ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ، وصل هذا بما قبله
للترغيب في الهجرة ، وتنشيط المستضعفين وتجرئتهم على استنباط الحيل لها ; لأن الإنسان يتهيب الأمر المخالف لما اعتاده وأنس به ، ويتخيل فيه من المشقات والمصاعب ما لعله لا يوجد إلا في خياله ، فبعد أن توعد التارك المقصر ، وأطمع التارك المعذور في العفو إطماعا مبنيا على أن ذلك من شأن الله - تعالى - أن يفعله ، بين تعالى أن ما يتصوره بعض الناس من عسر الهجرة لا محل له ، وأن عسره إلى يسر ، من يهاجر بالفعل يجد في الأرض مراغما كثيرا ، أي : متحولا من الرغام وهو التراب ، أو مذهبا في الأرض يرغم بسلوكه أنوف من كانوا مستضعفين له ، أو مكانا للهجرة ومأوى يصيب فيه الخير والسعة فوق النجاة من الاضطهاد
[ ص: 293 ] والذل ، فيرغم بذلك أنوفهم ، وفيه الوعد للمهاجرين في سبيل الله بتسهيل السبل وسعة العيش ، وإنما تكون الهجرة في سبيل الله حقيقة إذا كان قصد المهاجر منها إرضاء الله - تعالى - بإقامة دينه ، كما يجب ، وكما يحب - تعالى - ، ونصر أهله المؤمنين ، على من يبغي عليهم من الكافرين .