1. الرئيسية
  2. تفسير المنار
  3. سورة النساء
  4. تفسير قوله تعالى يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق
صفحة جزء
[ ص: 73 ] فصل في عقيدة التثليث

قلنا : إن هذه العقيدة وثنية نقلها الوثنيون المتنصرون إلى النصرانية ، وفسروا بعض الألفاظ الواردة في كتبهم اليهودية على أن تعطيهم شبهة يتكئون عليها في هذا التضليل ، وأرغموها عليه بضرب من التحريف والتأويل ، هدموا به آيات التوحيد القوية البنيان ، العالية الأركان ; أما كون هذه العقيدة وثنية ، فقد بينه علماء أوربة بالتفصيل ، وأتوا عليه بالشواهد الكثيرة من الآثار القديمة والتاريخ ، وإننا نشير إلى قليل منها في هذا المقام .

1 - التثليث عند البراهمة :

قال موريس في ( ص 35 من المجلد السادس من كتابه : الآثار الهندية القديمة ) ما ترجمته : " كان عند أكثر الأمم الوثنية البائدة تعاليم دينية جاء فيها القول باللاهوت الثلاثي ، أو الثالوثي " .

وقال دوان ( في ص 366 من كتابه : خرافات التوراة وما يماثلها في الأديان الأخرى ) إذا رجعنا البصر إلى الهند نرى أن أعظم وأشهر عبادتهم اللاهوتية هو التثليث ، ويسمون هذا التعليم بلغتهم " تري مورتي " وهي عبارة مركبة من كلمتين بلغتهم السنسكريتية : ( تري ) ومعناها ثلاثة ، و ( مورتي ) ومعناها هيئات أو أقانيم ، وهي برهما ، وفشنو وسيفا . ثلاثة أقانيم متحدة لا تنفك عن الوحدة ; فهي إله واحد ( بزعمهم ) .

وقد شرح المؤلف معنى هذه الأصول أو الأقانيم عندهم ، وذكر أنهم يرمزون إليها بثلاثة أحرف وهي ( أ . و . م ) وأنهم يصفون هذا الثالوث المقدس الذي لا ينقسم في الجوهر ولا في الفعل ولا في الاتحاد ، بقولهم : برهما الممثل لمبادئ التكوين والخلق ، ولا يزال خلاقا إلهيا ، وهو ( الآب ) وفشنو يمثل حفظ الأشياء المكونة ( أي من الزوال والفساد ) وهو الابن المنبثق والمتحول عن اللاهوتية ، وسيفا هو المهلك والمبيد والمبدئ والمعيد ( أي الذي له التصرف والتحويل في الكون ) وهو ( روح القدس ) ويدعونه ( كرشنا ) الرب المخلص والروح العظيم الذي ولد منه ( فشنو ) الإله الذي ظهر بالناسوت على الأرض ليخلص الناس ، فهو أحد الأقانيم الثلاثة التي هي الإله الواحد .

إلى آخر ما قال ، ومنه أنهم يرمزون للأقنوم الثالث بصورة حمامة ، وهذه عين عقيدة النصارى في التثليث من كل وجه ، فهي عقيدة برهمية وثنية ، أخذها النصارى عن البراهمة وصاروا يدعونهم أخيرا إليها .

وكان منتهى شوط أحد اليسوعيين في التفرقة بينهما أن ثالوث البراهمة وأمثالهم نجس ، [ ص: 74 ] وثالوث النصارى مقدس ! فإذا قال لهم الوثنيون : الأمر بالعكس فارجعوا إلى الأصل ودعوا المبتدع . فبماذا يحجونهم ؟

والذي يظهر لي أن التوحيد هو أصل عقيدة البراهمة ، وأن أول رسول أرسل إليهم وصف لهم الإله بثلاث صفات هي التي تظهر بها حقيقة الألوهية ، وهي ( 1 ) ما به الخلق والإيجاد ، و ( 2 ) الحفظ والإمداد ، و ( 3 ) التصرف والتغيير في عالم الكون والفساد ، فلما طال عليهم الأمد ودبت إليهم الوثنية ، جعلوا لكل فعل من هذه الأفعال إلها ، وجعلوا أسماء الصفات أسماء أقانيم وذوات ، ولما كانوا ناقلين بالتواتر كلمة التوحيد ، وأن الله إله واحد ، قالوا : إن الثلاثة واحد ، وكل واحد منها عين الثلاثة . وسرت هذه العقيدة إلى غيرهم من الوثنيين في الشرق والغرب .

وللهنود تماثيل للوحدة والتثليث ، رأيت واحدا منها في دار العاديات التي بنتها الحكومة الهندية الإنكليزية في ضواحي مدينة بنارس ( المقدسة عند البراهمة ) وهو تمثال واحد له ثلاثة وجوه . ولعله هو الذي قال عنه موريس ( في ص 372 من المجلد الرابع من كتابه آثار الهند القديمة ) : لقد وجدنا في أنقاض هيكل قديم قوضه مرور القرون صنما له ثلاثة رءوس على جسد واحد ، والمقصود منه الرمز للثالوث .

التالي السابق


الخدمات العلمية