فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم ، والإشارة بأولئك إلى من استثناهم ممن توعدهم على ترك الهجرة ، أي : إن أولئك
المستضعفين الذين لم يهاجروا للعجز وتقطع الأسباب والحيل وتعمية السبل يرجى أن يعفو الله عنهم ولا يؤاخذهم بالإقامة في دار الكفر ، والوعد بعسى الدالة على الرجاء ، أطمعهم تعالى بالعفو ، ولم يجزم به للإيذان بأن أمر الهجرة مضيق فيه ، وأنه لا بد منه ، ولو باستعمال دقائق الحيل ، والبحث عن مضايق السبل ، حتى لا يخدع محب وطنه بنفسه ويعد ما ليس بمانع مانعا ، وصرح كثير من المفسرين بأن صيغة الرجاء فيها بالنسبة إلى المخاطب ، وعلم الله بتحقيق الرجاء أو عدمه قطعي ، وقال الأستاذ الإمام ، قالوا : إن عسى في كلام الله للتحقيق ولا يصح على إطلاقه ; لأنه يسلب الكلمة معناها فكأنه لا محل لها ، ونقول فيها ما قلناه في " لعل " وهو أن معناها الإعداد والتهيئة ، والمعنى أنه تعالى يعدهم ويهيؤهم لعفوه ، والنكتة في اختيار التعبير عن التحقيق بعسى الدالة على الترجي إن صح هي تعظيم أمر ترك الهجرة وتغليظ جرمه .
وكان الله عفوا غفورا أي : وكان شأن الله - تعالى - العفو عن المخالفات التي لها أعذار صحيحة بعدم المؤاخذة عليها ، ومغفرتها بسترها في الآخرة وعدم فضيحة صاحبها ; لأنه تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها .