ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات الاستطاعة أن يكون الشيء في طوعك لا يتعاصى على قدرتك ، وهو أوسع من الإطاقة ، والطول : الغنى والفضل من المال والحال ، أو القدرة على تحصيل المطالب والرغائب ، والمحصنات : فسرت هنا بالحرائر خاصة بدليل مقابلتها بالفتيات وهن الإماء ، والحرية كانت عندهم داعية الإحصان ، والبغاء شأن الإماء ، قالت
هند للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أوتزني الحرة ؟ وفي التعبير عنهن بهذا اللقب إرشاد إلى تكريمهن ; فإن الفتاة تطلق على الشابة وعلى الكريمة السخية كأنه يقول : لا تعبروا عن عبيدكم وإمائكم بالألفاظ الدالة على الملك ، بل بلفظ الفتى والفتاة المشعر بالتكريم ، ومن هنا أخذ مبلغ القرآن ومبينه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919071 " لا يقولن أحدكم : عبدي أمتي ، ولا يقل المملوك : ربي ; ليقل المالك : فتاي وفتاتي ، وليقل المملوك : سيدي وسيدتي ، فإنكم المملوكون ، والرب هو الله عز وجل " رواه الشيخان وفيه إيماء أيضا إلى زيادة تكريم الأرقاء إذا كبروا في السن بتقليل الخدمة عليهم ، أو إسقاطها عنهم .
[ ص: 16 ] والمعنى : ومن لم يستطع منكم طولا في المال أو الحال لنكاح المحصنات ، أو من لم يستطع استطاعة طول ، أو من جهة الطول نكاح المحصنات اللواتي أحل لكم أن تبتغوا نكاحهن بأموالكم ، وأمرتم أن تقصدوا بالاستمتاع والانتفاع بنكاحهن الإحصان لهن ولأنفسكم ، فلينكح امرأة من نوع ما ملكتم من فتياتكم ، أي : إمائكم المؤمنات ، وهذا يؤيد ما قررناه تبعا لجمهور السلف والخلف من كون الاستمتاع في الآية السابقة هو النكاح الثابت ، لا المتعة التي هي استئجار عارض ، وتقدم أن الاستمتاع الانتفاع ، ومنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=919072قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للرجل الذي شكا من امرأته ولم تسمح نفسه بطلاقها : " فاستمتع بها " رواه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، ولو كانت تلك الآية تجيز المتعة بالحرائر لما كان لوصل هذه الآية بها فائدة ، وأي امرئ لا يستطيع المتعة لعدم الطول حتى يتزوج الأمة فيجعل بها نسله مملوكا لمولاها ؟ فإن قيل : إنه ربما لا يستطيعها لعدم رغبة النساء فيها ؛ لأنها من العار ، قلنا : إن صح أن هذا من عدم استطاعة الطول فهو لا يفيد هذا القائل ; لأن سبب عد المتعة عارا في الغالب هو تحريمها ، ومن لا يحرمها
كالشيعة فإنما يبيحونها في الغالب اعتقادا في ذلك عليهم ، ولا شك أن عار الزنا المطلق أشد لغلبة شعور سائر المسلمين واعتقادهم في ذلك عليهم ، ولا شك أن عار الزنا المطلق أشد عندهم وعند سائر الناس من عار المتعة ، وقلما يتركه أحد لعدم استطاعة الطول ، وإنما يتركه من يتركه تدينا في الغالب ، وخوفا من الأمراض التي تنشأ منه عند بعض الناس ، ومن قدر على الزنا كان على المتعة أقدر ، ومن الغفلة أن تقيد الأحكام بعادات بعض الناس وأحوالهم الاجتماعية لتوهم أن كل الناس كذلك في كل زمن حتى من التشريع .
الأستاذ الإمام : فسروا الطول هنا
بالمال الذي يدفع مهرا ، وهو تحكم ضيقوا به معنى الكلمة ، وهي من مادة الطول بالضم ، فمعناها الفضل والزيادة ، والفضل يختلف باختلاف الأشخاص والطبقات ، وقد قدر بعضهم كالحنفية المهر بدراهم معدودة ، فقال بعضهم : ربع دينار ، وقال بعضهم : عشرة دراهم ، وليس في الكتاب ولا في السنة ما يؤيده ، بل ورد أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لمريد الزواج : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919073التمس ولو خاتما من حديد " ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بلفظ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919074تزوج ولو بخاتم من حديد " ، وهو في الصحيحين والسنن ، وهو الذي أمره النبي بالتماس خاتم الحديد ، وتزوج بعضهم بنعلين ، وأجازه النبي صلى الله عليه وسلم ، صححه
الترمذي ، ولم يقيد السلف المهر بقدر معين ، وتفسير الطول بالغنى لا يلائم تحديد المحددين ; فإنه لا يكاد أحد يجد أمة يرضى أن يزوجها سيدها بأقل من ربع دينار أو عشرة دراهم أو نعلين ، وفسره
أبو حنيفة ـ أو قال بعض الحنفية ـ بأن يكون عنده حرة يستمتع بنكاحها بالفعل ، أي : ومن لم يكن منكم متزوجا امرأة حرة مؤمنة فله أن يتزوج أمة ، فحاصله عدم الجمع بين الحرة
[ ص: 17 ] والأمة ( قال ) : والطول أوسع من كل ما قالوه ، وهو الفضل والسعة المعنوية والمادية ، فقد يعجز الرجل عن التزوج بحرة ، وهو ذو مال يقدر به على المهر المعتاد لنفور النساء منه لعيب في خلقه أو خلقه ، وقد يعجز عن القيام بغير المهر من حقوق المرأة الحرة ، فإن لها حقوقا كثيرة في النفقة والمساواة وغير ذلك ، وليس للأمة مثل تلك الحقوق كلها ، ففقد استطاعة الطول له صور كثيرة ، و المؤمنات ليس بقيد في الحرائر ولا في الإماء أيضا ، وإن قيل به ، وإنما هو لبيان الواقع ، فإنه كان نهاهم عن نكاح المشركات في سورة البقرة ، وهن أولئك الوثنيات اللواتي لا كتاب لقومهن ، وسكت عن
نكاح الكتابيات ، والنهي عن
نكاح المشركات لا يشملهن ـ كما تقدم في تفسير سورة البقرة ص 282 ج 2 تفسير - فكان الزواج محصورا في المؤمنات ، فذكره ؛ لأنه الواقع ، أي : ولأنهم لم يكونوا معرضين لنكاح الكتابيات ، ثم صرح بحل زواجهن في سورة المائدة ، وهي قد نزلت بعد سورة النساء بلا خلاف ، وفي الوصف بالمؤمنة إرشاد إلى ترجيحها على الكتابية عند التعارض .
