صفحة جزء
ولكم نصف ما ترك أزواجكم اللواتي تحققت بهن الزوجية بأكمل معناها بالدخول بهن إن لم يكن لهن ولد ما منكم أو من غيركم ذكرا كان أو أنثى ، واحدا كان أو أكثر ، من بطنها مباشرة ، أو من صلب بنيها ، أو بني بنيها فنازلا ، والباقي لأولادها ، ووالديها على ما بينه الله في الآية السابقة ، هذا ما ذهب إليه الجمهور ، وجرى عليه العمل . وروي عن ابن عباس أن ولد الولد لا يحجب فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن والباقي من [ ص: 345 ] التركة للأقرب إليها من أصحاب الفروض والعصبات ، وذوى الأرحام ، يعلم كل ذلك من موضعه في الكتاب والسنة : من بعد وصية يوصين بها أو دين أي إنما يكون لكم ذلك في تركهن في كل من الحالتين . بعد إنفاذ الوصية ووفاء الدين ، إذ ليس لوارث شيء إلا مما يفضل عنهما إن كانا كما تقدم .

ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد ما على التفصيل السابق في أولادهن ، فإن كان للميت منكم زوج واحدة كان لها وحدها ، وإن كان له زوجان فأكثر اشتركتا ، أو اشتركن فيه بالمساواة ، والباقي يكون لمستحقه شرعا من ذوي القربى ، وأولي الأرحام لكم فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم والباقي لولدكم علا أو نزل ، ولمن عساه يوجد معه من والديه على التفصيل الذي بينه الله - تعالى - وذلك من بعد وصية توصون بها أو دين وبهذا كان للذكر من الزوجين مثل حظ الأنثيين .

فإن قيل : إن من ترك زوجين ، أو ثلاثا ، أو أربعا كان لهن نصيب الزوج الواحدة فلا تطرد فيهن قاعدة : للذكر مثل حظ الأنثيين ; لأن الرجل لا ينقص نصيبه من إرث امرأته بحال من الأحوال . فما هي الحكمة في ذلك ، ولماذا لم يكن نصيب الزوجين ، أو الثلاث ، أو الأربع أكثر من نصيب الواحدة ؟ أقول : الحكمة الظاهرة لنا من ذلك هي إرشاد الله إيانا إلى أن يكون الأصل الذي نجري عليه في الزوجية هي أن يكون للرجل امرأة واحدة . وإنما أباح للرجل منا أن يتزوج ثنتين إلى أربع بشرطه المضيق ; لأن التعدد من الأمور التي تسوق إليها الضرورة أحيانا ، وقد تكون لخير النساء أنفسهن - كما شرحنا ذلك في آية إباحة التعدد ، وما هي ببعيد - ونذكر ما قلناه في حكمة جعل حظ الذكر من الأولاد مثل حظ الأنثيين وهو أن الأصل فيه أن ينفق على نفسه وعلى امرأة يتزوجها ، فما هنا يلاقي ما هناك ، ويتفق معه ، والنصوص يؤيد بعضها بعضا ، فلو كان من مقاصد الشريعة أن يتزوج الرجل أكثر من امرأة لجعل للذكر من الأولاد أكثر من حظ الأنثيين ، وللزوجين ، والزوجات أكثر من حظ الزوج الواحدة ، ولكن التعدد في نظر الشرع من الأمور النادرة غير المقصودة فلم يراعه في أحكامه . والأحكام إنما توضع لما هو الأصل الذي عليه العمل في الغالب ، والنادر لا حكم له .

ولما بين ـ جلت حكمته ـ أحكام الأولاد والوالدين ، والأزواج ، وكل واحد منهم يتصل بالميت مباشرة بلا واسطة ، شرع في بيان ما يتصل بالميت بالواسطة ، وهو الكلالة فقال :

التالي السابق


الخدمات العلمية