألا تعدلوا بين الزوجتين فأكثر فأنتم مخيرون بين الواحدة والتسري . وظاهر ما تقدم عن ابن جرير أن الواحدة يطلب في نكاحها العدل ، فإن خاف ألا يعدل في معاملتها لجأ إلى التسري ، وإنما يشترط الجماهير العجز عن التزوج بالحرة في نكاح الأمة لا في التسري بها ، وسيأتي في تفسير قوله :
ومن لم يستطع منكم طولا [ 4 : 25 ] الآية .