وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا الخوف : توقع ما يكره بوقوع بعض أسبابه أو ظهور بعض أماراته ،
والنشوز الترفع والكبر وما يترتب عليهما من سوء المعاملة وتقدم تفسيره من قبل ، والإعراض : الميل والانحراف عن الشيء ، أي : وإن خافت امرأة خافت من بعلها نشوزا وترفعا عليها ، أو إعراضا عنها ، بأن ثبت لها ذلك ، وتحقق ولم يكن وهما مجردا ، أو وسواسا عارضا ، يدل على ذلك جعل فعل الخوف المذكور ، مفسرا لفعل محذوف ، للاحتراس من بناء الحكم على أساس الوسوسة التي تكثر عند النساء ، وهو من إيجاز القرآن البديع ، وذلك أن المرأة إذا رأت زوجها مشغولا بأكبر العظائم المالية أو السياسية أو حل أعوص المسائل العلمية ، أو بغير ذلك من المشاكل الدنيوية أو المهمات الدينية ، لا تعد ذلك عذرا يبيح له الإعراض عن مسامرتها أو منادمتها ، أو الرغبة عن مناغاتها ومباعلتها ، والواجب عليها أن تتبين وتتثبت فيما تراه من أمارات النشوز والإعراض فإذا ظهر لها أن ذلك لسبب خارجي لا لكراهتها والرغبة عن معاشرتها بالمعروف ، فعليها أن تعذر الرجل وتصبر على ما لا تحب من ذلك ، وإن ظهر لها أن ذلك لكراهته إياها ورغبته عنها
فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا ، قرأ الكوفيون يصلحا بوزن يكرما من الإصلاح والباقون " يصالحا " بتشديد الصاد ، وأصله يتصالحا ، أي : فلا جناح عليها ولا عليه في الصلح الذي يتفقان عليه بينهما ، كأن تسمح له ببعض حقها عليه في النفقة أو المبيت معها أو بحقها كلها فيهما أو في أحدهما لتبقى في عصمته مكرمة أو تسمح له ببعض المهر ومتعة الطلاق أو بكل ذلك ليطلقها ، فهو كقوله تعالى في سورة البقرة
فلا جناح عليهما فيما افتدت به ( 2 : 229 ) ، وإنما
يحل للرجل ما تعطيه من حقها إذا كان برضاها ، لاعتقادها أنه خير لها من غير أن يكون ملجئا إياها إليه بما لا يحل له من ظلمها أو إهانتها ؛ روي عن بعض مفسري السلف أن هذه الآية نزلت في الرجل تكون عنده المرأة يكرهها لكبر سنها أو دمامتها ويريد التزوج بخير منها ، ويخاف ألا يعدل بينها وبين الجديدة فيكاشفها بذلك ويخيرها بين الطلاق وبين البقاء عنده بشرط أن تسقط عنه حقها في القسم ، أي حصتها من المبيت عندها ، ومثلها الرجل الذي عنده امرأتان مثلا يكره إحداهما ويريد فراقها إلا أن تصالحه على إسقاط حقها في المبيت ، أو يعجز عن النفقة عليهما فيريد أن يطلق إحداهما إلا أن تصالحه على إسقاط حقها من النفقة ، فإذا لم ترض المكروهة لكبرها أو قبحها إلا بحقها
[ ص: 364 ] في القسم والنفقة ، وجب على الرجل إيفاؤها حقها وألا ينقص منه شيئا ، فإن قدر على أن يصالحها بمال يبذله لها بدلا من لياليها ، ورضيت بذلك جاز لهما ، ولا جناح عليهما فيه كما لا جناح عليهما في غير هذه الصورة من صور الصلح ، فإن المقصد هو
التراضي والمعاشرة بالمعروف أو التسريح بإحسان
والصلح خير ، من التسريح والفراق ، وإن كان بإحسان وأداء المهر والمتعة وحفظ الكرامة كما هو الواجب على المطلق ; لأن رابطة الزوجية من أعظم الروابط وأحقها بالحفظ ، وميثاقها من أغلظ المواثيق وأجدرها بالوفاء ، وعروض الخلاف والكراهة وما يترتب عليها من النشوز والإعراض وسوء المعاشرة لمن يقف عند حدود الله من الأمور الطبيعية التي لا يمكن زوالها من بين البشر ، والشريعة العادلة الرحيمة هي التي تراعى فيها السنن الطبيعية والوقائع الفعلية بين الناس ، ولا يتصور في ذلك أكمل مما جاء به الإسلام ; فإنه جعل القاعدة الأساسية هي المساواة بين الزوجين في كل شيء إلا القيام برياسة الأسرة والقيام على مصالحها لأنه أقوى بدنا وعقلا وأقدر على الكسب وعليه النفقة قال :
ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة ( 2 : 228 ) ، وهذه الدرجة هي التي بينها بقوله
الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ( 4 : 34 ) ، وفرض عليهم العدل والإحسان في هذه الرياسة ، فيجب على الرجل وراء النفقة على امرأته أن يعاشرها بالمعروف ، وأن يحصنها ويعفها ويحصن نفسه ويعفها بها ، ولا يجوز له أن يجعل لها ضرة شريكة في ذلك إلا إذا وثق من نفسه بالعدل بينهما ، وإنما أبيح له ذلك بشرطه ; لأنه من ضرورات الاجتماع ولا سيما في أزمنة الحروب التي يقل فيها الرجال ، وتكثر النساء كما بينا كل ذلك بالتفصيل في محله ، فإن أراد ذلك أو فعله أو وقع بينهما النفور بسبب آخر فيجب على كل منهما أن يتحرى العدل والمعروف ، فإن خافا ألا يقيما حدود الله فعلى الذي يريد منهما أن يخلص من الآخر أن يسترضيه ، وكما
جعل الله الطلاق للرجل لأنه أحرص على عصمة الزوجية ، لما تكلفه من النفقة ولأنه أبعد عن طاعة الانفعال العارض ، جعل
للمرأة حق الفسخ إذا لم يف بحقوقها من النفقة والإحصان ، وقيل : إن كلمة خير ليست للتفضيل وإنما هي لبيان خيرية الصلح في نفسه .