ومن قتل مؤمنا خطأ ، بأن ظنه كافرا محاربا ، والكافر الحربي - غير المعاهد والمستأمن والذمي - من إذا لم تقتله قتلك إذا قدر على قتلك ، أو
أراد رمي صيد أو غرض فأصاب المؤمن ، أو ضربه بما لا يقتل عادة كالصفع باليد أو الضرب بالعصا فمات وهو لم يكن يقصد قتله
فتحرير رقبة مؤمنة ، أي : فعليه من الكفارة على عدم تثبته تحرير رقبة مؤمنة ، أي عتق رقبة نسمة من أهل الإيمان من الرق ; لأنه لما أعدم نفسا من المؤمنين كان كفارته أن يوجد نفسا ، والعتق كالإيجاد ، كما أن الرق كالعدم ، عبر بالرقبة عن الذات لأن الرقيق يحني رقبته دائما لمولاه ، كلما أمره ونهاه ، أو يكون مسخرا له كالثور الذي يوضع النير على رقبته لأجل الحرث ، ولهذا قال جمهور العلماء : لا يجزئ
عتق الأشل ولا المقعد ; لأنهما لا يكونان مسخرين ذلك التسخير الشديد في الخدمة الذي يحب الشارع إبطاله وتكريم البشر بتركه ، ومثلهما الأعمى والمجنون الذي قلما يصلح للخدمة وقلما يشعر بذل الرق ، وروي عن
مالك أنه لا يجزئ
عتق الأعرج الشديد العرج ، والأكثرون على أنه يجزئ كالأعور وتفصيل هذه الأحكام في كتب الفقه ، والحر العتيق في أصل اللغة كريم الطباع ، ويقولون : الكرم في الأحرار واللؤم في العبيد ، وإنما يكونون لؤماء لأنهم يساسون بالظلم ، ويسامون الذل ، والتحرير جعل العبد حرا .
واختلفوا في
تحديد معنى المؤمنة هنا ، فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والحسن nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي والنخعي وقتادة وغيرهم من مفسري السلف وفقهائهم أنها التي صلت وعقلت الإيمان ، ويظهر هذا في الكافر الذي يسلم دون من نشأ في الإسلام ، وقال آخرون من فقهاء الأمصار منهم
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : إن كل من يصلى عليه إذا مات يجوز عتقه في الكفارة ، وهذا هو التعريف المناسب لزمنهم الذي كثر فيه الأرقاء الناشئون في الإسلام .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير في سبب نزول هذه الآية عن
عكرمة قال :
كان الحارث بن يزيد [ ص: 271 ] من بني عامر بن لؤي يعذب عياش بن أبي ربيعة مع أبي جهل ، ثم خرج الحارث مهاجرا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلقيه عياش بالحرة فعلاه بالسيف وهو يحسب أنه كافر ، ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فنزلت الآية فقرأها النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال له : " قم فحرر " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي بأطول من هذا ، وروي عن
ابن زيد أنها نزلت في رجل قتله
nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء في سرية حمل عليه بالسيف فقال : لا إله إلا الله ، فضربه .
ثم قال :
ودية مسلمة إلى أهله ، أي وعليه من الجزاء مع عتق الرقبة دية يدفعها إلى أهل المقتول ،
فالكفارة حق الله ،
والدية ما يعطى إلى ورثة المقتول عوضا عن دمه أو عن حقهم فيه ، وهي مصدر ودى القتيل يديه وديا ودية - كعدة وزنة من الوعد والوزن - ويعرفها الفقهاء بأنها
المال الواجب بالجناية على الحر في نفس أو فيما دونها ، وقد أطلق الكتاب الدية وذكرها نكرة فظاهر ذلك أنه يجزئ منها ما يرضي أهل المقتول وهم ورثته قل أو كثر ، ولكن السنة بينت ذلك وحددته على الوجه الذي كان معروفا مقبولا عند العرب ، وأجمع الفقهاء على أن
دية الحر المسلم الذكر المعصوم - أي المعصوم دمه بعدم ما يوجب إهداره - مائة بعير مختلفة في السن وتفصيلها في كتب الفقه ، وقالوا : يجوز العدول عن الإبل إلى قيمتها ، والعدول عن أنواعها في السن بالتراضي بين الدافع والمستحق ، وإذا فقدت وجبت قيمتها ،
ودية المرأة - ومثلها الخنثى - نصف دية الرجل ، والأصل في ذلك أن المنفعة التي تفوت أهل الرجل بفقده أكبر من المنفعة التي تفوت بفقد الأنثى فقدرت بحسب الإرث ، وظاهر الآية أنه لا فرق بين الذكر والأنثى .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11949أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003204أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن كتابا وكان في كتابه : " أن من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول ، وأن في النفس الدية مائة من الإبل - إلى أن قال بعد ذكر قود الأعضاء - وعلى أهل الذهب ألف دينار " ، وهذا يدل على أن دية الإبل على أهلها التي هي رأس مالهم ، وأن على أهل الذهب الدية من الذهب ، وظاهر الحديث أن الدية على الذين يتعاملون بالنقد كأهل المدن تكون من الذهب والفضة وأن هذا الأصل لا قيمة للإبل ، وسيأتي مزيد لبحث الدية في دية الكافر ، والحديث روي مرسلا عند
أبي داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، وموصولا عند غيرهما ، واختلف فيه وعمل به الجماهير ، والاعتباط : القتل بغير سبب شرعي ، من اعتبط الناقة إذا ذبحها لغير علة ، والقود - بالتحريك - القصاص ; أي : يقتل به إلا إذا عفا عنه أولياء المقتول .
وقوله - تعالى - :
إلا أن يصدقوا ، معناه أن
الدية تجب على قاتل الخطأ لأهل المقتول ، ألا أن يعفوا عنها ويسقطوها باختيارهم فلا تجب حينئذ ; لأنها إنما فرضت لهم تطييبا لقلوبهم وتعويضا عما فاتهم من المنفعة بقتل صاحبهم وإرضاء لأنفسهم عن القاتل حتى لا تقع
[ ص: 272 ] العداوة والبغضاء بينهم ، فإذا طابت نفوسهم بالعفو عنها حصل المقصود ، وانتفى المحذور ; لأنهم يرون أنفسهم بذلك أصحاب فضل ، ويرى القاتل لهم ذلك ، وهذا النوع من الفضل والمنة لا يثقل على النفس حمله ، كما يثقل عليها حمل منة الصدقة بالمال ، وقد عبر عنه بالتصدق للترغيب فيه .