قال تعالى : فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ، أي : فلا تتبعوا الهوى وميل النفس إلى أحد ممن كلفتم العدل فيهم ، أو الشهادة لهم أو عليهم ، كراهة أن تعدلوا ، بل آثروا العدل على الهوى ، فبذلك يستقيم الأمر في الورى ، أو لا تتبعوا الهوى لئلا تعدلوا عن الحق إلى الباطل ، فالهوى مزلة الأقدام
وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ، كتبت : تلووا في المصحف الإمام بواو واحدة لتحتمل القراءتين المتواترتين ، وهي قراءة الكوفيين تلوا ، بضم اللام وإسكان الواو من الولاية ، وقراءة الباقين بسكون اللام وضم الواو من اللي والمعنى على الأول : وإن تلوا أمر الشهادة وتؤدوها أو تعرضوا عن تأديتها وتكتموها ، فإن الله كان خبيرا بعملكم لا يخفى عليه قصدكم ونيتكم فيه ، وعلى الثاني : وإن تلووا ألسنتكم بالشهادة وتحرفوها ، أو تعرضوا عنها فلا تؤدوها ، فإن الله كان بعملكم هذا خبيرا فيجازيكم عليه ، وقد ذكرهم هنا بكونه خبيرا ولم يقل عليما ; لأن الخبرة هي العلم بدقائق الأمور وخفاياها ، فهي التي تناسب هذا المقام الذي تختلف فيه النيات ، ويكثر فيه الغش والاحتيال حتى إن الإنسان ليغش نفسه ويلتمس لها العذر في كتمان الشهادة أو التحريف فيها ، فهل يتدبر المسلمون الآية كما أمرهم الله بتدبر القرآن فيقيموا
العدل والشهادة بالحق ، أم يعملون برأي أهل الحيل الذين يزعمون أن الله كلفهم اتباعهم دون اتباع كتابه والاهتداء به ؟ !