ولما أمر بالإيمان بكل ما ذكر توعد على الكفر بأي شيء منه فقال :
ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا ،
فالإيمان بالله هو الركن الأول ،
والإيمان بجنس الملائكة الذين يحملون الوحي إلى الرسل هو الركن الثاني ،
والإيمان بجنس الكتب التي نزل بها الملائكة على الرسل هو الركن الثالث
والإيمان بجنس الرسل الذين بلغتهم الملائكة تلك الكتب فبلغوها الناس هو الركن الرابع ،
والإيمان باليوم الآخر الذي يجزى فيه المكلفون على عملهم بتلك الكتب مع الإيمان بما ذكر كل بحسب كتابه إلا أن ينسخ بما بعده هو الركن الخامس ، ومن فرق بين كتب الله ورسله فآمن ببعض وكفر ببعض
كاليهود والنصارى لا يعتد بإيمانه ; لأنه متبع للهوى فيه أو للتقليد الذي هو عين الجهل ، وقد وصف الله خاتم رسله وأمته التي هي خير الأمم بقوله :
آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ( 2 : 285 ) ، ولولا التقليد الذي هو جهل وعمى ، أو التعصب واتباع الهوى ، لما كان يعقل أن يفهم أحد معنى النبوة والرسالة ويؤمن
بموسى وعيسى عن علم وبصيرة بذلك ، ثم يكفر
بمحمد صلى الله عليه وعليهما وسلم ، فإن سر الرسالة هو الهداية ، ولم يكن
موسى ولا
عيسى أهدى من
محمد عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين ، فمن يكفر بالله أو بملائكته أو ببعض كتبه أو رسله أو اليوم الآخر فقد ضل عن صراط الحق الصحيح الذي ينجي صاحبه في الآخرة من العذاب الأليم ، ويمتعه بالنعيم المقيم ; لأنه إذا كفر ببعض تلك الأركان بجحود أصله وإنكاره ألبتة كانت حياته في هذه الدنيا حيوانية محضة ، لا يزكي نفسه ولا يعد روحه للحياة الباقية الأبدية ، وإن كفر ببعض الكتب والرسل كان كفره بها دليلا على أنه لم يؤمن بشيء منها إيمانا صحيحا مبنيا على فهم معناها والبصيرة بحكمتها كما بينا ذلك آنفا ، وكل ذلك من الضلال البعيد عن طريق الهداية ، ومحجة السلامة وإنما أبعده عنها جهل صاحبه لوجودها ، ومن جهل وجود الشيء لا يطلبه بالبحث عن بيناته ، وطلب أعلامه وآياته ، وأما من ضل عن الشيء وهو يؤمن بوجوده ، فإنه يبحث عنه ويستدل عليه حتى يصل إليه ، فيكون ضلاله قريبا ، ووصف الضلال بالبعيد من أبلغ الوصف وأعلاه ، وقد وحد لفظ الكتاب في أول الآية ليناسب لفظ الرسل المفرد ، وجمعه في آخرها ليناسب جمع الرسل .