أقول : في هذا أحسن تخريج وتوجيه لما عليه الحنفية ، وهم يبنونه على عدم الاحتجاج بمفهوم الشرط ومفهوم اللقب ، وإلا فظاهر الشرط أن
من قدر على نكاح الحرة المؤمنة لا يحل له أن ينكح الأمة المؤمنة بله غير المؤمنة ، وظاهر وصف الفتيات بـ المؤمنات أنه لا يحل نكاح الأمة غير المؤمنة ، وقد أحل الله في سورة المائدة نكاح المحصنات من الذين أوتوا الكتاب ـ وهن الحرائر ـ في قول
مجاهد وغير واحد من مفسري السلف ، وقال غيرهم : هن العفائف وعلى هذا تكون آية المائدة دليلا على أن الوصف هنا لا مفهوم له ، أو ناسخة لمفهومه ، أو مخصصة لعمومه إن قلنا : إنه عام ، وسيأتي أنه خاص ، وعندي أن مفهوم الصفة تارة يكون مرادا ، وتارة لا يكون مرادا ، فإذا قلت : وزع هذا المال أو انسخ هذا الكتاب على طلاب العلم الفقراء تعين ألا يوزع على الأغنياء منهم شيء منه ; لأن الصفة مقصودة لمعنى فيها كان هو سبب العطاء ، وإذا قلت : وزع هذه الدراهم على الخدم الواقفين بالباب ، جاز أن يعطى منها للواقف منهم والقاعد ; لأن الصفة هاهنا ذكرت لبيان الواقع المعتاد لا لمعنى في الوقوف يقتضي العطاء ، فبالقرائن تعرف الصفة التي يراد مفهومها ، والصفة التي لا يراد مفهومها ، وقد يقال : إن من القرينة على اعتبار مفهوم الوصف بـ المؤمنات هنا أنه لم يكن عندهم في مقابلته إلا المشركات وهن محرمات بنص آية البقرة ، فلولا القيد هنا لتوهم نسخ ذلك التحريم ولم يذكر مثل هذا القيد في قوله تعالى :
والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، ففهم منها أن المسبيات المشركات حلال فاستمتعوا بهن يوم
أوطاس ، فالمفهوم هنا خاص بالمشركات ، والصواب أن المشركات المحرمات في آية البقرة هن مشركات العرب كما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن بعض مفسري السلف فحرم نكاحهن حتى يؤمن ; لأن للإسلام سياسة
[ ص: 18 ] خاصة بالعرب وهي عدم إقرارهم على الشرك ؛ ليكونوا كلهم مسلمين ، وأما أهل الكتاب فإنه يقرهم على دينهم ويرضى من الداخلين في ذمة المسلمين منهم أن يؤدوا الجزية ; ولذلك أجاز للمسلمين في موادتهم أن يؤاكلوهم ويتزوجوا منهم ، وكذلك أقر
المجوس على دينهم ، ومن كان مثلهم فله حكمهم
كالبراهمة والبوذيين ، والله أعلم وأحكم .
ويدل على اعتبار مفهوم الصفة أيضا قوله تعالى :
والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض ، فهو يبين أن الإيمان قد رفع شأن الفتيات المؤمنات ، وساوى بينهن وبين الأحرار والحرائر في الدين ، وهو أعلم بحقيقة هذا الإيمان ودرجات قوته ، وكماله ، فرب أمة أكمل إيمانا من حرة فتكون أفضل منها عند الله تعالى ، أي : فلا يصح مع هذا أن تعدوا نكاح الأمة عارا عند الحاجة إليه ، فأنتم أيها المؤمنون إخوة في الإيمان بعضكم من بعض كما قال تعالى :
فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ( 3 : 195 ) ، وقال :
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ( 9 : 71 ) ، وقال في غيرهم :
المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ( 9 : 67 ) ، إلخ ، وقيل : بعضكم من بعض في النسب وهو ضعيف كما ترى فالإيمان هو المراد ، إذ لا ينبغي للمؤمن أن ينكح من اجتمع فيها نقص الشرك ونقص الرق .
فانكحوهن بإذن أهلهن أي : فإذا رغبتم في نكاحهن ـ لما رفع الإيمان من شأنهن ـ فانكحوهن بإذن أهلهن ، قالوا : إن المراد بالأهل هنا الموالي المالكون لهن .
وقال بعض الفقهاء : المراد من لهم ولاية التزويج ولو من غير المالكين ، فللأب أو الجد ، أو القاضي أو الوصي تزويج أمة اليتيم ، وفي هذه المسائل تفصيل وخلاف في الفقه ، والمراد هنا أن الأمة كالحرة في تزويج أوليائها لها وعدم تزويجها لنفسها ، بل هي أولى من الحرة في الحاجة إلى إذن أوليائها ، والظاهر أنه لا بد بعد رضا المولى بتزويجها من تولي وليها في النسب للعقد إن كان ، وإلا فالمولى أو القاضي يتولى ذلك .
وآتوهن أجورهن بالمعروف أي : وأعطوهن مهورهن التي تفرضونها لهن ،
فالمهر حق للزوجة على الزوج ، وإن كانت أمة فهو لها لا لمولاها ، وبذلك قال
مالك ، وخالفه أكثر الفقهاء وأولوا الآية بأن المراد وآتوا أهلهن أجورهن على حذف مضاف أو بأن قيد
بإذن أهلهن معتبر هنا ، وذلك أن هذا المهر عندهن هو حق المولى ; لأنه بدل عن حقه بالاستمتاع ومن يقول : إن المهر لها لا ينكر أن الرقيق لا يملك لنفسه ، وكون ملكه لسيده ، وإنما يرى أن المهر هو حق الزوجة تصلح به شأنها ويكون تطييبا لنفسها في مقابلة رياسة الزوج عليها ، فإن شاء سيد الأمة التي يزوجها أن يأخذه منها بحق الملك فعل ، وإن شاء أن يتركه لها تصلح به شأنها فهو الأفضل والأكمل ، ويمكن أن يقال أيضا : إذا عرف من الشرع أن الله تعالى جعل للرقيق أن يملك لنفسه شيئا معينا كملك الأمة المتزوجة لمهرها ، فمن يستطيع أن يمنع
[ ص: 19 ] ذلك برأيه أو قواعد فقهه ؟ والمولى مخير ـ مع خضوعه لحكم ربه ـ إن شاء أن يزوج أمته ، بل فتاته بغير عوض مالي مكتفيا بما قرره له الفقهاء من امتلاك ذريتها ، وإن شاء طلب من الزوج عوضا ماليا وهذا هو الذي أعتقده ، وقوله تعالى : بالمعروف جعله بعضهم متعلقا بإيتاء الأجور ، وبعضهم بقوله : فانكحوهن ، أي : وما عطف عليه ، والمراد المعروف بينكم في حسن التعامل ومهر المثل وإذن الأهل ، وقال الأستاذ الإمام : إيتاء الأجور بالمعروف معناه بالمتعارف بين الناس ، ولم يقل هنا كما قال في الحرائر : فريضة لأن المؤنة فيه أخف والأمر أهون ، والتساهل في أجور الإماء معهود بين الناس ، ولا إشكال في إعطائها المهر مع كونها لا تملك ; لأن المملوك يقبض وإن كان لا يملك ، وقد نقل
أبو بكر الرازي عن بعض أئمة المالكية - أو قال : أصحاب
مالك - أن السيد إذا زوج جاريته فقد جعل للزوج ضربا من الولاية عليها لا يشاركه هو فيه ، فما تأخذه من الزوج يكون في مقابلة ما أسقط السيد حقه منه فلا يكون له حظ منه ، بل يكون لها وحدها ، وهذا هو الصحيح .
وقوله تعالى :
محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ، قيد لقوله : فانكحوهن أو لقوله :
وآتوهن أجورهن وعلى الأول يكون المراد بالمحصنات العفائف ، وعلى الثاني يكون معناه المتزوجات ، أي : أعطوهن أجورهن حال كونهن متزوجات منكم لا مستأجرات للبغاء جهرا وهن المسافحات ، ولا سرا وهن متخذات الأخدان ، فالخدن : هو الصاحب يطلق على الذكر والأنثى ، وكان
الزنا في الجاهلية على قسمين : سر وعلانية ، وعام وخاص فالخاص السري : هو أن يكون للمرأة خدن يزني بها سرا فلا تبذل نفسها لكل أحد ، والعام الجهري : هو المراد بالسفاح كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وهو البغاء ، وكان البغايا من الإماء ، وكن ينصبن الرايات الحمر لتعرف منازلهن ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن أهل الجاهلية كانوا يحرمون ما ظهر من الزنا ويقولون : إنه لؤم ، ويستحلون ما خفي ويقولون : لا بأس به ، ولتحريم القسمين نزل قوله تعالى :
ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ( 6 : 151 ) ، والمراد بتحريمهم لزنا العلانية استقباحه ، وعد ما يأتيه لئيما ، وهذان النوعان من الزنا معروفان الآن وفاشيان في بلاد الإفرنج والبلاد التي تقلد الإفرنج في شرور مدنيتهم
كمصر والآستانة وبعض بلاد الهند ، ويسمي المصريون الخدن بالرفيقة ، والترك يطلقون لفظ الرفيقة على الزوجة ، ومثلهم التتر في روسيا فليتنبه لهذا العرف ، ومن هؤلاء الإفرنج والمتفرنجين من هم كأهل الجاهلية يستحسنون الزنا السري ويبيحونه ، ويستقبحون الجهري وقد يمنعونه ، ومنهم من هم شر من الجاهلية ؛ لأنهم يستبيحون الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولكن المنسوبين إلى الإسلام منهم
[ ص: 20 ] يستبيحونها بالعمل دون القول ! ! ومن هؤلاء من تخدعه جاهليته فتوهمه أنه يكون على بقية من الدين إذا هو استباح الفواحش والمنكرات بالعمل فواظب عليها بلا خوف من الله ، ولا حياء ، ولا لوم من النفس ولا توبيخ بشرط ألا يقول هي حلال ، وقد أنكر أحد الأمراء مرة على بعض الفقهاء قوله في بعض صور المعاملات : إنها من الربا ، وقال : إنني أنا آكل الربا لا أنكر ذلك ، ولكنني مسلم لا أقول إنه حلال ! ! فكأن الإسلام قد جاء يعلم الناس أن يعترفوا بأنه حرم الفواحش والمنكرات من غير أن يجتنبوها ، وبأنه فرض الفرائض واستحب المستحبات من غير أن يؤدوها ، ويجهل هؤلاء الضالون أن غير المسلمين يقولون أيضا : إن الإسلام حرم هذه المحرمات ، وأوجب تلك الواجبات ، فهل صلحت بذلك نفوسهم وأحوالهم الاجتماعية ، وصاروا أهلا لرضوان الله وثوابه ؟ !
وجملة القول أنه تعالى فرض في نكاح الإماء ما فرض في نكاح الحرائر من الإحصان ، وتكميل النفوس بالعفة لكل من الزوجين ، واختلف التعبير في الموضعين ، فقال في نكاح الحرائر :
محصنين غير مسافحين لأن النساء الحرائر عامة ، والأبكار منهم خاصة أبعد من الرجال عن الفاحشة ، فلما كان الرجال أكثر تعرضا لخدش العفة ، وانقيادا لطاعة الشهوة ، وكانوا مع ذلك هم الطالبين للنساء والقوامين عليهن جعل قيد الإحصان وعدم السفاح من قبلهم أولا وبالذات كما تقدم ، ولما كان الزنا هو الغالب على الإماء في الجاهلية ، وكانوا يشترونهن لأجل الاكتساب ببغائهن ، حتى أن
عبد الله بن أبي - رأس النفاق - كان يكره إماءه بعد أن أسلمن على البغاء ، فنزل في ذلك قوله تعالى :
ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ( 24 : 33 ) ، ولما كن أيضا مظنة للزنا لذلهن وضعف نفوسهن ، وكونهن عرضة للانتقال من رجل إلى آخر ، فلم تتوطن نفوسهن على عيشة الاختصاص مع رجل واحد يرى لهن عليه من الحقوق ما تطمئن به نفوسهن في الحياة الزوجية التي هي من شأن الفطرة ، لما كان ذلك كذلك جعل قيد الإحصان في جانبهن ، فاشترط على من يتزوج أمة أن يتحرى أن تكون محصنة مصونة من الزنا في السر والجهر ، وإذا جعلنا لفظ المحصنة مشتركا بين اسم الفاعل ، واسم المفعول كما تقدم عن رواة اللغة في تفسير :
والمحصنات من النساء ، يكون المراد : انكحوهن محصنات لكم ولأنفسهن غير مسافحات يمكن من أنفسهن أي طالب ولا متخذات أخدان وأصحاب ـ أو رفقاء كما في عرف المصريين ـ تختص كل واحدة منهن بصاحب .